عن اقتصاد مصر وإسرائيل في 3 عقود

25 أكتوبر 2023
الشيكل الإسرائيلي يواصل التراجع منذ "طوفان الأقصى" (getty)
+ الخط -

في أوائل التسعينيات، كان طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة من قسم الاقتصاد يدرسون في السنة الثالثة مادة عنوانها "اقتصاد مصر والشرق الأوسط"، حوّلها أستاذ الاقتصاد "النجم" وقتها، الدكتور جودة عبد الخالق، إلى "اقتصاد مصر وإسرائيل"، ما منحه شهرة كبيرة بين الطلاب، وأضفى على المادة أهمية خاصة للطلاب المتحمسين للقضية الفلسطينية.

استغل الدكتور الشهير، الذي أصبح بعد ثورة يناير 2013 وزيراً للتموين والتجارة الداخلية في مصر لفترة قصيرة، العنوان الجذاب لإلقاء الضوء على اقتصاد دولة الاحتلال، ومقارنتها بالاقتصاد المصري، الذي بدا وقتها أنه كان مقبلاً على مرحلة جديدة من الانفتاح لا يحبها الدكتور اشتراكي الهوى.

أحيت الأحداث الجارية في غزة، والخسائر التي تكبدها اقتصاد الاحتلال بعد انطلاق عمليات "طوفان الأقصى" الباهرة، فكرة المقارنة بين الاقتصادين، بعد نحو ثلاثة عقود، مع كامل التعاطف والاحترام لشهدائنا من المقاومة الفلسطينية والمدنيين، في قطاع غزة والضفة الغربية.

في مطلع الألفية الحالية، كان الشيكل الإسرائيلي والجنيه المصري قريبين من سعر 4 وحدات منهما لكل دولار، قبل أن تدور الدوائر على العملتين، وفي خلال ربع قرن، يباع الجنيه المصري، في ظل الأمن والأمان الذين فضلناهما على كل شيء، رسمياً بسعر 31 جنيهاً تقريباً مقابل كل دولار، ويصل سعره في السوق الموازية لأقل من ذلك بنحو 30%، بينما كان الشيكل الإسرائيلي سعره 3.25 تقريباً مقابل كل دولار، قبل أن تسبب خسائر السابع من أكتوبر انخفاضه، ليصبح كل أربعة منه تقريباً تساوي دولاراً واحداً.

حاول البنك المركزي الإسرائيلي الدفاع عن عملة البلاد، فباع 30 مليار دولار، تمثل نحو 15% من احتياطيات النقد الأجنبي بالبلاد، البالغة أكثر من مائتي مليار دولار، وضخّ 15 مليار دولار أخرى للحفاظ على السيولة في الأسواق، بينما بقيت احتياطيات النقد الأجنبي بمصر عند مستوى قريب من 35 مليار دولار، جاء أغلبها، إن لم يكن كلها، من القروض من السعودية والإمارات فقط.

يتوقع صندوق النقد الدولي وصول الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي هذا العام إلى أكثر من 520 مليار دولار، ينتجها أقل من عشرة ملايين مواطن، بينما تجاهد مصر للوصول بناتجها المحلي الإجمالي إلى 420 مليار دولار، ينتجها أكثر من 110 ملايين مواطن.

عاشت مصر على الاستدانة من العالم الخارجي على مدار السنوات العشرة الأخيرة، فوصلت ديونها الخارجية إلى أكثر من 165 مليار دولار، بينما توقفت الديون الخارجية الإسرائيلية عند 82 مليار دولار تقريباً، رغم الحروب والانتهاكات التي تقوم بها الدولة العبرية داخل الأراضي المحتلة، وما تسببه من ارتفاع فاتورة الإنفاق الحكومي، وتحديداً الإنفاق العسكري.

وفي الوقت الذي ما زالت مصر تعرف فيه باعتمادها على ما يعرف بالصناعات "الرئيسية"، مثل الزراعة والصناعات التحويلية والنفط والغاز والسياحة، تشتهر إسرائيل بنمو قوي وسريع في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والابتكارات، بما في ذلك منتجات التكنولوجيا المتقدمة، وصناعة الأدوية والسلاح.

