غذاء العرب في خطر

04 أكتوبر 2021
الجفاف يهدد الأمن الغذائي في معظم الدول العربية (Getty)
+ الخط -

في 2 سبتمبر 2021، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة، فاو، التابعة للأمم المتحدة عن ارتفاع مؤشر الأسعار العالمية للأغذية الأساسية بنسبة 32.9% عن الفترة نفسها من العام الماضي، وبنسبة 3.1% في شهر أغسطس/آب الماضي عما كان عليه في يوليو/تموز.

وأرجعت المنظمة السبب لارتفاع أسعار الحبوب بنسبة 31.1% عن مستواه في أغسطس/آب 2020، وبنسبة 3.4% عن يوليو/تموز بفعل توقعات انخفاض معدلات الحصاد في العديد من الدول المصدّرة الرئيسية.

ومن بين الحبوب الرئيسية، ارتفعت الأسعار العالمية لمحصول القمح، وهو المادة الأساسية لصناعة الخبز، بنسبة 43.5% عن المستوى الذي سجلته في هذا التوقيت من العام الماضي، وبنسبة 8.8% عن الشهر السابق.

وأفضى الصقيع القارص في الشتاء الماضي في روسيا، وهي أكبر مصدر للقمح في العالم، والجفاف هذا الصيف في كندا، ثاني أكبر مصدر، إلى خفض الإنتاج هذا العام بمقدار 29.3 مليون طنّ.

تحذريرات لحكومات دول الشرق الأوسط التي تعتمد على الخبز المصنوع من القمح في غذائها اليومي من موجات غلاء للأغذية

وقدر مجلس الحبوب الدولي ارتفاع مؤشر أسعار تصدير القمح بنسبة 46% على مدار العام الحالي. ويتوقع أن يؤثر ارتفاع أسعار القمح المتزايد على المستهلكين في العالم أكثر من أي محصول آخر، لأن القمح يدخل في صناعة كل أنواع الخبز حول العالم، من الخبز الفرنسي إلى الخبز المسطح في الشرق الأوسط إلى المعكرونة الآسيوية والبيتزا في أوروبا والولايات المتحدة وحبوب الإفطار.

وقبل أسابيع، تنبأت وكالة بلومبيرغ بارتفاع أسعار القمح عالميا، وحذرت حكومات دول الشرق الأوسط التي تعتمد على الخبز المصنوع من القمح في غذائها اليومي من موجات غلاء للأغذية، وذلك بناء على توقع الحكومة الأميركية انخفاض الاحتياطيات العالمية إلى أدنى مستوى لها في الخمس سنوات المقبلة بسبب تراجع إمدادات الدول المصدرة للقمح.

وعقب الكشف عن تلك التوقعات، ارتفع سعر طن القمح المطحون في بورصة باريس لأكثر من 250 يورو لأول مرة منذ 2013. وتتوقع الوكالة زيادة أسعار القمح عالميا في سبتمبر الحالي بنحو 18 دولارا للطن، لتصل إلى 269 دولارا مقابل 251 دولارا في يوليو الماضي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتأثرت الدول العربية بارتفاع أسعار القمح في السوق الدولية التي وصلت إلى أعلى مستوى خلال الثماني سنوات الماضية ومنذ سنة 2013، وارتفع سعر الخبز ست مرات في لبنان في الشهور الماضية، وللضعف في سورية واليمن، والإعلان عن زيادة السعر في مصر، واستمرار أزمة الخبز في السودان والجزائر وليبيا.

وكذلك زاد سعر الخبز في العراق بنسبة 30% رغم الاكتفاء الذاتي من القمح في بلاد الرافدين، دجلة والفرات، لكن يتم استيراد القمح الأجنبي لأن الخبازين العراقيين يفضلون المستورد على المحلي لسوء جودته. وفي مصر يحدث العكس، تهمل الحكومة الإنتاج المحلي رغم جودته العالمية، وتشتري القمح الأجنبي المتدني في الجودة والأقل في السعر.

