صدرت خلال العامين الأخيرين مجموعة من الكتب تشكل، في أغلبها، سِيَراً وأفكاراً لأردنيين تقلدوا مناصب عامة، وأمضوا حياتهم في الخدمة العامة، حتى ولو كانوا خارجها. وقد تصدرت ثلاثة كتب منها قائمة المبيعات داخل الأردن حسب حسن أبو علي، أشهر بائع كتب في الأردن، وهي كتاب "من السلاح إلى الانفتاح" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2019)، مذكرات الأمير زيد بن شاكر، ونشر بعد وفاته بجهد ومثابرة من أرملته أم شاكر (نوزت الساطي)، وكتاب مذكرات مضر بدران، "القرار" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2020)، وكتاب "يوميات عدنان أبو عودة 1970 - 1988" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، والرابع أشْهِر يوم 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، وهو كتاب عبد الرؤوف الروابدة "هكذا أفكر: آراء ومواقف" (دار ورد، عمّان، 2021).
أما مذكرات الأمير زيد بن شاكر، الذي وصل إلى رتبة مشير وعمل رئيساً لهيئة الأركان المشتركة للجيش الأردني، ورئيساً للديوان الملكي ورئيساً للوزراء عدداً من المرات، فقد كتبته زوجته بمساعدة اثنين من الصحافيين المرموقين في الأردن. والكتاب مثير جداً في سعيه إلى تفسير الخلافين الرئيسيين اللذين حصلا بين الراحل الملك الحسين بن طلال وقريبه الأمير زيد بن شاكر، وفيه توضيح للعلاقة التي يقال إنها توترت بين الملك عبد الله الثاني والأمير زيد بن شاكر.
أما "القرار"، فهو مذكرات مضر بدران الذي شغل منصب مدير المخابرات العامة، ووزير التربية والتعليم، ورئاسة الديوان الملكي، ورئاسة الوزراء، خلال فترة حكم الملك الحسين. ولعل أهمية الكتاب، عند جمهرة القرّاء، أنه يروي قصصاً ظهر فيها بدران رجل دولة قوي، يتهيأ للمسؤولية، وخاطب أولياء الأمور بقوة عندما كان يعتقد أن أمانة المسؤولية تتطلب منه ذلك. وقد ظهر ذلك جلياً عام 1989 بعد زحف أهل معان (جنوب) إلى العاصمة عمّان بسبب انهيار سعر صرف الدينار وارتفاع نسبة البطالة، وكذلك عام 1974 عندما خرج العسكر محتجين بسبب انقطاع السكر وغلاء الأسعار في أعقاب هزة النفط بسبب حرب أكتوبر عام 1973. ولقد شهدت العلاقات الأردنية السورية خلال حكومته الثانية (1980-1984)، وكنت عضواً فيها (وزيراً للعمل) تقلبات حادّة من التنسيق الذي بدأ خلال حكومته الأولى (1976-1979). وشهدت العلاقات مع العراق درجة عالية من التواصل، بدأت بمؤتمر قمة عمّان عام 1980، واستمرت إلى عقد ونصف على الأقل. ويلاقي الكتاب إقبالاً من الأردنيين على غنى ما فيه من مذكرات رجلٍ كان له باع طويل في إدارة الأردن خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لا ينافسه في ذلك سوى خصمه السياسي زيد الرفاعي.
الكتاب الثالث يوميات عدنان أبو عودة، ابن نابلس الذي عمل محللاً في دائرة المخابرات العامة، ووزيراً إبّان أحداث أيلول عام 1970، وأمضى ردحاً من الزمن وزيراً للإعلام والثقافة، ورئيساً للديوان الملكي، ومستشاراً لفترة محدّدة للملك عبد الله الثاني. كان يكتب أجندته مدوّناً أهم الأحداث والحوادث التي شارك فيها، ولا يكاد يخلو شهر في حياة الأستاذ عدنان من دون أن يكون طرفاً فيه لنقاشٍ عن العشائرية، والعملية السلمية، والمواطنة. والرجل مثقف، ولكن عقله أكبر من ثقافته، وهو يميل إلى التحليل الرياضي، الذي أسميته القادر على بناء هرم فوق رأس دبوس.
