عن مخاطر زيادات الأسعار في مصر

07 فبراير 2022
الأسواق المصرية تعاني من ركود شديد/ فرانس برس
+ الخط -

السؤال الذي يجب طرحه الآن في مصر ليس عن مدى وجود رأي عام ومجتمع مدني قوي يضغط على السلطات الحاكمة لتخفيف الأعباء عن ملايين الأسر، أو يحول دون مواصلة تلك السلطات سياسة انتزاع ما تبقى في جيب المواطن، أو دفع صانع القرار نحو التوقف عن تطبيق سياسة "النيوليبرالية المتوحشة" التي تعصف بالجميع، ومراعاة الطبقات المحدودة والمهمشة وملايين الفقراء والمعدمين وبقايا الطبقة الوسطى التي تنازع البقاء.

ولم يعد السؤال الأهم عن احتمال توقف قطار زيادات الأسعار السريع خاصة لسلع وخدمات رئيسية مثل الخبز والبنزين والسولار والسلع الغذائية والكهرباء والمياه وغاز الطهي والمواصلات والاتصالات وغيرها.

لم يعد السؤال الأهم عن احتمال توقف قطار زيادات الأسعار السريع خاصة لسلع وخدمات رئيسية مثل الخبز والبنزين والسولار والسلع الغذائية والكهرباء والمياه وغاز الطهي

ولا السؤال عن إمكانية عدول السلطات المسؤولة عن اتخاذ قرارات خطيرة بحق المواطن مثل مضاعفة سعر رغيف الخبز وإلغاء الدعم كلية مثلا، وإجراء زيادات جديدة في أسعار السلع الغذائية والوقود والضرائب والرسوم الحكومية، وربما لاحقا التوجه نحو إلغاء دعم التعليم والصحة.

وبات السؤال عن مخاطر اختفاء الطبقة الوسطى على النسيج المجتمعي واستقرار الأسرة والاقتصاد معاً هو من باب الرفاهية والسفسطة من وجهة نظر السلطات المسؤولة، وهو سؤال يشغل النخب والمثقفين حسب هذه السلطات.

وبات السؤال عن مدى قدرة المواطن على تحمل كل هذه الزيادات القياسية في الأسعار بديهيا من وجهة نظر المواطن نفسه، رغم أن هذه قضية قد لا تشغل كثيراً صانع القرار الذي يواصل سياسة "عصر" المواطن وفرمه وتأزيم معيشته وتفريغ جيبه من بقايا السيولة ودفعه دفعاً نحو الاقتراض والدخول في دائرة الديون الجهنمية.

فالمواطن ليس أفضل من الحكومة في هذا الأمر، فالكلّ غارق في الديون. الفارق هنا أنّ الدولة تجد من يقرضها طوعاً أو كرهاً، مثل البنوك، أما المواطن فحصوله على قروض بات من الأمور الصعبة.

ورغم منطقية وأهمية الأسئلة السابقة التي يطرحها المواطن والمهتمين بالشأن العام، إلا أنها لا تبدو كذلك لدى صانع القرار، وربما لن تجد الإجابة عليها في المستقبل المنظور، أو حتى تبريرها بأسلوب منطقي.

السؤال الأهم عن تأثير كلّ تلك الزيادات القياسية في الأسعار على الاقتصاد المصري، خصوصاً أنشطة رئيسية مثل الصناعة والتصدير والتشغيل

وكلّ تلك الأسئلة وغيرها قد لا تعني صانع القرار ولا تشغله كثيراً، ما دام المواطن "راضياً" ويقبل بذلك من وجهة نظرها أو كما يُصور له، رغم أنّ كبار المسؤولين في الدولة يدركون جيداً أنّ المواطن غاضب جداً من غلاء المعيشة وقفزات الأسعار، لكنّ سكوته قد يكون بسبب فقدان الأمل في وقف هذه القفزات، أو بسبب العصا الأمنية الغليظة وتطبيق سياسة كتم أيّ صوت معارض واتهامه بالخيانة والعمالة وغيرها من الأسطوانة "المشروخة."

السؤال الأهم هنا عن تأثير كلّ تلك الزيادات القياسية في الأسعار على الاقتصاد المصري، خصوصاً أنشطة رئيسية مثل الصناعة والتصدير والتشغيل.

فقفزات الأسعار قد تجلب سيولة نقدية طارئة للحكومة أو الخزانة العامة، لكنّها مدمرة على المستويين المتوسط والطويل، فالقفزات ستدفع المواطن دفعاً نحو مقاطعة السلع والخدمات مرتفعة السعر، بما فيها الخدمات الضرورية كالكهرباء والطاقة.

وفي حال التوسع في هذا الاتجاه فإنّ النتيجة الطبيعية هي تراجع مبيعات المصانع والشركات الإنتاجية والمؤسسات التصديرية، وتحقيق تلك المشروعات خسائر أو على الأقل تراجع في الإيرادات.

وهنا تشهد الأسواق حالة من الركود قد تتطور لاحقا إلى كساد شديد، وهو أمر مدمر لأي اقتصاد. 

قفزات الأسعار قد تجلب سيولة طارئة للحكومة أو الخزانة العامة، لكنّها مدمرة للاقتصاد وقبله القدرة الشرائية للمواطن على المستويين المتوسط والطويل

والنتيجة النهائية هي توقف المصانع عن استقبال أيدي عاملة جديدة، وربما طرد العمالة القائمة لاحقاً، وتراجع إيرادات مؤسسات الإنتاج للخزانة العامة من ضرائب وغيرها، وتراجع صادراتها للخارج، وكلّ ذلك يؤثر سلباً على الاقتصاد القومي وسوق العمل ومعدل النمو، ويضغط على العملة المحلية وسوق الصرف الاجنبي.

المساهمون