عندما يتسول السودان القمح مقابل التطبيع

27 أكتوبر 2020
عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني/فرانس برس
+ الخط -

هل عجز السودان، سلة غذاء العالم، عن توفير القمح والذرة والدقيق والزيوت والسلع الغذائية الضرورية لمواطنيه الجياع حتى تكون حجة النظام الحاكم الجديد في الخرطوم هي أن التطبيع مع الكيان الصهيوني جاء لصالح المواطن عبر الحصول على خبرة دولة الاحتلال في الزراعة وتكنولوجيا الري؟
وهل عجزت دولة اللاءات الثلاث، لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، والبلد الزراعي الأبرز منذ أكثر من 10 آلاف سنة، عن تدبير الخبز لمواطنيها حتى يخرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليؤكد نية بلاده تزويد السودان بحبوب القمح، بعد إعلان البلدين أنهما اتفقا على تطبيع العلاقات.
وهل عجزت (حكومة الثورة) في الخرطوم عن حل أزمة الخبز التي كانت أحد أسباب خروج السودانيين على عمر البشير، والاهتمام بقطاع الزراعة الواعد الذي أهملته أنظمة سابقة، والاستفادة من أكثر من 280 مليون فدان، من الأراضي الصالحة للزراعة لصالح المواطن، حتى يخرج علينا بيان مشترك لقادة أميركا وإسرائيل والسودان يؤكد أنه تم الاتفاق بين البلدين، السودان وإسرائيل، على "بدء علاقات اقتصادية وتجارية مشتركة، مع التركيز مبدئياً على الزراعة".
ببساطة، لن تقدم حكومة الاحتلال الإسرائيلي خبرات كبيرة للمزارع السوداني الذي سيرفض أصلا التطبيع المفروض عليه من قبل السلطة الحاكمة، ليكرر بذلك تجربة شعبي مصر والأردن في الرفض القاطع للتطبيع الاقتصادي بكل صوره.

وفي المقابل ستسعى دولة الاحتلال بطل طاقتها إلى الاستفادة من التطبيع لصالحها من الناحية الاقتصادية والمالية، خاصة وأن عين تل أبيب ومنذ سنوات طويلة على الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة والأيدي العاملة الرخيصة في السودان، وأنها سعت لاستغلال خيرات دولة اللاءات الثلاث وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والأغذية عبر زراعة مساحات ضخمة في السودان، لكن رفض الأنظمة السودانية السابقة التطبيع معها حال دون تنفيذ هذه الخطط، كما حال دون أن تكون الخرطوم بوابة لإسرائيل في اختراق القارة السوداء.

في ظل التطبيع، قد يشهد السودان إقامة مشروعات إماراتية إسرائيلية مشتركة يتم من خلالها زراعة عشرات آلاف الأفدنة الزراعية، على أن تصدر تل أبيب الغذاء السوداني لدول العالم، فيما يحرم منه المواطن السوداني الذي سيواصل رحلة البحث عن رغيف خبز والوقوف في طوابير طويلة أمام الأفران، وبذلك تكون أبوظبي وتل أبيب المستفيدتين من خيرات السودان، لا الشعب السوداني الذي سيعمل أجيرا في هذه المشروعات.
قصة التطبيع ببساطة هي أن نظام الحكم الجديد في السودان رأى أن أقرب الطرق للبقاء في الحكم، بعد أن ذاق حلاوته، والفوز في الانتخابات المقبلة المقررة في العام 2022، ورضاء الغرب عنه هو التطبيع مع دولة الاحتلال، ولا نعرف هل هذا هو رأي رموز وقوى الثورة ورجل الشارع، أم رأي الحكومة الانتقالية ومجلس السيادة والمجلس العسكري فقط.

في كل الأحوال وبعد أن تخلى السودان عن اللاءات الثلاثة فإن النتيجة النهائية للتطبيع هي أن دولة الاحتلال، وبالتعاون مع عسكر السودان ومال أبوظبي السياسي الوفير، ستكمل نهب ما تبقى من ثروات السودان سواء كانت زراعية أو حيوانية أو معدنية أو حتى بشرية، وعلى المواطن السوداني أن يثور مرة أخرى للحصول على حقه في ثروة بلاده، أو أن يعمل أجيرا لدى الحقول والمزارع والمصانع الإسرائيلية المقامة على أراضيه.

المساهمون