امتدت تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا إلى كثير من الدول التي يدير المجتمع الدولي ملفات الحروب الدائرة فيها وأزماتها الإنسانية والاقتصادية والسياسية، كما الحال بالنسبة لليمن الذي وصل إلى وضعية حرجة مع استنزاف الاقتصاد الوطني مدخراته المحدودة، حيث سخرها للحصول على سلع المعيشة مع شل حركة التنمية والاستثمار وتآكل قيمة العملة المحلية.
وزادت أهمية المساعدات الخارجية في اليمن الذي يعيش ظروفاً كارثية للعام الثامن على التوالي، فهي إلى جانب كونها منقذة للحياة وتخفّف وطأة الأزمة الإنسانية التي طاولت 80% من السكان منهم 22 مليون بحاجة إلى أي شكل من الإغاثة؛ أصبحت التمويلات الخارجية الموجهة نحو التعافي الاقتصادي والتنمية لا تقل أهمية عن الدعم الإنساني.
ويستعد اليمن لعقد مؤتمر الاستجابة الإنسانية في 16 مارس/ آذار الجاري، برعاية الأمم المتحدة، والذي سيقف أمام تداعيات نقص التمويل على مستوى الأمن الغذائي وتشغيل المنشآت الحيوية، ودراسة البرامج والخطط اللازمة لرفع كفاءة توظيف المساعدات، وتقليص حجم النفقات المصاحبة التشغيلية، وفرض ضوابط مشددة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء وعضو المرصد الاقتصادي اليمني، علي سيف كليب، يؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "اليمن سيتأثر في حال استمرار الحرب في أوكرانيا، ولكن بطريقة غير مباشرة لأن التأثير سيكون على المستوى العالمي. فالأسعار ستتأثر في حال طالت مدة الحرب أو كانت لها نتائج كبيرة، وهو ما قد ينعكس على اليمن كونه بلداً مستهلكاً ويستورد معظم احتياجاته من الخارج".
ويجزم كليب أن حجم المساعدات سيتأثر بشكل كبير، عدا عن تبعاته في تفاقم الوضع خاصة في ظل الوضع المعيشي المتدهور للغالبية العظمى من السكان في اليمن.
ويدعو كليب الحكومة اليمنية إلى تشكيل لجنة لدراسة وتحليل الوضع واتخاذ حلول وفق سيناريوهات مختلفة للحد من تأثير هذه الحرب على الوضع في اليمن والذي لا يحتمل مزيداً من الأزمات.
ومع بدء الحرب في أوكرانيا، أطلق برنامج الأغذية العالمي تحذيراً من خطورة الوضع في اليمن والذي وصفه بأنه أسوأ ما يمكن لأي شخص أن يتخيل، إذ قد تساهم هذه الحرب التي دخلت أسبوعها الثاني في مضاعفة هذا الوضع الحرج وتعقيد عملية التخفيف من وطأته.
وأقدمت المنظمة الأممية على تقليص أو إغلاق ما يقرب من ثلثي برامج المساعدات الرئيسية التي تقدمها بسبب فجوات التمويل، اعتباراً من يناير/ كانون الثاني الماضي، في حين قالت إنه بحلول مارس/ آذار الحالي، سيضطر 11 مليون شخص إلى الاعتماد على حصص غذائية مخفضة، بينما سيحصل مليونا شخص فقط على حصص غذائية كاملة.
وحسب بيانات رسمية، بلغ إجمالي تدفقات دعم المانحين إلى اليمن حوالي 7.1 مليارات دولار، أي 2.37 مليار دولار سنوياً في المتوسط خلال الفترة 2012 - 2014.
الباحث الاقتصادي، مراد منصور، يتطرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى تأثر المساعدات والدعم الدولي المقدم لليمن بسبب ما يجري في أوكرانيا التي استنفرت كل الدول العالمية والأوروبية بشكل خاص التي تأتي في طليعة الدول الداعمة للبرامج التنموية والإنسانية في اليمن، مشبهًا ما يجري في أوكرانيا بحرب ثانية على اليمن الذي يكتوي بنارها منذ أكثر من 7 سنوات.
بلغ إجمالي تدفقات دعم المانحين إلى اليمن حوالي 7.1 مليارات دولار، أي 2.37 مليار دولار سنوياً في المتوسط خلال الفترة 2012 - 2014
الحكومة اليمنية من جانبها خصصت اجتماعها الأخير نهاية الأسبوع الماضي لبحث المستجدات العالمية الأخيرة وتأثيرها المحتمل على تغطية احتياجات السوق المحلية في اليمن من المواد الأساسية خاصة ماده القمح، والقرارات التي اتخذها الاجتماع الاستثنائي المنعقد مع الوزارات والجهات المعنية، وكبار مستوردي القمح والمواد الأساسية والغرفة التجارية في عدن، للتعامل معها.
وحسب مصادر حكومية، فإن المؤشرات والمخزون الاحتياطي الحالي لليمن جيد ويغطي الاحتياج لأربعة أشهر مقبلة، في حين يتيح ذلك فرصة للتحرك في المسارات البديلة التي تم اعتمادها لمواجهة أي انعكاسات أخرى محتملة.
ويشدد الباحث الاقتصادي محمد الشغدري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أهمية القروض والمساعدات الخارجية للدول التي تعاني من محدودية الموارد كما حال اليمن الذي قد يتضرر من الحرب في أوكرانيا من ناحية إضعاف قدراته وخططه في إعداد موازنة عامة للدولة التي ترتكز، في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد، على توفير جزء رئيسي من مواردها عن طريق التمويل الخارجي والقروض والمنح.