أرسل الرئيس الأميركي جو بايدن اثنين من مساعديه للضغط بشكل مباشر على شركات السيارات الأميركية، في أكبر مفاوضات تشهدها البلاد بين اتحاد عمال السيارات المتحدة UAW وشركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى، بينما واصل العمال إضرابهم الذي بدأ صباح الجمعة، أملاً في تحسين عقودهم، وتحديداً زيادة مشاركتهم في الأرباح التي تحققها تلك الشركات.
وفي تصريحات مقتضبة، قال بايدن: "رغم أننا جميعاً لا نحبذ فكرة الإضراب، إلا أنني أتفهم شكاوى عمال شركات السيارات، خاصة فيما يتعلق بالأرباح القياسية للشركات الثلاث جنرال موتورز وفورد وستيلانتيس".
ومع انتهاء المهلة التي حددها الاتحاد، بدأ العمال نهجًا جديدًا للإضراب، يتوقف وفقاً له العمل في بعض المصانع، بينما يستمر البعض الآخر في العمل، مع الاستعداد للانضمام إلى الإضراب في أي لحظة. وهذه هي المرة الأولى التي يضرب فيها عمال شركات صناعة السيارات الأميركية في نفس الوقت.
وجاء الإضراب بعد أن سخرت شركات صناعة السيارات من مطالب النقابة الهادفة لزيادة الأجور والمزايا والحماية الوظيفية لأعضائها، بالتزامن مع إعلان الشركات عن أرباح قياسية أو شبه قياسية. ويحاول الاتحاد استعادة بعض الفوائد التي اضطروا للتخلي عنها منذ أكثر من عقد، عندما كانت الشركات متعطشة للسيولة وعلى شفا الإفلاس.
وعرضت الشركات الثلاث زيادات في الأجور مكونة من رقمين (10% أو أكثر)، لكنها لم تكن كافية لتلبية مطالب المفاوضين النقابيين.
وقال جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة فورد، لشبكة "سي أن أن"، في وقت متأخر من يوم الخميس، إن الشركة لا تستطيع تحمل جميع مطالب النقابة. كما صرح رئيس الاتحاد شون فاين لشبكة "سي أن أن" في وقت مبكر من يوم الجمعة بأن ادعاءات الرئيس التنفيذي لشركة فورد كانت "مزحة".
وخلال الفترة الماضية، كان المساعدان اللذان عينهما بايدن لمتابعة الأزمة، وهما القائم بأعمال وزيرة العمل جولي سو، والمستشار الأول للبيت الأبيض جين سبيرلنغ، يتعاملان معها عن بعد، إلا أنه تقرر سفرهما اليوم إلى ديترويت، في محاولة للتوسط المباشر، حيث يسعى الطرفان لمنع استمرار الإضراب لفترات مطولة.
ولهذين المسؤولين تاريخ في المفاوضات بشأن السيارات، ولا سيما سبيرلينغ الذي ساعد في قيادة عملية إنقاذ صناعة السيارات في عام 2009، خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وعكست كلمة بايدن المقتضبة في قاعة روزفلت بالبيت الأبيض الحسابات السياسية المعقدة لبايدن، والتي بدت واضحة منذ بدء المحادثات، لاسيما مع الاقتراب من إطلاقه الرسمي لحملة إعادة انتخابه في نوفمبر 2024.
وبدا واضحاً، خلال الكلمة القصيرة، أن بايدن نفسه كان محاصراً بين ولائه الطويل للعمال النقابيين، ومناصرته الدائمة لصناعة السيارات الكهربائية الناشئة، التي عطلت صناعة السيارات التقليدية وساهمت في الوصول إلى المواجهة الحالية.
ويتمتع بايدن أيضًا بعلاقات وثيقة مع الرؤساء التنفيذيين لشركات السيارات أنفسهم منذ توليه منصبه، حيث يزور الرئيس التنفيذي لشركة فورد جيم فارلي والرئيس التنفيذي لشركة جنرال موتورز ماري بارا البيت الأبيض كثيرًا.
وأشارت كيت برونفنبرينر، مديرة أبحاث التعليم العمالي في جامعة كورنيل، خلال ظهور لها مع قناة "ياهو فاينانس" اليوم الجمعة، إلى أن الرئيس الأميركي "في وضع صعب للغاية"، مؤكدة أن بايدن يريد أن يكون حذراً بشأن وضع ثقله في الإضراب، حتى لا يحسب عليه ميله لأحد الطرفين.
وكانت خطوة البيت الأبيض للمشاركة بشكل أوثق بمثابة تغير ملحوظ في الأزمة الحالية، بعد أسابيع حاولت فيها الإدارة الأميركية الابتعاد علنًا عن المحادثات. وأمس الخميس، ألقى بايدن ما تم وصفه بأنه "خطاب رئيسي حول سياسته الاقتصادية"، لكن الإضراب الذي كان يلوح في الأفق وقتها لم يُذكر خلال الخطاب الذي استمر لأربع وثلاثين دقيقة.
وبعيدًا عن قضايا الأجور والمزايا، يقول محللون إن من أكبر القضايا التي تكمن وراء المحادثات تأتي مخاوف الاتحاد بشأن فقدان الوظائف وإغلاق المصانع. ووفقاً لإحصائيات النقابة، أغلقت شركات صناعة السيارات الثلاث 65 مصنعاً حتى الآن هذا القرن، بسبب الأتمتة، والاستعانة بمصادر خارجية، وفقدان حصة السوق لصالح شركات صناعة السيارات غير النقابية.
ويشعر الاتحاد بالقلق من أن خطط شركات صناعة السيارات لاستثمار عشرات المليارات من الدولارات للتحول من السيارات التقليدية إلى السيارات الكهربائية ستكلفهم المزيد من الوظائف في المستقبل.