أحد أبرز الأدوار الاجتماعية التي حرص عليها البنك المركزي المصري والبنوك التابعة للدولة طوال أكثر من نصف قرن هو مراعاة البعد الاجتماعي في قراراته المتعلقة بتحديد أسعار الفائدة، والأخذ في الاعتبار مصالح صغار المدخرين وأصحاب الودائع الصغيرة، وكذا مراعاة مصالح أصحاب المعاشات الذين يديرون حياتهم المعيشية من حصيلة العوائد الشهرية أو السنوية التي يحصلون عليها عن ودائعهم المربوطة في البنوك.
وهذه الشريحة تمثل النسبة الأكبر بين عملاء القطاع المصرفي، كما أنها الأكثر تأثرا بالسياسات الاقتصادية والمالية العامة.
فعندما كانت البنوك تخفض سعر الفائدة في سنوات سابقة كانت تستثني أصحاب المدخرات البسيطة من الخفض، أو على الأقل تكون نسبة الخفض قليلة على مدخراتهم مقارنة بالخفض الذي يجري على الودائع الكبيرة والمملوكة للشركات وأصحاب الثروات، والعكس، إذا رفعت البنوك سعر الفائدة يكون النصيب الأكبر من الزيادة لصغار المدخرين.
يوم الخميس الماضي، أقر البنك المركزي المصري أول زيادة في أسعار الفائدة هذا العام وبنسبة 2% في إطار خطته لمكافحة ظاهرتي التضخم الجامح والدولرة داخل سوق الصرف، واللتان تهددان الاقتصاد ومناخ الاستثمار وتضغطان على العملة المحلية.
عقب الزيادة انتشرت شائعات قوية على مواقع التواصل الاجتماعي حول توجه أكبر بنكين في الدولة وهما الأهلي المصري ومصر إلى طرح شهادة ادخار بعائد مرتفع يتراوح ما بين 25% - 30%، استنادا إلى فترات سابقة خاصة في فترة التسعينيات وعقب انتشار ظاهرة توظيف الأموال، وهو الأمر الذي نفاه وبشكل قاطع نائب رئيس البنك يحيى أبو الفتوح.
وبغض النظر عن الشائعات ونفي نائب رئيس البنك الأهلي فإنه كان من المتوقع أن تسارع البنوك نحو زيادة سعر الفائدة بنفس النسبة التي رفعها البنك المركزي يوم الخميس وهي 2%، وبالفعل أعلن البنكان، الأهلي المصري ومصر، أمس الأحد عن إصدار شهادتي ادخار لمدة ثلاث سنوات، وبعائد 22%.
لكن يلاحظ أن النسبة المعلنة غير حقيقية، فالشهادة الأولى ثابتة ولمدة 3 سنوات وبعائد 19% سنوياً، على أن يصرف العائد شهرياً.
أما الثانية؛ فمتناقصة وبنفس المدة وبسعر سنوي 22% لأول سنة و18% للسنة الثانية و16% للسنة الثالثة ويصرف العائد شهرياً.
ووفق البنكين فإن شهادات الادخار ذات العائد المرتفع تهدف إلى مساعدة البنك المركزي المصري في سحب السيولة النقدية من الأسواق، أي مواجهة التضخم وهو أحد أبرز السياسات النقدية التي تعمل عليها كل البنوك المركزية في العالم.
إذا كان هذا هو الهدف من طرح الشهادات فإن السؤال هنا ماذا عن حق المودع، خاصة الصغير، والذي بات يحصل على سعر فائدة سلبي في ظل موجات التضخم والدولرة وتدني قيمة الجنيه.
فإذا أخذنا في الاعتبار العائد الممنوح على الشهادات الجديدة، فإن هذا يعني تعرض المودع لخسارة على أمواله تصل إلى 12% في حال اعتماد معدل التضخم العام الأخير والصادر عن جهاز الإحصاء والبالغ 30.9%، ترتفع الخسارة إلى 18.3% في حال اعتماد معدل التضخم الأساسي الصادر عن البنك المركزي والبالغ 40.3%، وهو الأدق في احتساب سعر الفائدة داخل البنوك.
إذا كان التضخم مستمرا بعض الوقت، وإذا كانت أزمة العملة متواصلة، فهنا على البنك المركزي استمرار سياسته الرامية إلى المحافظة على صغار المدخرين والتقليل من الضغوط التي يتعرضون لها والناتجة عن تهاوي العملة وتآكل القدرة الشرائية وجموح الأسعار.