يترقب عمال الجزائر الزيادة الثانية في الأجور التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون مطلع 2023، والمنتظر أن تصرف في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، بعد الزيادة الأولى التي أقرت شهر مارس/ آذار الماضي.
فيما يبقى السؤال الأهم يتمحور حول مدى قدرة هذه الزيادات على امتصاص جزء من غلاء المعيشة وضخ جرعة "أوكسجين" في شريان القوة الشرائية المتهاوية.
وتسابق الحكومة الجزائرية الزمن لتطبيق الزيادات قبل توزيع الاعتمادات المالية التي جاءت في موازنة السنة القادمة والتي تعد الأضخم في تاريخ البلاد، بـ 112 مليار دولار.
وأمر رئيس الحكومة الجزائري نذير العرباوي، في رسالة اطلعت عليها "العربي الجديد"، وزير المالية لعزيز فايد، بصرف أجور شهر يناير 2024، مع الزيادات على المكشوف، أي كدين من الخزينة العمومية إلى حين توزيع الموازنة على الوزارات بين شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2024، وذلك امتثالا لتعليمات الرئيس تبون الذي أمر الحكومة شهر أغسطس/ آب الماضي برفع الأجور مطلع 2024.
وتراوحت الزيادات التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون، في الرواتب على مدى السنتين 2023/ 2024، بين 4500 و8500 دينار (بين 32 و62 دولاراً)، ما يجعل الزيادات خلال السنوات الثلاث 2022، 2023، 2024، تصل إلى نسبة 47 بالمائة.
وتعد هذه الزيادات الأولى من حيث الحجم، منذ أكثر من 15 سنة، حيث تعود الزيادات الأخيرة إلى عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، سنة 2007، فيما ينتظر أن تحمل الجريدة الرسمية التي ستصدر في 31 ديسمبر/ كانون الأول تفاصيل الزيادات حسب الرتب وأصناف العمل.
ووفق المعلومات الرسمية التي تحوزها "العربي الجديد"، فإن الزيادات ستطاول أجور 2.8 مليون عامل في القطاع العام.
وحسب المعلومات نفسها التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن العمال في القطاع الخاص لن تطاولها الزيادات، وتركت الحكومة الزيادات للاتفاق الجماعي الموقع بين ممثلي العمل والمتعاملين الاقتصاديين في القطاع الخاص، فيما تعود آخر زيادة شملت عمال القطاع الخاص إلى الاتفاق الجماعي الموقع سنة 2017 بين الحكومة والاتحاد العام للعمال الجزائريين وتكتلات رجال الأعمال.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي المختص في الموارد البشرية، عبد الحق شباطة، أنه "من الناحية النظرية تعتبر زيادة أجور العاملين في القطاع العام من خلال رفع النقطة والرقم الاستدلاليين واللذين يؤثران بشكل مباشر على الأجر القاعدي خطوة أفضل مقارنة بالمساس بالمنح التي تتغيَّر بفعل عوامل معينة كالمنطقة الجغرافية والزمن".
وأشار نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" إلى أنه "يجري حساب الأجر في الجزائر باللّجوء إلى جدول مُحدد يمثل الشبكة الاستدلالية لأجور الموظَّفين، بغية تحديد الأرقام الاستدلالية لكل من الصنف الذي يعكس المستوى الدراسي للموظَّف.
وكذلك الدرجة التي تعكس أقدمية الموظَّف وخبرته في منصبه، وبعد ذلك يُضرَب مجموع الأرقام الاستدلالية للصنف والدرجة في النقطة الاستدلالية التي تسمح بتَحوُّل تلك الأرقام المجرَّدة إلى مبلغ بالدينار الجزائري يعكس بدوره أجر الموظَّف في القطاع العام".
وتابع شباطة لـ "العربي الجديد" أنه "مهما كانت الزيادة التي ستطاول أجور القطاع العام فإنها ستعمل من جهة على زيادة الاستهلاك وارتفاع الطلب، ولكنها ستُؤدِّي من جهة أخرى إلى دوامة لا نهائية من التضخم في ظل زيادة الأسعار وغياب الرقابة على الأسواق"
"ومن الناحية الاقتصادية، فإن زيادة الأجور بدون إنتاجية والبحث عن موارد جديدة ما هي إلا سكب للزيت على نار التضخم، ليتأجج بعد ذلك ثالوث العجز: الموازنة والبطالة والفقر"، بحسب شباطة.
وتتزامن الزيادات التي أقرها تبون، كهدية للجزائريين في آخر سنة من عهدته الرئاسية الأولى، مع بلوغ التضخم مستويات فاقت توقعات الحكومة، فحسب الديوان الجزائري (حكومي) بلغت نسبة التضخم 9.7 بالمائة نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما يواصل الدينار استقراره في المستويات المتراجعة أمام العملات الأجنبية، بعدما فقد سنة 2022 قرابة 37 بالمائة أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة.
وأجمعت النقابات المستقلة والموالية للحكومة على أن الزيادات التي ستشهدها أجور العمال في القطاع العام، وإن كانت معتبرة، إلا أنها تبقى دون آمال الطبقة العمالية، داعية إلى إعادة النظر في سلم الأجور.
إلى ذلك، أكد رئيس نقابة عمال التربية والتكوين، المنضوية في تكتل النقابات المستقلة الذي يمثل 9 قطاعات عمومية، مزيان مريان، أن "الارتفاع الرهيب للأسعار، أفقد القدرة الشرائية توازنها والطبقة المتوسطة مكانتها، لذلك نجدد المطالبة بإعادة النظر في "قيمة" النقطة الاستدلالية والنظام التعويضي ككل، بالإضافة إلى استحداث المرصد الوطني القدرة الشرائية لمواجهة الغلاء".
وكشف النقابي الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، عن أن متوسط الأجور في الجزائر يجب أن يفوق عتبة 50 ألف دينار (364 دولاراً)، وألا يبقى تحت هذا المستوى، قائلاً: "نحن كنقابات سنواصل العمل لاسترداد الحقوق ومواصلة النضال حول جملة المطالب المشتركة بين مختلف النقابات".