كشفت بيانات مصرفية عن تحقيق البنوك التونسية مكاسب كبيرة من العمولات التي تفرضها على الحسابات المصرفية، ما يشكل ضغطاً مالياً إضافياً على العملاء، ومنهم أصحاب الحسابات غير النشطة.
وأظهر تقرير حديث صادر عن الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية تحصيل المصارف التونسية 1.3 مليار دينار (429 مليون دولار) في شكل عمولات على ما يزيد عن 10.2 ملايين حساب بنكي في عام 2021، مسجلة زيادة بنسبة 13.3% في العمولات الموظفة مقارنة بعام 2020.
وحققت البنوك أعلى نسبة في العمولات الموظفة على الحسابات مقارنة بالسنوات الأربع السابقة، وفق التقرير، فيما يشكو كثيرون من تعمّد المصارف فرض عمولات تراكمية على حسابات لم يستعملوها لفترات طويلة.
وغالباً ما تتحوّل العمولات المتراكمة إلى ديون إلزامية تثقل كاهل المودعين الذين تطالبهم البنوك بدفعها تجنّباً لحرمانهم من الحصول على القروض المصرفية بعد إدراجهم في سجل الممنوعين من الاقتراض.
يقول رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي إن المنظمة تواصل حملة مفتوحة أطلقتها منذ عام 2021 تهدف إلى إجبار البنوك على الالتزام بالقوانين وعدم إجبار المودعين على تحمّل كلفة عالية للعمولات الموظفة على الحسابات المجمدة.
وأكد الرياحي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحسابات البنكية غير النشطة تقدّر بما بين 15% و20% من مجموع الحسابات البنكية البالغ عددها 10.23 ملايين حساب، غير أن البنوك تواصل استعمالها في توظيف العملات التي تتحوّل بعد سنوات إلى ديون ثقيلة على المودعين يجبرون على دفعها رغم عدم حصولهم على أي صنف من أصناف الخدمات المصرفية.
وأشار الرياحي إلى أن البنوك تزجّ بالمودعين الذين تخلّوا عن حسابات بنكية في دائرة الديون أو التقاضي، ما يدفعهم إلى سداد أموال مقابل خدمات لم ينتفعوا بها، لافتاً إلى أن المصارف التونسية تحيل العمولات المتراكمة على الحسابات غير النشطة إلى شركات خاصة لاستخلاص الديون في شكل قروض معدمة أو متعثرة، حيث تتولى هذه الشركات الدخول في تفاوض مع المودعين من أجل إجبارهم على الدفع أو الذهاب إلى المحاكم.
ورأى أن البنوك التي تشتغل في إطار ريعي شكّلت وفاقاً من أجل منع المودعين المتخلين عن الحسابات غير النشطة من كل مصادر التمويل بعد تسجيلهم على سجلات المتعثرين مالياً.
وقال الرياحي: "تحقق البنوك أرباحاً كبيرة من العمولات لا يستعملها أصحابها، في مخالفة صريحة لقوانين البلاد التي تحتم على البنك التوقف عن توظيف على معاليم على الحسابات التي لا تجرى عليها أي معاملة بنكية بعد انقضاء 12 شهراً".
وفسّر المتحّدث إذعان المودعين لقرارات البنوك وقبول دفع العمولات المتراكمة على الحسابات المجمدة بغياب الحماية الكافية لهم وطول إجراءات التقاضي وكلفتها المرتفعة التي تتجاوز أحياناً ديونهم لدى البنوك.
وينص منشور للبنك المركزي التونسي صادر في 1991 على أنه "يُعتبر الحساب غير النشط حساباً مجمداً والمواطن يكون مطالباً بدفع عمولات سنة فقط من تاريخ آخر عملية بنكية جرت على ذلك الحساب".
بدوره، أكد سفيان الوريمي عضو الجمعية الوطنية للثقافة البنكية (مدنية) أن الضغوط التي تمارسها البنوك على المودعين تجبرهم على قبول قواعد لعبة تتحكم فيها المصارف من أجل مراكمة الأرباح.
وقال الوريمي لـ"العربي الجديد" إن أحكاماً قضائية صدرت عن محاكم تونسية لفائدة المودعين رفعوا قضايا ضد بنوك قاموا بتوظيف عمولات على حسابات جارية مجمدة.
وكشفت عمليات الإفصاح المالي، تصدر البنوك التونسية المدرجة في البورصة المؤسسات الرابحة خلال 2022، مسجلة نمواً في أرباحها بنسبة 13% مقارنة بالعام السابق له، رغم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وحقق 12 بنكاً مدرجاً في البورصة أرباحاً صافية بقيمة 5.3 مليارات دينار (1.7 مليار دولار) مقابل 4.7 مليارات دينار في 2021.
وقال الخبير المالي خالد النوري إن البنوك تحوّل العمولات الموظفة على الحسابات غير النشطة إلى قروض يجبر المودعون على سدادها تجنّباً للإقصاء من المنظومة المالية، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحسابات المعدومة تشكل 13% من إجمالي القروض الممنوحة لعملاء البنوك وفق بيانات صادرة عن البنك المركزي.
وأشار النوري إلى أن عدم اتباع التعامل الرقمي يبقي الخدمات البنكية رهينة التعامل الورقي وعقود الإذعان التي لا تحمي العميل وتؤدي إلى تراكم مديونياته.
ويكشف آخر تقرير سنوي للبنك المركزي أن القروض غير المستخلصة للأفراد زاد خلال 2021 بنسبة 9.8% مقارنة بعام 2020. ويبلغ حجم القروض التي حصل عليها الأفراد ولم يتم سدادها نحو 1.2 مليار دينار من مجموع القروض المقدرة بـ26.8 مليار دينار.