عندما يقتل عسكر السودان البشر والمستقبل

03 يونيو 2019
من مواجهات اليوم بين المعتصمين والعسكر (فرانس برس)
+ الخط -

لا تنمية اقتصادية بلا استقرار سياسي وأمني حقيقي، ولا انتعاش اقتصاديا في ظل حكم عسكري يسيطر على كل مفاصل الدولة بما فيها الاقتصاد والمال والصفقات والبزنس.

ولن يستطيع مواطن أن يطالب بحقه المشروع في تحسين دخله وزيادة أجره، وأن يشكو من سوء أحواله المعيشية في ظل وجود سلطة قمعية عنوان نظامها هو الحكم بالحديد والنار والقبضة الأمنية والاعتقالات العشوائية وسجن المعارضين السلميين واعتقال المحتجين على أوضاعهم المعيشية ومنع الوقفات الاحتجاجية داخل المصانع.

وبشكل عام فإن الإنسان الذي لا يتمتع بحريته كاملة، لن يعمل، ولن ينتج بالشكل الكافي، ولن يمثل قيمة مضافة للإنتاج والاقتصاد والمجتمع، بل وقد يكون عنصراً محبطاً ومعرقلاً لمن حوله.
وما فعله عسكر السودان، فجر اليوم الأثنين، من محاولة فض اعتصام آلاف المحتجين بالقوة من أمام مقر قيادة الجيش لا يصب في صالح الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وقبله الاستقرار السياسي والأمني، وإنما يؤجل كل ذلك لأجل غير مسمى، وقد تغرق محاولات العسكر، المتهورة تلك، البلاد في قلاقل سياسية ومجتمعية، وربما في بحور من الدم لا قدر الله.

الشعب السوداني ثار على حكم عمر البشير الذي امتد لثلاثين عاما، ثار لأنه يريد حكومة مدنية منتخبة، وحكما رشيدا، وتفعيل دولة القانون، والاستفادة من ثروات البلاد المنهوبة من الذهب والنفط والزراعة وغيرها.

ثار لأنه وجد صعوبة شديدة في الحصول على رغيف الخبز في بلد يعد نظريا "سلة غذاء العالم" وواحدا من أكبر دول العالم إنتاجا للثروة الحيوانية.

ثار لأنه لم يجد سولاراً ولا بنزيناً في محطات الوقود، وكان يجري في الشوارع لساعات للفوز بأنبوبة غاز يطهو بها طعاما لأولاده.

ثار عندما اختفت السيولة النقدية من البنوك وفروعها وماكينات الصرف الآلي، ثار عندما انهارت عملته الوطنية الجنيه رغم تحويلات تقدر بمليارات الدولارات سنويا يقوم بها نحو 5 ملايين مغترب.
الشعب السوداني ثار كذلك لأن سياسات النظام الحاكم، التي قادتها حكومة ما يسمى بالإنقاذ لثلاثة عقود، تسببت في فصل جنوب السودان عن شماله، وضياع ثروات البلاد، ثار على الظلم والقمع، وقبلها على الفقر والبطالة والعوز وانتهاك حقوقه وأدميته.

وبدلا من أن يحظى الشعب السوداني الثائر على نظامه بحكومة مدنية منتخبة تعمل على معالجة الملفات العاجلة، وفي مقدمتها سوء الخدمات في الصحة والتعليم والبنية التحتية وأزمات السيولة والوقود والسوق السوداء للعملة وتردي الأوضاع المعيشية، إذا بالأرض تنشق لتخرج له انقلابا عسكريا جديدا يسعى بكل قوته للحفاظ على النظام الحاكم مع التضحية برأسه فقط متمثلا في عمر البشير.

انقلاب أغراه بريق السلطة التي تدحرجت إلى حجره بين ليلة وضحاها، وأغرته كذلك مئات الملايين من الدولارات وآلاف الأطنان من المشتقات البترولية التي تلقاها من السعودية والإمارات عقب انقلابه، مع وعود بتحويل مليارات أخرى في حال الإجهاض على الثورة الشعبية والقضاء عليها حتى ولو كرر نموذج مذبحة رابعة في مصر وقتل مئات السودانيين واعتقل الآلاف.
المساهمون