قطع رئيس الغرف التجارية السعودي، عجلان العجلان الشكوك باليقين، وأثبت أنّ التحريض على مقاطعة المنتجات التركية والإساءة للاستثمار والليرة، ليس فعلاً شعبياً ارتجالياً، أو حتى حملات "ذباب إلكتروني" بل هو نهج رسمي سعودي، إذ دعا لمقاطعة المنتجات والبضائع التركية، بذريعة وجود خلافات سياسية بين أنقرة والرياض حول عدد من المسائل الإقليمية.
ورأى العجلان، في تغريدة على "تويتر"، قبل أيام، أنّ مقاطعة المنتجات التركية "واجب على كل مواطن يحمل الجنسية السعودية" لأن مواقف تركيا برأيه، تتبع سياسة "عدائية" ضد بلاده، وتعمل على إلحاق الضرر بمصالح الرياض في المنطقة.
ولم يكتف رئيس الغرف التجارية بالمملكة بالدعوة لمقاطعة الإنتاج التركي، بل دعا التاجر والمستهلك إلى مقاطعة الاستثمار والاستيراد والسياحة، معتبراً ذلك، "مسؤولية تقع على عاتق كل سعودي".
المقاطعة لكل ماهو تركي، سواء على مستوى الاستيراد او الاستثمار او السياحة، هي مسؤولية كل سعودي "التاجر والمستهلك"، رداً على استمرار العداء من الحكومة التركية على قيادتنا وبلدنا ومواطنينا،
— عجلان العجلان (@ajlnalajlan) October 2, 2020
ونقل المسؤول السعودي الخلاف إلى ملعب الواقع بدل التشكيك والتوقعات، إذ كانت ترى تركيا، حتى قبل تغريدة العجلان، أن الأمر "معلومات وشائعات" كما أعلن رئيس لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية، نائل أولوباك.
وأبقى أولوباك على "شعرة معاوية" كما يقال، إذ ربط كل دعوات المقاطعة بالشائعات، "ما لم يتم تأكيدها بشكل رسمي من قِبل الشركات التركية أو السلطات الرسمية السعودية" رغم اعترافه بتراجع صادرات بلاده للسعودية بنسبة 17% هذا العام مقارنة مع صادرات العام الماضي.
ويشير رئيس لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية، في تصريحات، أول أمس الثلاثاء، إلى اجتماعات عدة عقدت هذا العام مع رجال أعمال سعوديين، لمناقشة سبب تراجع استيرادهم للمنتجات التركية، فكانت الإجابة "إن الأمر يتعلق بالتركيز على استهلاك منتجاتهم المحلية".
وكان سعوديون قد جددوا أخيراً دعواتهم لمقاطعة تركيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية اختلاف وجهات النظر حول الشؤون السياسية بين أنقرة وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، مطلقين على "تويتر" وسم %حظر_المنتجات_التركية الذي ظل متواجداً في قائمة أعلى الوسوم رواجاً في السعودية والإمارات والبحرين، فيما طالب آخرون بحظر المسلسلات التركية، وذهب البعض إلى المطالبة بمقاطعة السياحة في تركيا.
ويرى رجل الأعمال مصطفى. ص الذي فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً، أن رأس المال محكوم للسياسة بشكل أو بآخر "ولا يمكننا الاستمرار بالاستثمار بتركيا إذا طلبت منا دولتنا ذلك صراحة" لكنها لم تفعل حتى الآن.
ويضيف المستثمر بالقطاع الزراعي بتركيا، لـ"العربي الجديد"، "جذبنا المناخ الاستثماري بتركيا ووطّنّا العديد من المشروعات، بالزراعة والزراعة الحيوانية، لكن استمرار الخلاف الناشب بين البلدين، أوقعنا بحيرة هذه الفترة. لم ننسحب لكننا نتريث بالتوسع".
وأشار إلى أنّ نيته ونية شركائه، كانت بالدخول بالقطاع العقاري هذا العام، لأنه برأيه، "قطاع مغر خاصة بعد تراجع سعر صرف الليرة التركية".
ويشير رجل الأعمال القادم من جدة السعودية للولاية العثمانية التركية، إلى أن تأثر الاستثمارات بدأ منذ عام 2017، وقت نشرت تركيا قواتها في قطر، وتصاعد بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018، ولم تزل التجاذبات مستمرة "لكن ذلك عامل غير مريح لرأس المال ونحن بحاجة لوضوح لنستمر أو ننسحب".
