عن المصالحة الخليجية وارتداداتها الاقتصادية

عن المصالحة الخليجية وارتداداتها الاقتصادية

06 ديسمبر 2020
بورصة قطر شارة النصر في العام 2008 (فرانس برس)
+ الخط -

صباح يوم الخامس من يونيو/ حزيران 2017 استيقظت منطقة الخليج العربي على خبر مفزع وصادم، هو فرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على قطر.
ساعتها توقفت كل الأنشطة الاقتصادية والتجارية بين دول المنطقة، حركة الطيران والسفر والشاحنات والسفن ونقل البضائع، ودخلت منطقة الخليج في خلافات سياسية حادة وتراشق إعلامي غير مسبوق أثر سلباً بمؤشرات الاقتصاد وحركة التجارة والاستثمار والأموال والبورصات وأسواق المال.
وقبلها أثرت بشدة في حياة المواطن الخليجي الذي واجه صعوبات شديدة في السفر والتنقل والتعليم، بل وتعرض لمصادرة أمواله وعقاراته في بعض الدول التي أرغمته على بيعها بثمن بخس، وتآكلت ثروات هذا المواطن، أو على الأقل تراجعت قيمتها السوقية.
كذلك أثرت الخلافات سلباً بأسعار السلع والبضائع والخدمات والعقارات والسفر داخل دول المنطقة، فعقب فرض الحصار على قطر زادت أسعار السلع في بعض الدول الخليجية، مثل الأغذية ومنتجات الألبان ومواد البناء والتشييد، وقطع الغيار والمواد الخام، بل اختفت بعض السلع الضرورية بسبب القيود على المعابر والموانئ.
وزاد من التكلفة الناتجة من اندلاع الأزمة الخليجية مسارعة دول المنطقة إلى إبرام صفقات سلاح بمليارات الدولارات لشراء ولاءات الأنظمة الغربية، وخاصة نظام دونالد ترامب، والحصول على دعمه في الخلاف الجاري، وإنفاق الدول الخليجية المتصارعة بسخاء على الذباب الإلكتروني، وتخصيص مئات الملايين من الدولارات لشركات العلاقات العامة والتسويق في الولايات المتحدة وأوروبا، في محاولة لتشويه صورة قطر وإلصاق تهمة الإرهاب بها. 

وامتدت الخلافات إلى مشروعات التعاون الاقتصادي التي كانت تعمل عليها دول مجلس التعاون منذ سنوات طويلة، ومنها إصدار عملة خليجية موحدة، وتأسيس بنك مركزي مشترك مقره الرياض، وإقامة منطقة تجارة حرة، وتدشين خط سكك حديد يربط بين دول المجلس وغيرها من المشروعات التي كان الكثير يراهن على إنجازها ونجاحها لتكون باكورة تعاون اقتصادي عربي أوسع.
إضافة إلى آثار أخرى، منها تجميد المشروعات الاستثمارية المشتركة التي كانت دول الخليج تسعى من خلال إقامتها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض السلع، وزيادة فرص العمل والحد من البطالة، وتقليص نزف النقد الأجنبي المخصص لتمويل الواردات الخارجية واستجلاب ملايين من العمالة الوافدة.
بعدها خرج الخلاف الخليجي إلى دائرة أوسع إقليمياً ودولياً، فقد غادرت قطر منظمة أوبك، وتغيرت خريطة الدوحة التجارية، ودخلت السعودية والإمارات في خلافات على ملفات عدة، منها الحرب النفطية السعرية ضد روسيا في الربع الأول من عام 2020، ووقف التنسيق داخل منظمة أوبك بشأن مستوى الإنتاج النفطي، كذلك أُقيمت دعاوي قضائية من قبل الدول المتضررة في المحافل الدولية، ومن أبرزها المحكمة العليا البريطانية ومجلس منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) ومحكمة العدل الدولية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها.
زاد من حالة النزف المالي الناتجة من الأزمة الخليجية غياب التعاون المشترك والتنسيق بين دول الخليج في التصدي لأزمات كانت في منتهى الخطورة، منها تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، ومحاولة دونالد ترامب تفكيك منظمة أوبك التي تقودها السعودية، ومحاولته ضرب أسعار النفط رغم العقوبات الأميركية المفروضة على النفط الإيراني.
وبعدها تفشي وباء كورونا، وما فرضته تلك الأزمات من خسائر فادحة للاقتصاد الخليجي ولقطاعاته الاقتصادية المختلفة، وخاصة قطاعات الطاقة، سواء نفط أو غاز، أو سياحة وسفر وطيران وفنادق، أو عمالة وغيرها.
إضافة إلى تحقيق دول الخليج عجوزات مالية تقدَّر بنحو 180 مليار دولار، وما نتج من هذا العجز الضخم من توسع الحكومات في الاقتراض الخارجي والمحلي، والسحب من احتياطي النقد الأجنبي المودع في الخارج، وتجميد تنفيذ مشروعات كبرى بالغة الأهمية للاقتصاد والمواطن، وخفض الإنفاق الحكومي.