أما مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الزيوت النباتية فعاد ليرتفع بنسبة 6.7% عن أدنى مستوى له خلال فترة 5 أشهر سجله في شهر يوليو/تموز. وكانت الزيادة بصورة رئيسية نتيجة ارتفاع أسعار زيوت النخيل ودوار الشمس.

ارتفع سعر الخبز ست مرات في لبنان في الشهور الماضية، وللضعف في سورية واليمن، والإعلان عن زيادة السعر في مصر، واستمرار أزمة الخبز في السودان والجزائر وليبيا

وفي أغسطس/آب، عادت الأسعار الدولية لزيت النخيل إلى مستوياتها الأخيرة وهي العليا في تاريخها والناجمة إلى حد كبير عن المخاوف من إنتاج يقل عن الاحتياجات، وترتب على ذلك انخفاض المخزون في ماليزيا باعتبارها المصدر الأكبر حول العالم.

ورغم تسجيل مؤشر أسعار منتجات الألبان انخفاضا هامشيا في أغسطس/آب عن مستواه في يوليو/تموز، ولكنه لا يزال أعلى بمقدار 13.6% عن القيمة التي سجلها في الشهر نفسه من العام الماضي. وارتفعت أسعار الأجبان مدفوعة بتنامي الطلب الداخلي عليها وانحسار الإمدادات من أوروبا.

كذلك سجل مؤشر فاو لأسعار اللحوم زيادة أعلى بنسبة 22% من القيمة التي سجلها في الشهر نفسه من العام الماضي.

كذلك ارتفعت الأسعار الدولية للحوم الأبقار ولحوم الأغنام مدعومة بشكل رئيسي بمعدلات الشراء المرتفعة، خاصة من قِبَل الصين، وبانحسار إمدادات الحيوانات المخصصة للذبح.

كما ارتفعت أسعار لحوم الدواجن جراء الطلب القوي على استيرادها من قبل شرق آسيا والشرق الأوسط والتوسع المحدود لإنتاجها في بعض من البلدان المصدّرة الرئيسية بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات والنقص في اليد العاملة.

أما مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر فسجل زيادة بنسبة 9.6% عما كان عليه في يوليو/تموز، وهو ما يمثل خامس زيادة شهرية على التوالي والمستوى الأعلى منذ فبراير/شباط 2017.

وكان آخر ارتفاع لأسعار السكر على مستوى العالم نتيجة التخوّف من الأضرار التي قد تلحق بالمحاصيل جراء الصقيع في البرازيل، وهي أكبر دولة مصدّرة للسكر على مستوى العالم، ما يفاقم التأثير السلبي لاستمرار الظروف المناخية الجافة لمدة طويلة.

غير أنه جرى تجنّب حدوث زيادات شهرية أكبر في الأسعار بفضل تراجع أسعار النفط الخام وتدني قيمة الريال البرازيلي مقابل الدولار.

أدت السياسات الفاشلة إلى فجوة في الأغذية الاستراتيجية التي تكلف الموازنات العربية 100 مليار دولار في السنة. حيث تستورد الحكومات نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح

تطبق الحكومات العربية سياسات زراعية توصف بالتخلف المنهجي والخلل في ترتيب الأولويات، فتقوم بإهدار الموارد المائية النادرة والأراضي الزراعية المحدودة في إنتاج الأغذية الترفيهية والمحاصيل الهامشية مثل العنب والفراولة والكنتالوب ولب التسالي والبطيخ والموز والخوخ، وتهمل إنتاج الأغذية الاستراتيجية والمحاصيل الأساسية من قمح وذرة وأرز وقطن وسكر ولحوم وأسماك.

أدت السياسات الزراعية العربية الفاشلة إلى فجوة في الأغذية الاستراتيجية والتي تكلف الموازنة العامة للدول العربية 100 مليار دولار في السنة.

تستورد الحكومات العربية نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح. وتستورد من الذرة، وهو المكون الأكبر للأعلاف اللازمة لإنتاج اللحوم الحمراء والدواجن، نحو 75% من الاحتياجات.

