عن جدوى حملات مقاطعة السلع المحلية في مصر

30 ابريل 2024
الأسماك هدفا لحملات المقاطعة في مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مصر، انطلقت حملة مقاطعة واسعة للضغط على التجار لخفض أسعار السلع الأساسية والغذائية المرتفعة، ردًا على الظلم المعيشي والغبن الاجتماعي.
- الحكومة تواجه انتقادات لعجزها عن ضبط الأسواق ومكافحة الاحتكار، مما يضعف قدرة المواطنين على شراء السلع الضرورية ويزيد من تعقيد الأزمة.
- مقاطعة السلع المرتفعة السعر تحمل مخاطر على الإنتاج والأسواق المحلية، ويُنظر إلى تدخل الدولة في تنشيط الصناعة والإنتاج المحلي كحل أمثل للأزمة.

في مصر انطلقت حملة واسعة النطاق لمقاطعة سلع كثيرة أبرزها اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك وبيض المائدة وسلع غذائية أخرى، وذلك في محاولة أخيرة لإجبار التجار على خفض الأسعار الملتهبة والتي باتت تفوق قدرات معظم المصريين، ووقف الظلم المعيشي والغبن الاجتماعي البيّن والنزيف المالي المتواصل لجيوب الجميع.

بدايةً، من حق المستهلك أن يقاطع السلع والمنتجات مرتفعة السعر، أو تلك التي تفوق كلفتها دخله وقدرته الشرائية، وبالتالي فإن حيازتها وشراءها يمثلان ضغطا ماليا شديدا عليه وعلى أسرته. هنا يكون القرار هو الاستغناء كرها أو طوعا.

ذلك لأن المواطن هنا قد لا يمتلك بدائل كثيرة وسيولة نقدية كافية لتلبية احتياجاته من السلع والخدمات في ظل حكومة عاجزة عن ضبط حركة الأسواق، وفرملة قفزات أسعار السلع، ومكافحة الاحتكارات الشرسة، ولعب دور السمسار لا الرقيب وضابط الأسواق.

الحكومة تدخل أحيانا في تحالف مع المحتكرين على حساب المواطن، وبعض مؤسسات الدولة نفسها تمارس سياسة الاحتكار

والأهم أنها عاجزة عن زيادة المعروض من السلع في الأسواق عبر التدخل كصانع سوق، وضخ المزيد من البضائع والمنتجات التي تشهد نقصا أو زيادة غير مبررة في السعر، أو خفض كلفة الواردات من خفض الجمارك وضريبة القيمة المضافة وغيرها.

وأسباب العجز كثيرة منها بيع أصول الدولة ومئات الشركات العامة التي كانت تمثل منتجاتها نقطة توازن للأسعار ومنافسة لسلع القطاع الخاص، وأحياناً دخول الحكومة في تحالف مع المحتكرين على حساب المواطن، وأحيانا أخرى ممارسة بعض مؤسسات الدولة نفسها سياسة الاحتكار وسحب سلع من الأسواق بهدف زيادة سعرها، وبالتالي هنا لا يفرق المستهلك بسهولة بين سلوك الحكومة وممارسات المحتكرين.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

في ظل ذلك الفشل الحكومي، من حق المستهلك أن يمتنع عن شراء السلع التي تمثل ضغطا شديدا عليها حتى ولو كان بحاجة ملحة إليها، هنا يمكن استثناء بعض السلع الغذائية الحياتية مثل الخبز والجبن والبيض والألبان والتي تعني مقاطعتها التعرض لخطر الموت، حتى اللحوم والأسماك بدأ المواطن في مصر مقاطعتها، ولا أتحدث هنا عن مقاطعة السلع الأخرى مثل السيارات والأجهزة الكهربائية والمنزلية الحديثة، فتلك باتت عصية على جيوب الطبقة المتوسطة، فما بالنا بالطبقة الفقيرة.

لكن مقاطعة المواطن السلع مرتفعة السعر ليست هي الحل الأمثل لمواجهة قفزات الأسعار، ذلك لأن للمقاطعة مخاطرها الشديدة على الإنتاج والأسواق المحلية، وقدرة المصانع والمشروعات المختلفة على الإنتاج والتصدير.

فمقاطعة سلعة ما تعني إغلاق عشرات بل ومئات المصانع وتسريح العمال، خاصة وأن القطاع الصناعي يعاني أصلا من أزمات عنيفة ناتجة عن زيادة كلفة الإنتاج وتعرفة الكهرباء والغاز والرسوم الحكومية وتكاليف الفساد والبيروقراطية وغيرها.

مقاطعة السلع المحلية تعمق كساد الأسواق والركود التضخمي، وهذا يمثل خطرا شديدا على الاقتصاد وإيرادات الدولة

ومقاطعة السلع المحلية تعمق كساد الأسواق والركود التضخمي، وهذا يمثل خطرا شديدا على الاقتصاد وإيرادات الدولة من ضرائب ورسوم وغيرها، ومن ثم تؤثر على المواطن الذي بات لا حول له ولا قوة أمام فشل حكومي واسع النطاق، وسياسات رسمية تعتمد على الاقتراض الخارجي والمحلي، وتتجاهل تنشيط الصناعة والإنتاج المحلي والصادرات وإيرادات النقد الأجنبي.

والحل هنا يبدأ من الدولة لا من المواطن المثقل بالأعباء، فالدولة هي المسؤول الأول عن قفزات الأسعار المتلاحقة، فهي التي تعوم العملة المحلية من وقت لآخر، وتؤدي سياساتها المالية إلى تهاوي قيمة الجنيه مقابل الدولار وبالتالي زيادة كلفة الواردات والسلع القادمة من الخارجي والتي تغطي نحو 70% من احتياجات الأسواق.

والحكومة هي التي ترفع قيمة الدولار الجمركي وأسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز ومازوت ومواصلات عامة، وهي التي ترفع الضرائب والرسوم لدرجة أنها باتت تمثل أكثر من 75% من إيرادات الدولة، والحكومة هي التي أغرقت البلاد في ديون قياسية محلية وخارجية، وأنها هي التي ترفع تكلفة الحياة والمعيشة على المواطن لسداد أعباء تلك الديون.

وبالتالي من يحضر عفريت التضخم والغلاء الفاحش عليه أن يصرفه، ولا تقع المهمة هنا على المواطن الذي من حقه أن ينعم بثروات بلاده في شكل خدمات صحية وتعليمية وبنية تحتية مقبولة.

نحن أمام حقيقة تقول إن أسعار السلع لم تعد في متناول معظم المواطنين، والحكومة هي المسؤول الأول عن معالجة هذا الأمر بالدرجة الأولى، هذا ما تفعله كل الأنظمة والحكومات المنتخبة.

وعندما يخرج أي مسؤول مطالبا المستهلك بمقاطعة السلع مرتفعة السعر فإنه هنا يسكب الزيت على النار، ويزيد أزمات الأسواق وتعقيدات المشهد الاقتصادي، والمواطن وحده هو من يدفع التكلفة و"يحاسب على المشاريب" في النهاية.

المساهمون