عقد أوكرانيا مع "غازبروم" الروسية ينتهي في 2024: ما بدائل أوروبا؟

03 نوفمبر 2023
أوروبا تبحث عن بدائل للغاز الروسي (فرانس برس)
+ الخط -

تعتزم أوكرانيا مع انتهاء عقد العبور مع شركة غازبروم الروسية عام 2024 عدم السماح بضخ الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا، الأمر الذي سيشكّل مشكلة لعدد من الدول الأوروبية التي لا تزال تعتمد في الغالب عليه، والتي سيتعين عليها البحث عن مصادر أخرى للإمدادات، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على سوق الغاز الأوروبية. 

أمام ما تقدم، قال رئيس تحليل الطاقة في شركة أبحاث سوق الطاقة (آي سي آي أس) أندرياس شرودر، في حديث مع شبكة التحرير الألمانية، مساء الثلاثاء الماضي، إنه إذا ما توقف تدفق الغاز عبر الأنابيب من أوكرانيا، فسيكون ذلك مشكلة بالنسبة لبعض البلدان الأوروبية. ووفق شرودر، فإنّ دولاً مثل إيطاليا والنمسا والمجر وسلوفاكيا ستتأثر أكثر من غيرها، وهي التي ما فتئت تعتمد في غالبية احتياجاتها على الغاز الروسي، رغم تناقص نسبة تدفقات إمدادات الغاز من موسكو، وإيجاد العديد منها أسواقاً بديلة، على خلفية غزو روسيا لأوكرانيا أواخر فبراير/ شباط 2022 .

وكان رئيس شركة الطاقة الحكومية الأوكرانية "نافتوغاز"، أوليكسي تشيرنيشوف، قد قال، في مقابلة إذاعية مع "ليبرتي" الأميركية، إنّ أوكرانيا لن ترسل الغاز الروسي إلى الغرب مع بداية العام 2025. وبيّن أنّ "غازبروم" لم تدفع تكاليف العبور كما هو متفق عليه، وسددت ما لا يزيد عن 70% من المستحقات، موضحاً أنّ كييف لا تزال ملتزمة بالاتفاق حالياً لأنّ العديد من الدول الأوروبية لا تزال بحاجة لإمدادات الغاز من روسيا. ونصت الاتفاقية الموقعة عام 2019 على ضخ 225 مليار متر مكعب من الغاز الروسي عبر أوكرانيا على مدار خمس سنوات.

من جهة ثانية، أشار شرودر إلى أن قرار أوكرانيا ستكون له تداعيات على أسواق الغاز اعتباراً من العام 2025، وقد يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار في أوروبا، ولا سيما دول وسط أوروبا، التي عادة ما يكون فيها الغاز أعلى تكلفة منه في شمالها. وبالنسبة للأولى، سيتعين عليها البحث وبسرعة عن موردين جدد، وعلى عكس ألمانيا، التي لم تعد تشتري الغاز الروسي، فإنّ حصة واردات الغاز الروسي في النمسا، على سبيل المثال، ما زالت في العام 2023 تتخطى نسبة 50%، وذلك بعدما كانت قبل الغزو الروسي لأوكرانيا تمثل نحو 80%.

ووسط الشكوك المثارة من أن تكون بعض الدول في أوروبا قادرة على تحرير نفسها من الاعتماد على الغاز الروسي نهاية العام 2024، حذر الرئيس السابق لشركة الطاقة النمساوية غيرهارد رواس أخيراً من وقف إمدادات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب في أوكرانيا، حيث تستفيد منها فيينا، التي جددت عقدها مع "غازبروم" حتى العام 2040. وشدد رواس على أنّ "الإجراءات الصحيحة فقط تمكننا من أن نكون مستقلين عن الغاز الروسي بنهاية العام 2024".

ووجهت المفوضية الأوروبية انتقادات لفيينا لأنها لم تكن لديها خطة قصيرة الأمد ومحددة بوضوح للانفصال تماماً عن واردات الغاز الروسي، لا سيما وأن اتكالها على الطاقة الروسية لا يزال أعلى بكثير من المتوسط في الاتحاد الأوروبي. ويهدف التكتل إلى التوقف التام عن استخدام الغاز الأحفوري من روسيا اعتباراً من العام 2027.

طريقان حاسمان

بعدما أوقفت روسيا إمدادات الغاز عبر خط نورد ستريم 1 في بحر البلطيق في سبتمبر/ أيلول 2022، أصبح هناك طريقان حاسمان لإمدادات الغاز الأوروبية. فمن ناحية، هناك خط أنابيب الغاز التركي، الذي يمتد من جنوب روسيا عبر البحر الأسود إلى تركيا، ومن هناك يزود مختلف دول البلقان. ومن ناحية أخرى هناك خط ترانسغاز، الذي يمرّ عبر أوكرانيا وسلوفاكيا والتشيك إلى النمسا وألمانيا، وسيتأثر بمحطة العبور الأوكرانية، وحيث لا تزال البلدان، التي ليس لها منفذ على البحر على وجه الخصوص، تحصل على إمدادات منه.

وعن مدى تأثير ذلك، قال شرودر: "يمكن تعويض جزء من خسارة أنابيب ترانسغاز من خلال المسار التركي، حيث يمكن إعادة توجيه الغاز من أوكرانيا عبره إلى أوروبا. لكن المشكلة التي تعتري ذلك أن لهذا الخط قدرة محدودة، وهذا ما يحتم على دول في وسط أوروبا الاعتماد على موردين آخرين في المستقبل". وأضاف: "هنا، يبرز التوجس الأوروبي من تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، والتي قد تمتد لتصبح حرباً إقليمية، وهو ما قد يتسبب بإغلاق ممرات الملاحة البحرية، وينتج عنه نقص لمشتقات الطاقة في أوروبا".

وفي هذا السيناريو، لم يستبعد شرودر الاتكال على قدرات الغاز الطبيعي المسال في ألمانيا، موضحاً أنّ الأخيرة قد تكون دولة عبور، وبالتالي لتزويد دول مثل النمسا أو سلوفاكيا بالغاز الطبيعي. وأشار إلى أنه لا ينبغي استبعاد النرويج كأكبر مورد للغاز إلى ألمانيا.

ويشرح شرودر قائلاً: "حتى الآن يتدفق الغاز إلى أوروبا في الأغلب من الشرق إلى الغرب، ومن الممكن عكس تدفق الغاز، لا سيما أنه، ووفقاً لوكالة الشبكة الفيدرالية للطاقة، يستخدم خط الأنابيب يامال، الذي يمتد من شبه جزيرة يامال في سيبيريا إلى بيلاروسيا وبولندا، ليصل بعدها الغاز إلى ألمانيا، ولم يتدفق الغاز الروسي عبر هذا الخط إلى أوروبا لفترة طويلة، ويستخدم الآن لنقل الغاز في الاتجاه المعاكس، أي من ألمانيا إلى بولندا".

ويوضح شرودر "قد تكون خطط التوسع الألمانية مثيرة للاهتمام بالنسبة لهذه البلدان، حيث يبدو تخطيط ألمانيا للغاز الطبيعي المسال في الواقع كبيراً جداً، وحتى إذا ما فشلت النرويج كمورد للغاز إلى ألمانيا، فإن قدرات الغاز الطبيعي المسال الألمانية يمكنها أيضاً إمداد دول وسط أوروبا. ومن المقرر بناء محطة ثانية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في مدينة فيلهمسهافن وغيرها، فضلاً عن إنشاء خطوط أنابيب أخرى في السنوات المقبلة، من أجل نقل كميات أكبر". 

المساهمون