استمع إلى الملخص
- **الأسباب الاقتصادية والتكنولوجية**: تعاني إيران من عجز تكنولوجي واقتصادي يؤثر على قدرتها الأمنية، مع تراجع مؤشر مدركات الفساد من 30 درجة في 2017 إلى 24 درجة في 2023.
- **التحديات الاقتصادية والاجتماعية**: العقوبات الاقتصادية الغربية أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مما يسهم في تجنيد العملاء ويزيد من التحديات الداخلية.
دوائر الصراع بين الدول لا تعرف الحدود، وبخاصة إذا ما كانت مجالات الصراع تركز على ما دون الحرب المباشرة، فتكون هناك أدوات أخرى للحرب، منها: سرقة التكنولوجيا، أو اغتيال العلماء، أو العمل على إضعاف الأجهزة المعنية بالتكنولوجيا والأمن، بوصفها مستهدفات معتبرة.
وقد عاشت إيران على مدار السنوات القليلة الماضية عدة حوادث في غاية الأهمية، كان أهم دروسها، إظهار إيران دولةً ضعيفةً على الصعيدين التكنولوجي والأمني، كما حدث في ضرب بعض الأماكن المهمة من المنشآت النووية الإيرانية، أو استهداف علماء على قدر كبير من الأهمية لبرنامج إيران النووي.
وإن لم تكن الضربات الموجهة لإيران خلال الفترة الماضية مقتصرة على الداخل، لكنها تعدت إلى الخارج، كما حدث في ضرب القنصلية الإيرانية في سورية، أو اغتيال القائد قاسم سليماني، الذي يُعَدّ أحد أركان الحرس الثوري في إيران. لكنّ الحادثتين الأخيرتين، كان لهما من الدلالات السياسية والعسكرية والأمنية، ما يهزّ وضع إيران دولةً. الحادثة الأولى تمثلت بسقوط طائرة رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية وعدد من كبار مسؤولي الدولة، في أثناء عودتهم من أذربيجان.
والحادثة الثانية التي كانت أكثر إحراجًا للدولة الإيرانية، اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بعد مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان. وليست هذه السطور من أجل إدانة إيران بقدر ما هي محاولة لقراءة الواقع، لضخامة الخسائر التي مُنيت بها الدولة جراء هذه الأحداث، وتقديم ما يمكن اعتباره مفيداً في هذا الخصوص.
فهناك بعض الأسباب التي يمكن أن تكون قد أدت إلى ضعف الوضع التكنولوجي ووجود الثغرات الأمنية، التي أتيت منها إيران، عبر حوادث الاعتداء على منشآتها النووية في الداخل، واغتيال شخصيات مهمة، أو الاعتداءات الخارجية على المنشآت والأشخاص أيضاً.
لا يمكن الجزم بأن الأسباب الاقتصادية هي وحدها التي كانت مدخلاً للنيل من الوضع الأمني لإيران، فهناك عوامل أخرى من بينها أيضاً حصول أعداء إيران على تكنولوجيا متقدمة، لا تتاح للدولة الإيرانية، ما يساعد على وضع أفضل لاختراق النظم المعلوماتية والأمنية في إيران.
وعلى وجه السرعة، في ما يتعلق بالعجز التكنولوجي، نذكر أن آبار النفط والغاز الإيرانية تعاني من قدم الآلات المستخدمة في عمليات الاستخراج والتكرير، كذلك فإن جميع المنشآت الصناعية تعاني من عجز قطع الغيار، إلا أن الشاهد الأكثر أهمية يتعلق بحادث سقوط الطائرة الرئاسية، والحديث عن افتقار طهران إلى أدوات البحث الحديثة، بعد الاستعانة بتركيا للكشف عن مكان سقوط الطائرة، فضلاً عن قدم موديل الطائرة الرئاسية وعدم تزويدها بالإمكانات الفنية والأمنية اللازمة لمثل شخصيات بهذا الحجم في الدولة.
وفي ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، يمكننا أن نشير إلى مجموعة من المؤشرات التي يمكن استغلالها من جانب بعض ضعاف النفوس، لتجنيدهم، من أجل الحصول على البيانات والمعلومات، أو مساهمتهم مباشرةً في الاختراقات والضربات التي وجهت لإيران، ومن بين تلك المؤشرات:
من الصعب الاعتماد على روايات بعض الجهات المعارضة، أو خصوم إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولكن سيكون تناولنا في هذا المؤشر قاصرًا على بيانات مؤشر مدركات الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، والذي يتيح بيانات تاريخية عن الفساد في العديد من دول العالم، تضم حوالى 180 دولة، من بينها إيران. ووفقًا لبيانات عام 2023، فإن مؤشر مدركات الفساد في إيران خلال 2012 وحتى 2023، لم يكن مرضيًا، ولا يمثل صورة تتناسب مع كون الدولة تحكمها مقومات وقيم ثورة إسلامية اندلعت في عام 1979، وما زالت تحكم عبر مؤسساتها المختلفة.
