عن إدارة اقتصاد دولة وإدارة قسم شرطة

24 أكتوبر 2016
تعديل تشريعي، يُتيح الكشف عن سرية الحسابات المصرفية
+ الخط -



بالطبع هناك فارق بين إدارة اقتصاد دولة بكل تعقيداته وتحدياته وبين إدارة قسم شرطة في مدينة نائية، وهناك فارق بين إدارة موارد الدولة المتاحة وإعمال قوى العرض والطلب داخل الأسواق، وبين إدارة محل تجاري أو حتى شركة صغيرة أو شركة حتى متعددة الجنسيات.

وهناك فارق أيضاً بين إدارة الاقتصاد المحلي حسب القواعد العالمية المتعارف عليها التي تأخذ في الاعتبار الموارد المتاحة واحتياجات المواطن، وبين إدارة هذا الاقتصاد حسب أهداف سياسية وحزبية ضيقة للسلطة الحاكمة.

وهناك فارق بين إدارة الاقتصاد بمنطق التآمرية وكيد النساء والعصي الأمنية والبطش، وبين إدارته بطريقة احترافية تعظم الإمكانات والموارد المحدودة وتلبي احتياجات المواطن المتزايدة والمتجددة.

وعندما يطغى منطق التآمرية على فكر صانع القرار السياسي، فإن المتضرر الأول هو الاقتصاد وعجلة الإنتاج ومناخ الاستثمار.

وعندما تطغى الاعتبارات الأمنية على الاعتبارات الاقتصادية، فإن الحديث عن جذب استثمارات خارجية، أو حتى الحفاظ على الاستثمارات القائمة سواء أجنبية أو محلية، يصبح نوعا من الهراء.

وعندما ندير قطاع الاستثمار والمشروعات المختلفة داخل بلد ما بمنطق رجل الأمن، والشك في كل مستثمر راغب في تأسيس مشروع والتعامل معه على أنه جاسوس، هنا نفعل كمن يحرث في الهواء، فلن تأتي استثمارات جديدة، وستغلق الاستثمارات القائمة أبوابها.

وعندما يكون لرجل الأمن القول الفصل في إدارة الملفات الاقتصادية والمالية، هنا يرتبك المشهد كلية، خاصة إذا توارى رأي التكنوقراط والفنيين والمسؤولين التنفيذيين.

والنتيجة النهائية لكل ما سبق هي عدم وجود استقرار، سواء في التشريعات الاقتصادية أو نوع النظام المطبق في إدارة الاقتصاد، فمرة يتم تطبيق أسلوب السوق الحرة وقواعد العرض والطلب، وثانية يتم استدعاء أساليب الاشتراكية القديمة في إدارة القطاع الخاص، وثالثة يتم خلط النظامين وهنا يحتار المستثمر وتتلخبط حساباته، ورابعة لا تعرف الدولة على أي نظام اقتصادي تسير.

هذا ما يحدث في مصر حاليا، فالمتابع للمشهد الاقتصادي بها يلحظ أن منطق التآمرية واتهام أطراف خارجية بالسعي لتدمير البلد واقتصاده والمعالجات الأمنية يسيطر على المشهد، ولذا يواصل الاقتصاد تدهوره رغم مليارات الدولارات التي تلقاها من دول الخليج ما بين منح ومساعدات نقدية ونفطية وقروض.

مثلا تم التعامل مع أزمة الدولار بمنطق أمني بحت نجم عنه إغلاق ما يزيد عن نصف شركات الصرافة واعتقال العديد من أصحابها. وعندما فشل هذا الأسلوب، تم إقرار تشريع بنكهة أمنية يشدد العقوبة على حائزي الدولار الذين يبيعونه خارج القنوات الرسمية، والنتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار إلى معدلات لم يشهدها من قبل، وهروب النقد الأجنبي من البنوك والصرافات إلى المقاهي والشوارع حيث يتواجد تجار العملة.

وعندما فشلت الحلول الأمنية في التعامل مع أزمة الدولار، دفن الجميع رؤوسهم في الرمال، وغسلوا أيديهم من المشكلة التي لم يتم حلها حتى الآن وألقوا بالمسؤولية على أطراف خارجية، والنتيجة انفلات سعر الدولار ليتجاوز 15.50 جنيها في السوق السوداء.

آخر ما تفتق عنه ذهن صانع القرار في مصر اقتراحان؛ الأول برلماني بفرض حالة الطوارئ على القاهرة، لمساعدة أجهزة الأمن في مواجهة الإرهاب، والثاني إدخال تعديل تشريعي، يُتيح الكشف عن سرية الحسابات المصرفية للمواطنين، بزعم مواجهة التهرب الضريبي، والتغلب على قيود القانون الحالي التي تحظر الاطلاع على الحسابات المصرفية، إلا بناء على أحكام قضائية نهائية.

الاقتراحان يصطدمان بالفكر الاقتصادي الرشيد، فالأول يفرض حالة طوارئ تثير فزع المستثمرين وتعطل الإنتاج وتخفض الصادرات وترفع الأسعار، والثاني يسبب فزعا شديدا للمتعاملين مع البنوك وقد يدفعهم نحو سحب أموالهم من القطاع المصرفي، كما يخالف التعديل التشريعي كل الأعراف الدولية التي تضمن للعميل الحفاظ على سرية حساباته المصرفية، وتعاقب بشدة البنك الذي يفشي أسرار العملاء.

وواكب الاقتراحين السابقين تطور ملفت تمثل في مصادرة السلطات ألفي طن سكر من شركة إيديتا المصرية الخاصة والتي تصنف بأنها واحدة من أكبر شركات الصناعات الغذائية في البلاد.

المساهمون