ولا يمكن أن نغفل كيف كانت إسرائيل حاضرة بقوة في مشهد السعي العالمي للتوصل إلى علاج لوباء كوفيد.

ولاحظ أن ما يقال على النشاط الاقتصادي في مصر، من اعتماد على الزراعة والصناعة، يأتي في وقت نستورد فيه ما يقرب من ثلثي ما نأكل ونلبس ونركب، وتصل فاتورة الواردات إلى ما يقرب من 90 مليار دولار، بينما لا تتجاوز صادراتنا الأربعين ملياراً، وبذلك يكون العجز التجاري في مصر 50 مليار دولار، بينما لا يتجاوز هذا العجز 30 ملياراً في إسرائيل.

وبينما تُعَدّ مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، واصلت التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية ازدهارها، وكانت محرك النمو الرئيسي للاقتصاد خلال عام 2021، حيث نما منتج قطاعات التكنولوجيا الفائقة بأكثر من 10% فيه، وبلغ 237 مليار شيكل (نحو 70 مليار دولار)، ليحافظ على حصته النسبية من إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي، المقدرة بنحو 15%.

باختصار، ساعد قطاع التكنولوجيا الفائقة، شديد التنافسية مقارنة بأكثر اقتصادات العالم تقدماً، على خلق اقتصاد متنوع ومرن، ومندمج بشكل كبير في التجارة العالمية، مدعوماً بمستوى عالٍ من الاحتياطيات الدولية، وعلاقات دبلوماسية مع العديد من الدول المتقدمة اقتصادياً، ما دعم فرص الاستثمار الأجنبي في البلاد.

وفي مصر، تركز القدر الأكبر من جهد جهابذة الاقتصاد الذين يديرون البلاد على البحث عن مصادر قديمة وجديدة للاقتراض، حتى أصبح معيار النجاح لأي وزير تمكنه من الاتفاق على قرض أو تمويل جديد.

وفي أكثر من مناسبة، أعلن مسؤولون مصريون "نجاحهم" في طرح سندات دولية جديدة، أو إصدار سندات الساموراي والباندا، في إشارة إلى الاقتراض بعملات جديدة، بعد استنزاف كل المتاح للاقتراض، من دولار أو يورو.

انقسم المسؤولون في بلادنا إلى فريقين، أحدهما يسعى لزيادة انخراطه في الاقتصاد، والسيطرة على مفاصله، بما قد يتضمنه هذا من فساد ومحسوبية، ونهب لخيرات البلاد، بينما انشغل الفريق الآخر بالبحث عن أفضل الوسائل لتوفير الأموال المطلوبة لسداد التزاماتنا، وخصوصاً بالعملة الأجنبية.

تورط الفريقان في إهدار موارد البلاد والتضييق على المواطنين، بينما استمر الاقتراض، وتمديد الودائع الخليجية، وبيع الأراضي، ومنح الإعفاءات والامتيازات للأجانب، فقط ليقبلوا شراء الأصول المصرية، الأمر الذي أضعف قدرة البلاد على تحسين أوضاع المواطنين خلال السنوات المقبلة، وحرمهم جزءاً غير يسير من الموارد التي أصبحت توجه لخدمة الديون، بدلاً من استخدامها في تقديم خدمات صحية أو تعليمية لهم.

لا أحاول أن أقول إننا أغبى أو أضعف منهم، لكن أي عاقل يمكنه التمييز بين ما يؤدي إليه سلوك دولة تحترم مواطنيها، وتدرك جيداً ما لهم من حق في محاسبة المسؤولين فيها، ودولة أخرى، يفعل بها المسؤول ما يشاء، دون توافر أدنى قدر من المحاسبة، ولا يعنيه إلا أن "يأخذ اللقطة"، كما قال السيد اللواء في الفيديو الذي جرى تداوله على نطاق واسع أخيراً.

المساهمون