حصلت إيران في عام 2023 على 24 درجة فقط من 100 درجة هي إجمالي درجات المؤشر، بينما كان وضعها أفضل في عام 2017، فقد حصلت على 30 درجة، أي إن الدولة تراجع أداؤها في مكافحة الفساد على مدار الفترة من 2017-2023 بنحو 6 درجات، وهو ما يعني شيوع الفساد بدرجة أكبر.
وعادة إذا تفشى الفساد، فإنه لا يتوقف عند حد معين، فهو يترعرع في كل القطاعات، ومن بينها الأمنية والعسكرية، وبخاصة في ظل سيطرة مؤسسات بعينها، تتعلق بالولاية الدينية، أو سيطرة الحرس الثوري، على أداء هاتين المؤسستين المهمتين. وتجد أجهزة الاستخبارات لأعداء أي دولة عموماً، ولإيران في ظل شيوع الفساد خصوصاً، مجالاً خصباً لتجنيد العملاء، وإلحاق أكبر قدر من الخسائر في الجانب الإيراني.
الاقتصاد الإيراني يتسم بالتنوع، فهو يجمع بين الأنشطة الاقتصادية الصناعية والزراعية والخدمية، ولكن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية، لا يمكن أن تصل معدلات الأداء الاقتصادي إلى معدلاتها الطبيعية، وحسب بيانات عن الفقر نشرها البنك الدولي نهاية 2023، فإن 28% من السكان في إيران يعيشون تحت خط الفقر، ونحو 40% معرضون للسقوط تحت خط الفقر حتى عام 2025، وهو ما يعني أن قرابة 70% من السكان يعانون من سوء الأحوال المعيشية.
أما عن البطالة في المجتمع الإيراني، فإن الأرقام التي تنقلها وسائل الإعلام عن مصادر محلية، تظهر أن معدل البطالة في مارس 2024، كان بحدود 7.7%، وهو معدل يمكن اعتباره معقولاً جداً، في ظل الأوضاع التي تعانيها البلاد من العقوبات الاقتصادية، وكذلك التوترات الإقليمية السائدة. لكن يمكن تفسير هذه الأرقام الخاصة بالبطالة في إيران، باعتبارها ليست إلا تعبيراً عن البطالة المقنعة، إذ تسعى الدولة لاسترضاء مواطنيها عبر التوسع بالتوظيف في القطاع العام والمؤسسات العامة، من دون حاجة لوظائف حقيقية.
ولا شك أنه في ظل حالة الفقر الشديد، والبطالة المرتفعة، تسعى أجهزة المخابرات المعادية لإيران لاستقطاب بعض مَن تعوزهم الحاجة المالية، وتوظفهم لأغراضها، وقديماً قالوا: "إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك"، وتكون المعادلة شديدة الصعوبة على الفقراء في ظل معدلات فساد عالية.
غير مرة، خرجت مظاهرات شعبية في إيران، منذ نهاية عام 2018، تطالب بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للمجتمع، وبعضها طاول توجه الدولة الإقليمي وتقديمها المساعدات والدعم إلى بعض الدول والكيانات بالمنطقة، بينما يعاني المواطن من أوضاع معيشية صعبة. وجدت الدولة الإيرانية متنفسًا ماليًّا منذ عام 2018 وحتى الآن في ظل الطفرات النفطية، التي شهدتها أسعار النفط في السوق الدولية، وإن كانت إيران لا تزال تعاني من أزمة العقوبات الاقتصادية بشكل كبير، وتعتمد على التصدير غير الرسمي لنفطها، وسعيها لتفادي العقوبات المالية الدولية على عائداتها من تصدير النفط خارج الإطار الرسمي.
ولا أدل على حالة عدم الرضا لدى المجتمع الإيراني عن الأوضاع الاقتصادية، من نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وإن اتسمت بنسبة مشاركة ضعيفة، إلا أن نجاح مرشح الإصلاحيّين يعكس حالة من عدم الرضا عن التوجهات الخاصة بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية لمؤسسات الدولة التي يسيطر عليها المحافظون، إذ قدر البنك الدولي معدل التضخم بنسبة 41% في إيران بنهاية عام 2023.
ثمة ثغرة مهمة، يمكن لأعداء إيران أن يكونوا قد ولجوها في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب الإيراني، فعملوا على تجنيد بعض المضارين وضعاف النفوس، ليكونوا يداً لهم في الإضرار بمصالح إيران الداخلية والخارجية.