وعلى مدى أكثر من 41 شهراً، هي فترة الأزمة الخليجية، عاشت بيئة الأعمال في منطقة الخليج حالة من التوتر والعصبية والغموض والضبابية، أدت إلى هروب استثمارات أجنبية، ومغادرة بنوك وشركات عالمية كبرى بعض الدول، خاصة إمارة دبي، التي شهدت انتكاسة عقارية واستثمارية حادة عقب اندلاع الأزمة الخليجية في صيف 2017، عمقتها أزمة كورونا.
كذلك تعرضت شركات الطيران الخليجية لخسائر قدرت بمليارات الدولارات عقب فرض الحصار على قطر. وكانت الخطوط الجوية القطرية أكثر المتضررين من الأزمة الخليجية، وبعدها أزمة كورونا، فقد سجلت القطرية خسارة بلغت 7 مليارات ريال (1.92 مليار دولار) خلال العام المالي 2019 /2020 المنتهي في 31 مارس/ آذار الماضي.
وكانت الخسارة الأكبر في الأزمة الخليجية من نصيب المواطن، سواء على المستوى الاجتماعي من تشتّت الأسر وحالة التراشق بين العائلات، أو الاقتصادي والمالي أو حتى الديني، فقد وجد المواطن القطري نفسه ممنوعاً من أداء فريضة الحج وسُنّة العمرة.
الكل كان خاسراً من الأزمة الخليجية، بما فيه مصر وقطر والإمارات والسعودية والبحرين، وامتدت الخسائر الاقتصادية إلى دول خليجية أخرى هي الكويت وسلطنة عمان. 
لذا، تأتي أهمية المصالحة الخليجية الحالية، فقد ظهرت بوادر قوية لطي صفحة تلك الأزمة غير المسبوقة، طبقاً للبيانات الصادرة من قادة الكويت والدوحة والرياض، وبدأ يلوح في الأفق بوادر إتمام المصالحة التي ستفتح الباب أمام إعادة انسياب حركة التجارة والاستثمارات والأموال.
كذلك ستعيد إحياء المشروعات المشتركة، وبالتالي تقليل الاعتماد على الخارج في تموين الأسواق وتوفير السلع الضرورية بما فيها الغذائية، وستوفر أيضاً مليارات الدولارات التي كانت تُنفَق من قبل دول الخليج على صفقات السلاح والذباب الإلكتروني، وعلى دوائر صنع القرار وشركات العلاقات العامة الغربية. 

المصالحة الخليجية في مصلحة الجميع، وخاصة في هذا التوقيت، حيث بات الاقتصاد الخليجي يعاني من تهاوٍ في أسعار النفط، وتبعات تفشي كورونا الخطيرة، وعجز مالي ضخم، ودين عام قياسي، واستنزاف للاحتياطيات الخارجية، وخلل في سوق العمل مع تقليص العمالة الوافدة، وقبلها هي في مصلحة المواطن الذي سيجد نفسه غير مضطر إلى شراء السلع والمنتجات الأجنبية مرتفعة السعر، ويستفيد من عودة حركة التجارة والسفر وانتعاش القطاعات العقارية والتجارية وبيئة الاستثمار مجدداً.
وفي ظل المصالحة، ستعود الاستثمارات الخليجية والأجنبية الهاربة إلى دول المنطقة لتؤدي دوراً في رفد سوق العمل بالمال والخبرات الفنية والصناعات الحديثة وتساعد في سد احتياجات الأسواق المحلية.
الشعوب الخليجية باتت متفائلة بالمصالحة، والدليل الصحوة التي دبّت اليوم الأحد في معظم البورصات الخليجية، حيث شهدت أسعار الأسهم ارتفاعات قد تتواصل خاصة مع الإعلان تباعاً عن تفاصيل المصالحة، وبدء توزيع لقاح كورونا، وتعافي الاقتصاد الخليجي.

المساهمون