ووفق مصادر متطابقة، يرخي الخلاف بين تركيا والسعودية بظلاله على التجارة والاستثمار والسياحة، إذ اتهمت شركات تركية السعودية بأنها تعرقل نقل بضائع من تركيا إلى المملكة مرجحة أن التوتر السياسي بين القوتين الإقليميتين ينتقل تدريجياً إلى مجال التجارة.
وبحسب ما نقلته وكالة "بلومبيرغ" فقد دفعت هذه الادعاءات مسؤولاً تركياً مطلعاً على الموضوع إلى التحذير، من أنّ أنقرة لا تستبعد تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية.
وكانت الوكالة قد أشارت، في تقرير، الجمعة الماضي، أن الوكيل التركي لشركة “A.P. Moller-Maersk A/S” قال في رسالة إلكترونية بعثها في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، إنّ البضائع المتجهة من تركيا إلى الموانئ السعودية "ستخضع لحظر محتمل على الواردات أو إبطاء المرور الجمركي".
بدوره، قال مالك شركة "غولسان للنقل" كمال غول، إنه تم منع مرور البضائع المنقولة عبر البر إلى السعودية، مشيراً، بحسب "بلومبيرغ" إلى أنّ وباء كورونا أعطى السلطات السعودية ذريعة لتقييد وصول البضائع التركية "لم نواجه مثل هذه المشاكل مع إيران أو العراق، ويبدو لي أنهم سيعيقون النقل البحري الآن".
ويقول الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، لـ"العربي الجديد"، "أولاً شيء مؤسف أن تسوء العلاقات بين البلدين، ولكن أتمنى أن لا تنعكس الخلافات السياسية على الاقتصاد ومصالح الشعبين" فالفصل ضروري برأيه و"ذلك في مصلحة الجميع".
ويضيف أويصال: "عملت بالمملكة السعودية ومع رجال أعمال سعوديين لسنوات طويلة، وأعرف المزاج الشعبي والنمط الاستهلاكي هناك. السعوديون يفضلون المنتجات التركية ويرحبون بالمهندسين والحرفيين الأتراك كما أنّ تركيا باتت وجهتهم السياحية المفضلة منذ عشر سنوات، سواء للسياحة العلاجية أو للاستجمام وقضاء فترات العطلة. السعوديون يمتلكون منازل وأراضي بمدن البحر الأسود بأعداد كبيرة".
ويختم الاقتصادي التركي، أنّه "خلال التوترات السياسية بين البلدين، والمتفاوتة منذ عامين، تراجعت الأعمال والاستثمارات وحتى السياحة. عملت لسبع سنوات بين إسطنبول والرياض وأبرمت وسهلت آلاف الصفقات التجارية والعقارية، ولكن هذه الفترة، الحرص والتردد سيدا الموقف".
ويذكر أنّ السعودية تحتل المركز الـ15 في قائمة أكبر أسواق الصادرات التركية، حيث بلغت مبيعاتها التي تتصدرها المنسوجات والسجاد والكيميائيات والحبوب والأثاث والصلب، 1.91 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري.
وإذا ما استثنت مؤشرات عام 2020 التي ينسب لوباء كورونا، تراجعها بشكل عام ولجميع دول العالم، فإن التبادل التجاري بين السعودية وتركيا يتراوح عند ستة مليارات دولار العام الماضي، في حين تعدى ثمانية مليارات عام 2012 وكانت الآمال بوصوله إلى 10 مليارات دولار، بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمملكة عام 2017 وزيارة ملك السعودية لأنقرة عام 2016.
وفي حين تبلغ الصادرات السعودية نحو تركيا 2.5 مليار دولار، مقابل واردات من تركيا بـ3.5 مليارات دولار، فإن الاستثمارات السعودية في تركيا، تقدر بأكثر من 11 مليار دولار، وتتركز في قطاع العقارات بنحو 25% من حجم الاستثمارات" 249 شركة" إضافة إلى استثمارات بقطاعات الصناعة والطاقة والأغذية.
في المقابل، يبلغ عدد الشركات التركية في السعودية نحو 200 شركة بحجم استثمار قدره 642 مليون دولار.