غذاء السودانيين مهدّد.. أزمات إنتاجية طاحنة تطاول الزراعة

11 اغسطس 2022
مخاوف من شح المنتجات الزراعية بالأسواق (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

يعيش القطاع الزراعي في السودان أزمات طاحنة تفاقم من مهددات النقص الحاد في الغذاء وزيادة عدد الجوعى، في ظل تزايد مشاكل انعدام التمويل وارتفاع تكلفة الإنتاج وزيادة أسعار المحروقات.
وينذر هذا الوضع، حسب مراقبين، بتراجع مساحات وإنتاج المحاصيل في الموسم الصيفي الحالي وانعدام مقومات التحضير للعروة الشتوية المقبلة وإهمال الحكومة الانتقالية في السودان الكامل للتمويل وإزالة المعوقات الأخرى التي يعاني منها القطاع.
وتسببت في المقابل الإصلاحات الاقتصادية القاسية التي نفذتها الحكومة طيلة الأعوام المنصرمة وعقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الماضي في أزمة خانقة لذوي الدخل المحدود لفرضها رسوما عالية على القطاعات الإنتاجية لتجاوز أسعار المتوفر من الغذاء مستوى الدخل العام للغالبية العظمى منهم.

نقص كبير في المحاصيل
لوح نائب رئيس تجمع مزارعي القطاع المطري بالسودان غريق كمبال في حديث لـ"العربي الجديد" بحدوث نقص كبير في المحاصيل الغذائية والنقدية التي ينتجها القطاع المطري خاصة الحبوب والسمسم وفول الصويا وزهرة الشمس والقطن وحب البطيخ والذرة بأنواعها بسبب إحجام الحكومة ممثلة في بنك السودان ووزارة المالية عن تمويل العروة الصيفية بالقطاع والذي تبلغ مساحته المستهدفة زراعتها 38 مليون فدان لم يتم حتى الآن تمويل فدان واحد منها.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ولفت إلى أن إجمالي التمويل المطلوب هو 75 تريليون جنيه سوداني (الدولار = نحو 570 جنيهاً)، ترفض الجهات المذكورة في الحكومة سداده بحجة تخوفها من تسببه في ارتفاع أسعار الصرف في السوق الموازي، مبينا أن أي تأخر في انسياب التمويل يقود إلى مشاكل كبرى في الإمداد الغذائي ويعطل المشاريع وتمتد آثاره السالبة على التحضير للعروة الشتوية المقبلة لعجز المزارعين عن التمويل الذاتي.

زيادة المعاناة من الجوع
توقعت آخر تقارير صادرة عن برنامج ومنظمة الأغذية العالميين في الحادي والعشرون من يونيو/ حزيران الماضي معاناة 18 مليونا من جملة 40 مليون سوداني من الجوع بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد خاصة بعد ثورة ديسمبر/ كانون الأول التي أطاحت بحكومة عمر البشير
وطالب عدد من خبراء الاقتصاد في حديثهم لـ"العربي الجديد" بإجراءات فورية وعاجلة لمشاكل الغذاء والاهتمام بتنمية القطاعات الإنتاجية وتمويلها ودعم المنتجين والاهتمام بمعاش الناس وضبط ورقابة الأسواق والأسعار.
واعتبر أستاذ الاقتصاد إبراهيم أونور في حديث لـ"العربي الجديد" ثورة ديسمبر والتظاهرات الشعبية بمثابة ثورة جياع حقيقية لجأ إليها الشعب السوداني بعد أن سدت الطرق أمام حدوث أي تغيير إيجابي وملموس في نظام الحكم يبشر بإنفراج الأزمة الاقتصادية والمعيشية الراهنة، منتقدا الغياب الحكومي عن الرقابة على الأسواق وإصلاح القوانين وإهمال القطاعات الإنتاجية كافة وعدم تطويرها لحل أزمة معاش الناس وإنهاء الغلاء الطاحن في السلع الاستهلاكية الضرورية.

