أطلقت قطاعات اقتصادية في الأردن تحذيرات شديدة، من احتمال فقدان عشرات الآلاف من العاملين لديها لوظائفهم، بسبب استمرار تداعيات جائحة فيروس كورونا، وعدم قدرة القطاعات على تحمل المزيد من الخسائر والأعباء المالية، بسبب توقف بعضها عن العمل وتراجع أنشطة الأخرى بشكل كبير منذ مارس/ آذار من العام الماضي.
وحملت نقابات عمالية ومسؤولون في جمعيات استثمارية، الحكومة مسؤولية تدهور سوق العمل بسبب الإجراءات التي اتخذتها كفرض الحظر الشامل والجزئي وإغلاق العديد من القطاعات وتقييد أنشطة كافة الأعمال والمنشآت بخاصة السياحية والتجارية والصناعية منها.
وقال رئيس المرصد العمالي، أحمد عوض، لـ"العربي الجديد" إنه تم رصيد العديد من القطاعات التي أعلنت عن قرب تسريح آلاف العاملين لديها بسبب الجائحة وتداعياتها وعدم نجاعة الإجراءات الحكومية لدعمها في هذه المرحلة.
وأوضح عوض، أن الأعباء المالية تراكمت على أصحاب المنشآت التجارية والصناعية والخدمية، مع استمرار الإغلاقات وإجراءات الحظر وتدني القدرات الشرائية للمواطنين، معربا عن مخاوفه من بدء تلك القطاعات في قرارات فصل جماعي للعاملين لديها، اعتبارا من نهاية مارس/ آذار الجاري كما تم الإعلان من قبلها.
وتوقع أن تتجاوز نسبة البطالة 25% خلال النصف الأول من العام الجاري، بسبب فقدان الآلاف لوظائفهم وعودة أعداد كبيرة من الأردنيين العاملين في الخارج في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الدول التي يعملون بها أيضا، ما يرتب كلفاً مرتفعة على الاقتصاد الأردني.
وقال رئيس المرصد العمالي إن النقابة العامة لتجار الألبسة والأقمشة والأحذية أعلنت عن احتمال فقدان نحو 56 ألف عامل وظائفهم في هذا القطاع وإغلاق عدد كبير من المنشآت التي يبلغ عددها حوالي 11 ألف منشأة، ليعد ذلك أبرز تحذير يتم رصده عن الوظائف المتوقع فقدانها الفترة المقبلة.
وكانت نقابة تجار الألبسة والأقمشة، قد طالبت مؤخراً بحزمة "إجراءات تحفيزية عاجلة" لإنقاذ القطاع وإنعاشه من حالة الركود التي يعيشها لتراجع النشاط التجاري وارتفاع تكاليف التشغيل.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال رئيس النقابة، منير أبو دية، إن المستثمرين في قطاع الألبسة والأقمشة لم يعد بمقدورهم تحمل مزيد من الأعباء والخسائر، التي رافقتهم منذ بداية جائحة كورونا، حيث تسبب الحظر الشامل والجزئي وضعف القدرات الشرائية للمواطنين بتراجع الإقبال على شراء المنتجات.
وأضاف أبو دية، أن المحلات التجارية عاجزة عن تسديد التزاماتها المالية من أجور ونفقات مختلفة، مشيرا إلى أن من المرجح الاستغناء إجباريا عن أعداد كبيرة من العاملين لديها في أي وقت.
وتابع: "على الحكومة المبادرة وبشكل عاجل لإنقاذ القطاع من خلال توجيه حزمة إجراءات لمساعدته على تجاوز الظروف الراهنة وضمان عدم تسريح العاملين، ومن ذلك إعادة النظر في الضرائب والرسوم المفروضة عليه وتوفير السيولة والتسهيلات المالية ضمن البرامج المخصصة من قبل البنك المركزي وإلزام البنوك بتأجيل الأقساط والقروض لعدة أشهر".
وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الحكومية، قفز معدل البطالة في الأردن خلال الربع الأخير من عام 2020 إلى 24.7% بارتفاع 5.7% عن نفس الفترة من عام 2019.
وفي سياق متصل أصدرت جمعية وكلاء السياحة والسفر، بياناً حول الأوضاع الاقتصادية لشركات السياحة والسفر في ظل أزمة كورونا، قالت فيه إن الشركات ستضطر إلى وقف أعمالها وتسريح جميع العاملين فيها، اعتباراً من نهاية الشهر الجاري ما لم تتدخل الحكومة لتقديم دعم مباشر ينهي جزءاً من معاناتها المستمرة منذ بداية الجائحة.
وقالت الجمعية إن القطاع يضم نحو 800 شركة، تعمل في عموم مناطق المملكة، وتشغل ما يقارب 10 آلاف عامل وعاملة أغلبهم من الأردنيين. وطالبت الحكومة بضرورة تقديم الدعم المباشر والسيولة المالية وإعادة تصنيف شركات السياحة والسفر حيث إن القطاع ليس من القطاعات الأكثر تضرراً فحسب، بل هو قطاع متوقف كلياً عن العمل.
