عندما تتفاخر الدول بثروتها البشرية

عندما تتفاخر الدول بثروتها البشرية

24 فبراير 2021
الصين ثاني أقوى اقتصاد في العالم (Getty)
+ الخط -

هل هناك علاقة بين الفقر والزيادة السكانية، وهل صحيح أن البطالة تنتشر أكثر في البلدان كثيفة السكان، وهل الدول ذات معدلات الخصوبة المرتفعة تعاني من تخلف اقتصادي، وتدن في مستويات المعيشة والرفاه والخدمات، وقفزات في الأسعار، وتدهور في البنية التحتية، وعجز في الموارد المالية، كما تردد بعض الحكومات من وقت لآخر؟

وهل صحيح أن الكثافة السكانية تلتهم ثمار مشروعات التنمية التي تقوم بها الحكومات وتجهض أي محاولة لرفع مستوى الأفراد المعيشي وتحسين الدخول وخدمات التعليم والرعاية الصحية والتقاعد وتحقيق العدالة الاجتماعية؟
الإجابة بالطبع لا، فلا يوجد رابط بين الأزمات الاقتصادية والمعيشية وزيادة معدل السكان في بلد ما، ولا رابط بين التخلف والإنجاب.

الصين صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم رغم تجاوز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة

بل إن زيادة النسل تعد نقطة قوة في عرف حكومات معظم الدول المتقدمة، ولذا تحرص الدول التي تعاني عجزا في السكان وخصوبة أقل لمواطنيها على تعويض النقص الحاصل في السكان عبر تشجيع الإنجاب وجذب المهاجرين، ولنا مثل في ألمانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندة وغيرها. 
المجر مثلا تشجع المواطنين على كثرة الإنجاب، بل وفي حال زيادة الإنجاب يتم إلغاء الضرائب على الأسر، وكذا الحال لدول شمال أوروبا، مثل الدنمارك والسويد والنرويج، فهذه البلدان تشجع الزوجين على إنجاب المزيد من الأطفال ومنحهما مزايا نقدية، مثل العطلة مدفوعة الأجر عقب الإنجاب، ووجود حضانات ومدارس عمومية ذات جودة عالية.

ومنذ سنوات تطبق فنلندا برامج لدعم الأسر، منها صندوق الطفل، الذي تقدمه للأبوين قبل موعد الولادة، ويتضمن توفير جميع مستلزمات الطفل، وإعانة نحو 100 يورو للطفل شهريا، وإجازات أمومة وأبوة تصل إلى تسعة أشهر مع دفع 70% من الراتب المستحق.
واشتهرت فرنسا بسياساتها المؤيدة للإنجاب، وبأنها تنفق أكثر من سائر الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على رعاية الأسرة. 
وفي روسيا كشف الرئيس فلاديمير بوتين، في فبراير/ شباط 2019، عن قرار تقليل الضرائب على الأسر التي يزيد إنجابها للأطفال.
وتحت شعار "كونوا مثل الأرانب"، أطلقت بولندا، التي تم إدراجها ضمن الدول الأدنى في معدلات الإنجاب في أوروبا، حملة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، لحث المواطنين على زيادة الإنجاب. 
وفي 2019 شجعت إيطاليا المواطنين على زيادة الإنجاب، بمنحهم قطعة أرض مجانية كهدية عند إنجاب طفل، وتبنت الحكومات المتعاقبة شعار "الأرض مقابل الأطفال".
هذا على مستوى مواقف الدول من قضية زيادة السكان، فماذا عن الوضع الاقتصادي للدول التي تعاني من كثافة سكانية تصل إلى حد الانفجار؟

الهند، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان وصاحبة أقوى خامس اقتصاد في العالم

لنتأمل قائمة أقوى الدول اقتصاديا على مستوى العالم، نجد أن معظمها ينتمي إلى الدول كثيفة السكان، خذ مثلا الصين، فهي صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، بل وستصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العام 2028، حسب الدراسات الأخيرة.
ورغم جائحة كورونا، حقق الاقتصاد الصيني نموا في ناتجه المحلي الإجمالي في عام 2020 بلغت نسبته 2.3%، وهو بذلك يكون الاقتصاد الرئيسي الوحيد في العالم الذي تجنب الانكماش.

وفي المقابل، نجد أن الصين هي الدولة الأولى في العالم من حيث عدد السكان، حيث تجاوز عدد سكانها 1.43 مليار نسمة في عام 2020، ولا داعي هنا لسرد كيف استفادت الحكومات الصينية المتعاقبة من تلك الثروة البشرية الهائلة وحولتها إلى طاقة تغذي شرايين الاقتصاد ومواقع الإنتاج والمصانع والأنشطة الخدمية المختلفة وتدفع بالصادرات لكل أسواق العالم وتساهم في الحد من الفقر والبطالة. 
الهند، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعدد يتجاوز مليارا و353 مليون نسمة، تصنف الآن على أنها صاحبة أقوى خامس اقتصاد في العالم، بل وأزاحت بريطانيا إلى المركز السادس. 
ينطبق هذا الأمر مع دول أخرى باتت ضمن أقوى 10 اقتصادات في العالم، مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا والبرازيل.
 بل إن دولا نامية كثيفة السكان باتت تشق طريقها نحو الاقتصادات الكبرى، مثل روسيا وفيتنام وبنغلاديش ونيجيريا وغيرها. 
الزيادة السكانية لم تكن يوما سببا في مشكلة الفقر واعاقة مشروعات التنمية وتحسين مستوى الأفراد المعيشي والخدمي، بل الفقر والبطالة هما نتاج سوء إدارة الموارد المتاحة ومنها الثروة البشرية.

المساهمون