ضعف القدرة الشرائية
يرى المحلل الاقتصادي عبد الحميد إلياس أن السودان لن يعاني من نقص في الغذاء عقب تلقيه التزاما دوليا بالدعم خاصة من البنك الدولي والذي بدأ فعليا قبل انقلاب عبد الفتاح البرهان الأخير في الإيفاء بجزء من التبرعات التي وعد بها السودان والبالغة في مجملها 3 مليارات دولار خصص منها جزءا للدعم المباشر للمواطنين وتخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة الانتقالية

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقال إلياس إن المشكلة ليست في نقص الغذاء في السودان والذي يشهد وفرة تنأى به عن الوصول لنقطة الجوع وإنما في القدرة على شرائه بسبب الغلاء الطاحن الذي يطاول السلع الاستهلاكية الضرورية كافة، بجانب ضعف المعالجات الحكومية لآثار الإصلاحات الاقتصادية على المواطنين وغياب الحصر للفئات الأكثر حاجة للغذاء واستهدافهم ببرامج إنتاجية لإخراجهم من دائرة الفقر. وأشار إلياس لامتلاك السودان منظومة قوية من الحماية المجتمعية تضمن عدم تعرضه للجوع.
وذهب المدير السابق لإدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة السودانية عمار حسن بشير في حديث لـ"العربي الجديد" لوجود عوامل كثيرة، جعلت السودان عاجزا عن تحقيق الأمن الغذائي الداخلي أبرزها عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وغياب السياسات الزراعية الواضحة والمستقرة في ما يختص بالأمن الغذائي لتهتدي بها الحكومات، ما أدى لإهدار الموارد الزراعية الهائلة التي يذخر بها السودان وهو مؤهل حتى الآن ليكون سلة غذاء العالم بما يملك من مقومات الإنتاج الغذائي كافة من زراعة واراض خصبة وإنتاج حيواني ومياه.
وأشار إلى أن العجز في استهلاك الحبوب الغذائية الرئيسة بالسودان بلغ في آخر إحصائية للعام 2020 حوالي 1797.1 ألف طن مقارنة بالفائض الذي حققته في العام الذي يسبقه 2019 والبالغ 1399 ألف طن.
وأبان أن العجز في استهلاك الحبوب شمل القمح، الذرة، الدخن، الذرة الشامية وغيرها بكافة ولايات السودان بما فيها الخرطوم باستثناء 6 ولايات فقط بينما سجلت الولايات المتبقية فائضا، كالولاية الشمالية والتي سجلت فائضا قدره 7.6 آلاف طن، القضارف 165 ألف طن، غرب كردفان 11 ألف طن، غرب دارفور 60 ألف طن، جنوب دارفور 53 ألف طن، وسط دارفور 165 ألف طن، شرق دارفور 175 ألف طن.

ذهب المدير السابق لإدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة السودانية عمار حسن بشير في حديث لـ"العربي الجديد" لوجود عوامل كثيرة، جعلت السودان عاجزا عن تحقيق الأمن الغذائي الداخلي أبرزها عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي


وقال إن العاصمة الخرطوم تسجل عجزا سنويا بلغ في 2022 حوالي 1160.6 ألف طن بسبب الزيادة المضطردة في عدد السكان وتدني مستوى الإنتاج بها والذي بلغ 15.4 ألف طن من مختلف أنواع الحبوب الغذائية الرئيسية.

فجوة غذائية
توقع المنتج الزراعي بولاية النيل الأزرق السودانية عمار ياسين الإمام في حديث لـ"العربي الجديد" حدوث نقص وفجوة غذائية حال استمرار تصدير الأعلاف للخارج.
وقال الإمام إن المخزون المتوفر من الذرة بالبلاد غير كاف لقيام الحكومة بتصدير غالبه، الأمر الذي تسبب في حدوث ارتفاع كبير في الألبان والبيض والدواجن بسبب ندرة الذرة والأعلاف.
وشرح معاناة القطاع الزراعي الإنتاجي من ندرة الجازولين واضطرار المزارعين للبحث عن تمويل ذاتي ما يتسبب في تقلص الإنتاج وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية نتيجة إحجام الحكومة هذا العام عن تمويل المزارعين، فضلا عن تعرض مساحات زراعية مروية كبيرة لاختناقات في الري، ما يقلل من الإنتاج ويحدث شحا في الغذاء وبالتالي يرفع أسعاره.
ورغم تراجع معدل التضخم السنوي في السودان إلى 148.88 بالمائة في يونيو/ حزيران الماضي من 192.21 بالمائة في مايو/ آيار، بحسب ما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء، إلا أن التضخم في البلاد يبقى من أكبر معدلات التضخم على مستوى العالم.