غذاء العالم في خطر ... روسيا تلعب مجدداً

05 مارس 2023
مستودعات الحبوب الضخمة في ميناء أوديسا الأوكراني/Getty
+ الخط -

من حق الدول المستوردة للغذاء والمعتمدة على سوق الحبوب العالمي في تموين أسواقها المحلية، أن تقلق بشدة، ذلك لأن شبح ما حدث في الشهور التي تلت اندلاع حرب أوكرانيا من قفزات غير مسبوقة في أسعار الأغذية واختفاء سلع حيوية وتهديد الملايين بالجوع يمكن أن يتكرر.

ومرة أخرى يعود الغموض حول مصير اتفاق تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود الذي ترعاه كل من تركيا والأمم المتحدة وتم بموجبه ضمان تدفق ملايين الأطنان من الحبوب لدول العالم منها أكثر من 32 مليون طن من أوكرانيا وحدها خلال الموسم الحالي 2022-2023.

روسيا تزعم استخدام الغرب موانئ مرتبطة بصفقة تصدير الحبوب، لإيصال مواد مشعة وأسلحة محظورة إلى أوكرانيا

وقبل انتهاء موعد الاتفاق المقرر يوم 18 مارس الجاري خرجت علينا روسيا بتصريح لافت يوم الأربعاء الماضي قالت فيه إنها لن توافق على تمديد الاتفاق إلا إذا تم الأخذ في الاعتبار مصالح المنتجين الزراعيين الروس.

ليس هذا هو المبرر الوحيد الذي تبني روسيا عليه موقفها المتشدد من الاتفاق الذي ضمن منذ 22 يوليو/تموز الماضي وصول جزء كبير من حبوب العالم للأسواق العطشى سواء في المنطقة العربية أو الدول الفقيرة وأفريقيا.

فهناك في الخلفية أسباب أخرى منها مثلا ما تزعمه موسكو من استخدام الغرب موانئ مرتبطة بصفقة تصدير الحبوب، لإيصال مواد مشعة وأسلحة محظورة إلى أوكرانيا.

وقبلها تحدثت روسيا عن أسباب اقتصادية أخرى منها التضييق على صادراتها لأسواق العالم، ومنها المنتجات الزراعية والأمونيا أو الأسمدة، كما قالت إن صادراتها بما فيها الحبوب والقمح، تضررت بشدة بسبب العقوبات الغربية.

ومن آن إلى آخر يوجه الكرملين وحكومة بوتين اتهامات متواصلة للغرب بالاستمرار في تطبيق سياسة التوزيع غير العادل للحبوب التي تخرج من الموانئ الأوكرانية الواقعة تحت الحصار الروسي؛ حيث تستفيد منها الدول الموالية للولايات المتحدة وأوروبا من دون أن تصل إلى حلفاء وشركاء روسيا سواء في أفريقيا أو غيرها من الدول النامية والفقيرة.

أو أنّ الحبوب التي تخرج من أوكرانيا لا تتوجه إلى الدول النامية الأكثر فقراً وجوعا، وأن شحنات القمح الأوكراني التي كان من المقرر إرسالها إلى البلدان الأفريقية الفقيرة، نُقلت إلى دول أوروبية عدة منها إسبانيا لتغذية الخنازير والحيوانات حسب الرواية الروسية.

شحنات القمح الأوكراني التي كان من المقرر إرسالها إلى البلدان الفقيرة، نُقلت إلى دول أوروبية عدة منها إسبانيا لتغذية الخنازير

وبهذا الموقف الروسي الأخير بخصوص تجديد اتفاق تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا تخلط موسكو الأوراق مجدداً، لتضع العالم كله أمام تساؤلات أبرزها: هل يعود شبح مارس/آذار 2022، ونضع أسواق الحبوب أمام قفزات متوقعة في أسعار القمح والذرة والشعير والزيوت، بخاصة أنّ دولاً كثيرة تعتمد في تموين أسواقها على القمح الأوكراني لرخص سعره وسهولة شحنه؟

بالطبع، لا يمكن فصل الموقف الروسي عن سياسة المناكفة مع الغرب على خلفية استمرار حرب أوكرانيا، فالغرب يواصل فرض عقوباته بحق روسيا بهدف خنق اقتصادها وقطاعها المالي وتجفيف مواردها المالية من أهم قطاعين وهما النفط والغاز.

وروسيا في المقابل تمتلك أسلحة عدة منها تهديد وصول الأغذية، سواء الروسية أو الأوكرانية، إلى أسواق العالم، وبالتالي إعادة الذعر إلى سوق الحبوب والقفزات لأسعار القمح والذرة والشعير والزيوت وغيرها من السلع الغذائية.

روسيا تهدد العالم بالجوع مجدداً في حال إصرارها على عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وتدفع نحو أزمة غذاء عالمية واسعة النطاق وأكثر قسوة، في ظل 50 مليون مواطن على شفا المجاعة، ونيام نحو 828 مليون شخص كل ليلة وهم جوعى وفق أرقام برنامج الغذاء العالمي، إضافة إلى تفاقم الأزمات القاسية حول العالم من تصحر وجفاف وفيضانات وتغيرات مناخية وتراجع في إنتاج الحبوب في دول رئيسية، وحظر الدول المنتجة تصدير الحبوب خوفاً على أسواقها الداخلية من موجة غلاء واضطرابات اجتماعية.

المساهمون