توفر الدول المتقدمة الحماية الكاملة للمستهلك، عبر الرقابة الشديدة على المنتجات والسلع والأسواق، ومقاومة الاحتكارات وعمليات الغش التجاري والاحتيال والتزييف والإعلانات الخاطئة والمضللة، والتشجيع على تأسيس جمعيات ومنظمات حماية المستهلك، وتشريع القوانين التي تعطي المستهلك الحق في الصحة والسلامة والحصول على المعلومات الصحيحة عن المنتجات والخدمات، وحق إرجاع واستبدال أو إصلاح المنتج مجانًا، إذا كان به عيب أو خلل أو لا يلبي المواصفات القياسية أو الغرض منه، وكذا الحق في اللجوء للقضاء في حال وجود أي خرق أو تقييد لحقوق المستهلك.
وواحد من تلك الحقوق توفير الدولة الحماية القانونية للمستهلك والتي تصل إلى حد إغلاق الشركات التي تضر بالأسواق والصحة العامة، أو على الأقل فرض غرامات كبيرة على الشركات المخالفة تدفع بها نحو الإفلاس والخروج من السوق.
بدأت معاناة جونسون حينما أقام آلاف المستهلكين في الولايات المتحدة دعاوى تتهمها بإنتاج بودرة التلك الشهيرة للأطفال والمسببة للسرطان
أحدث مثال على ذلك ما يحدث حاليا مع شركة الأدوية والرعاية الصحية الأميركية العملاقة، جونسون آند جونسون، والتي تنتج آلاف الأدوية المشهورة وأشهرها بودرة التلك المنتشرة في أنحاء العالم.
بدأت معاناة جونسون حينما أقام آلاف المستهلكين في الولايات المتحدة دعاوى قضائية ضدها أمام المحاكم تتهمها بإنتاج بودرة التلك الشهيرة للأطفال والمسببة للسرطان، ويوما بعد يوم اتسعت دائرة الدعاوى وسط ضغوط لفرض حظر عالمي على مبيعات البودرة، بسبب مخاوف من احتوائها على مادة مسرطنة.
واللافت أن معظم الدعاوى كانت مقامة من سيدات قلن إنهن أصبن بسرطان المبيض، إثر استخدامهنّ بودرة الأطفال الخاصة بالشركة.
ونجحت تلك الدعاوى المتلاحقة في انتزاع واحد من أكبر التعويضات في تاريخ الشركات الأميركية، فقد وافقت جونسون آند جونسون اليوم الأربعاء على دفع نحو 8.9 مليارات دولار لتسوية الدعاوى المقامة ضدها أمام المحاكم في الولايات المتحدة بشأن بودرة التلك، كما سددت الشركة نفقات تقاضٍ قيمتها 7.4 مليارات دولار في الفترة بين عامَي 2022 و2021.
سبقت هذه التطورات الدراماتيكية صدمات كبرى لشركة الرعاية الصحية الأميركية، ففي أكتوبر 2019 ألزمت هيئة المحلفين في ولاية فيلادلفيا جونسون بدفع 8 مليارات دولار تعويضا لرجل أدعى أن الشركة لم تحذره من أن دواء مضادا للذهان قد يتسبب في نمو حجم ثدييه، وهو ما حدث له بالفعل.
وافقت جونسون آند جونسون على دفع نحو 8.9 مليارات دولار لتسوية الدعاوى المقامة ضدها أمام المحاكم بشأن بودرة التلك
وفي يونيو/حزيران 2021 رفضت المحكمة العليا في ولاية ميسوري الأميركية، استئناف الشركة على حكم يلزمها بدفع غرامة ملياري دولار، في قضية سرطان بودرة الأطفال.
ويبدو أن هذه الغرامات الضخمة كانت غير كافية لتهدئة الرأي العام الغاضب، ولذا اتخذت الشركة خطوة أهم حينما أوقفت إنتاج وبيع وتسويق بودرة التلك.
في البداية أوقفت البيع في الولايات المتحدة وكندا في مايو/أيار 2020، لكن مع زيادة الضغوط عليها توقفت عن إنتاجها وبيعها في كل دول العالم بدءا من العام الجاري 2023.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى فقد تعرضت شركة "إل تي أل مانجمنت" التابعة للشركة الأميركية الشهيرة والمكلفة بمتابعة الدعاوى القضائية لمخاطر مالية تهددها بالبقاء، وبالفعل أبلغت جونسون هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية أنها تقدمت بطلب حماية من الإفلاس.
المشكلة أنه رغم صدور أحكام التعويض المتعاقبة والدعاوى الضخمة ضد جونسون آند جونسون والتي تتجاوز 21 ألف قضية، لم تعترف جونسون بعد بالخطأ في استخدام وإنتاج مادة التلك، بل وسمحت لتجار ببيع منتجاتها من البودرة لحين نفاد الكميات، وهو ما يجعلها في دائرة الانتقادات المستمرة التي قد تهدد سمعتها وربما بقائها.