وتستورد من الأرز 55% من استهلاكها، و65% من السكر، و55% من الزيوت النباتية، ونحو 30% من استهلاكها من لحوم الدواجن من السوق الدولية، بحسب تقرير أوضاع الأمن الغذائي العربي الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية.

شح الاستثمار في قطاع الزراعة العربية، وإهمال دعم المزارعين بل وتعمد إفقارهم، وتوقف الإنفاق على البحوث الزراعية أدى إلى تخلّف معدل الإنتاجية الزراعية وزيادة الفجوة الغذائية. فلا يزيد ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث الزراعية على 1% من قيمة الإنتاج الزراعي.

وبلغ متوسط إنتاجية الحبوب الاستراتيجية، القمح والأرز والذرة، في المنطقة العربية نحو 1.6 طن للهكتار في مقابل 3.6 أطنان للهكتار في المعدل العالمي، بنسبة عجز 44%.

ورغم مسؤولية هذه السياسات عن الفجوة الغذائية العربية المزمنة، وعجزها عن تلبية الاحتياجات الغذائية الضرورية للمواطن العربي، وفشلها في كبح أسعار الغذاء ومواجهة موجات الغلاء التي كانت سببا أساسيا في اندلاع ثورات الربيع العربي، لا يوجد في الأفق ما يدل على مراجعة السياسات المتخلفة أو تصحيحها.

في مصر يتم مصادرة الأراضي المخصصة للبحوث الزراعية وتجارب إنتاج البذور والتقاوي المحسنة عالية الإنتاج لبناء وحدات سكنية عليها

ومؤخرا في مصر يتم مصادرة الأراضي المخصصة للبحوث الزراعية وتجارب إنتاج البذور والتقاوي المحسنة عالية الإنتاج لبناء وحدات سكنية عليها بواسطة الجيش، رغم أن النظام كان يهدم البيوت القائمة بحجة بنائها على الأراضي الزراعية!

دول عربية تخلت عن خطة الاكتفاء الذاتي من القمح والأرز والمحاصيل الغذائية الأساسية، والتي دشنتها عقب أزمة الغذاء العالمي، وظهرت أهميتها خلال السنتين الماضيتين بسبب فيروس كورونا، بحجج واهية مثل توفير مياه الري، ودول أعلنت عن تفضيل الاستيراد وخطأ التخطيط للاكتفاء الذاتي والسيادة الغذائية وتعارضها مع مصالح الأمن القومي!

ودول أخرى وجهت اهتمامها لإنتاج الخضروات والفاكهة الهامشية، بالمقارنة بالسلع الاستراتيجية، والتي لا يلقي المستهلك لها بالا ولا تدرجها منظمة الفاو عند حساب مؤشر أسعار السلع الأساسية.

ورغم أن 50% من الزيادة في إنتاجية المحاصيل ترجع إلى استخدام البذور عالية الإنتاج، وهي تكنولوجيا غير مكلفة، فإن الدول العربية تعاني عجزاً في إنتاج البذور عالية الإنتاج بنسبة 80% من الاحتياجات.

الاستثمار في مجال تكنولوجيا البذور يمكن أن يزيد إنتاجية المحاصيل في الدول العربية إلى الضعف، ما يقلل الاستيراد ويعالج الفجوة، وهو ما توصي به المنظمة العربية للتنمية الزراعية منذ عقود دون اتخاذ خطوات جادة على الأرض.

مرت المنطقة العربية بأزمة غذاء من سنة 2008 حتى سنة 2013، كنتيجة لاستخدام الدول المصدرة للسلع الزراعية القمح والذرة في إنتاج الوقود الحيوي، ما أدى إلى موجات غلاء كبيرة للخبز وزيوت الطعام واللحوم والدواجن وألبان الأطفال ومعظم السلع الغذائية الأساسية، وكانت المحرك الأكبر لثورات الربيع العربي التي تجددت في عدة دول، ولا أستبعد أن تتجدد مرة أخرى في المستقبل القريب.

المساهمون