ودعت الجمعية إلى ايجاد آلية لدعم مالي وفوري لجميع شركات السياحة والسفر المتضررة لضمان صمودها واستدامتها والحفاظ على العاملين فيها من خلال توفير منحة مالية فورية من المساعدات الخارجية أو أحد الصناديق العربية او الدولية.
كما طالبت بسرعة تنفيذ صندوق المخاطر، الذي أعلنت وزارة السياحة عن إنشائه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بقيمة 28 مليون دولار من المساعدات الخارجية.
وشددت الجمعية على أهمية التزام الحكومة بتسهيل حصول شركات السياحة والسفر على قروض ميسرة وبدون أية فوائد من خلال الحكومة أو البنك المركزي مباشرة وبكفالة وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة.
وأكد أصحاب مخيماتٍ سياحية، سوء أوضاعهم المعيشية وتوقف نشاط مخيماتهم بسبب انقطاع السياحة خاصة الخارجية، مشيرين إلى أنهم اضطروا إلى تسريح العشرات من العاملين لديهم، وأن مخيماتهم باتت مهددة بالإغلاق.
وفي تقرير للمرصد العمالي الأردني استند إلى شهادات من أصحاب الأعمال، فإن صاحب أحد المخيمات السياحية، اضطر إلى تسريح ما يقارب 20 عاملاً، بعدما كان يعمل لديه 30 عاملاً وذلك بسبب عدم قدرته على دفع أجورهم الشهرية.
ووفق صاحب مخيم سياحي آخر، فإن المخيمات كانت تعتمد على السياحة الداخلية من حيث "بوفيه الطعام" والحفلات الليلية وتقديم الأراجيل، إلا أن أوامر الدفاع وإجراءات الحكومة منعت هذا كله ما تسبب لهم في أزمة مالية "خانقة" وتراكم الديون عليهم، خاصة في ظل استمرار حظر التجول الليلي طيلة أيام الأسبوع والحظر الشامل يوم الجمعة من كل أسبوع ما "شل" نشاطهم السياحي بأكمله.
وقال إن مخيمه كان يعمل فيه 20 عاملاً، إلا أنه الآن لم يبق لديه سوى 5 عمال فقط، بسبب اضطراره إلى تخفيض أجورهم، مشيراً الى أنهم لم يستفيدوا من برامج الدعم الحكومية، خاصة صندوق المخاطر السياحية الذي أعلنت عنه وزارة السياحة مؤخراً لدعم القطاع السياحي والتخفيف من الأضرار التي لحقت به جراء كورونا.
وكان آلاف العاملين في قطاعات أخرى مثل صالات الأفراح والمناسبات الاجتماعية والمطاعم والفنادق فقدوا وظائفهم بسبب الجائحة.
وفي مقابل الدعم الذي تطالب به القطاعات الخدمية والإنتاجية المختلفة، قال مدير مركز بيت العمال، حمادة أبو نجمة (مؤسسة مجتمع مدني) إن هناك بالأساس اختلالات في التعامل مع أوامر الدفاع (القرارات الحكومية) التي صدرت خلال الجائحة والمتعلقة بشؤون العاملين في القطاعات.
وأوضح أبو نجمة أن هذه القرارات أثرت على حقوق وأجور العمال، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، والتي اعتمدت بشكل أساسي على المساس بأجور العاملين وتخفيضها، واعتبرتها العبء الأكبر على أصحاب الأعمال والمؤسسات.
حسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الحكومية، قفز معدل البطالة في الأردن خلال الربع الأخير من عام 2020 إلى 24.7%
وأضاف: "كان من المفترض أن تعمل الحكومة على دعم المؤسسات المتعثرة والعاملين فيها بكافة مستوياتهم، خاصة العاملين ذوي الدخل المحدود والمتدني وحماية وظائفهم، وليس المساس بأجورهم، بالإضافة إلى توفير الحمايات الاجتماعية للفئات المتضررة من الجائحة كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لتشمل كافة العاملين وخاصة عمال المياومة (العاملين بأجر يومي)".
ويشهد الأردن تصاعداً في الحنق من تردي الأوضاع الاقتصادية، حيث اندلعت احتجاجات في عدة مدن وبلدات في الأيام الماضية، مطالبة الحكومة بتحسين الوضع الاقتصادي وتوفير فرص العمل وإلغاء الإجراءات المشددة، التي يشدد المحتجون على أنها ساهمت في تعميق الأزمة المعيشية وفقدان عشرات الآلاف من المواطنين وظائفهم، وإعادة النظر بمجمل آليات العمل الحكومية. وبجانب نسبة البطالة المرتفعة، ازدادت معدلات الفقر، بعد أن شهد الاقتصاد العام الماضي أسوأ انكماش في عقود.
وكان البنك الدولي قد توقع أخيراً، أن يزيد عدد الفقراء في الأردن جراء تأثيرات الجائحة، مشيرا إلى أن نسبة الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.3 دينار يومياً (1.83 دولار) وهو خط الفقر المدقع عالمياً، ستبلغ نحو 27% خلال العام الجاري.