ولعل أهم ما في كتاب عدنان أبو عودة علاقته بالملك الحسين، ومبادراته الهامة التي لاقت استحساناً من مليكه، ومنها على سبيل المثال مشروع "الاتحاد الوطني" في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وقرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية عام 1988، التي شكلت بين السنوات 1950-1967 جزءاً لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية إلى حين الاحتلال الإسرائيلي في يونيو/ حزيران من عام 1967.
الكتاب الرابع الجديد للدكتور الصيدلي عبد الرؤوف الروابدة الذي شكل انطباعاً لدى جمهرة الأردنيين بأنه ذكي، صاحب حسّ فكاهي لا يخلو من الجرأة، وعملي ممتاز. وقد شغل عدداً من المناصب الوزارية، كالصحة، والاتصالات، والأشغال العامة، والتربية والتعليم، وعمل فترة أميناً لعمان الكبرى التي سُميت بذلك بناءً على مقترح منه، وعمل كذلك نائباً لعدة دورات ورأس الحكومة الأردنية كأول رئيس يعينه الملك عبد الله الثاني، وشغل رئيساً لمجلس الأعيان عامين. وقد صاحبته في العمل العام سنوات طويلة، ففي عهد حكومة مضر بدران الأولى التي عمل فيها وزيراً لوزارتين، عُينت أنا أميناً عاماً لوزارة العمل، وأول مدير عام للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. وقد ساعدني كثيراً في شرح مشروع قانون الضمان للوزراء لمّا بحث في مجلس الوزراء، ولأعضاء المجلس الاستشاري لمّا ناقشوه في اللجنتين المالية والقانونية. وعملنا معاً، هو نائب لرئيس الوزراء، وأنا وزير لشؤون رئاسة الوزراء ووزير للإعلام. ولمّا عُين رئيساً لمجلس الأعيان، كنت زميلاً له وعملنا معاً بتنسيق كبير. ولكن هذا لم يمنع أن نختلف في الرأي أحياناً. وقد كان يغضب مني إن قلت كلاماً قد ينطوي على كلامٍ يصفه بالإقليمية. وقد عانيت وتمتعت بنكاته عليّ أحياناً، وإن كان قبوله نكاتي عليه محدوداً على قلتها.
ولكن لاحظت من كتابه أن للرجل جانباً آخر عميقاً لا يعرفه ناسٌ كثيرون، فصورة غلاف الكتاب تبديه رجلاً مفكراً ومتألماً، وليس ضحوكاً كما هو الانطباع العام عنه. ولاحظتُ في كتابه الذي يشتمل في معظمه على أفكارٍ كتبها، أو ألقاها محاضراتٍ، أو نشرها مقالات، أنه يسعى إلى أن يظهر شخصيته رجل الدولة الجاد المؤمن بأردنيته، والمدافع عن الحق الفلسطيني، والراغب في إظهار موقفه الجادّ من القضايا العامة التي تؤكد أنه يسعى إلى تأكيد صورة رجل الدولة التي يحب أن يظهر فيها. ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنني، بعد قراءتي الكتاب، ازددت إيماناً بأن الرجل ليس مجرد شخص ذكي يسعى إلى فرض تلك الصورة، ولكنه يسعى إلى أن يجعل من ذكائه وسيلةً لتأكيد قدرته على أنه رجل دولة لم يأخذ فرصته الحقيقية. وهذا قولٌ قد يثير العجب لدى أردنيين كثيرين.
لكل كتاب من كتب السياسيين الذين تناولهم المقال أسلوب وطعم مختلف. ونحن بانتظار كتاب طاهر المصري، صاحب الرئاسات الثلاث، الوزراء والنواب والأعيان. ولربما كتاب رئيس الوزراء الأسبق، زيد الرفاعي.