أثبتت السنوات صحة ما حذر منه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حين قال إن حكمه سيكون "عذاباً ومعاناة للمصريين"، حيث قفزت أسعار السلع والخدمات الأساسية بنسب بلغت 1000% فأكثر منذ توليه السلطة في يونيو/ حزيران 2014، بالتزامن مع رفع الدعم عن الطاقة والوقود، وانهيار سعر الجنيه مقابل الدولار من 7 جنيهات إلى نحو 31 جنيهاً في البنوك، وما يناهز 67 جنيهاً في السوق الموازية.
وفي مثل هذا اليوم من عام 2014، استمع المصريون لتسريب لحوار للسيسي مع رئيس تحرير صحيفة "المصري اليوم" الراحل ياسر رزق، قال فيه "العقد بيني وبين الناس لتولي مسؤولياتكم (الحكم) ممكن يكون لأي أحد إلا أنا، السيسي ده عذاب ومعاناة. تستحملوا إني أمشيكم على رجلكم كل يوم، وأصحيكم من الفجر، وأشيل الدعم مرة واحدة، وننكمش في الأكل والتكييف (الكهرباء)".
وكان الحديث في فترة شغل فيها السيسي منصب وزير الدفاع المصري، وفي إطار تأكيد نفيه وجود نية لديه للترشح لرئاسة البلاد.
وأعيد انتخاب السيسي (69 عاماً)، قبيل نهاية العام الماضي، لفترة ولاية ثالثة حتى عام 2030، بموجب تعديلات الدستور (2019) التي سمحت بزيادة فترته الثانية من 4 إلى 6 سنوات، ومنحه حق الترشح لولاية تالية، في وقت بلغ فيه التضخم والغلاء مستويات غير مسبوقة بعهده، نتيجة التوسع في الاقتراض من الخارج لإقامة مشاريع "ترويجية" عملاقة، على غرار العاصمة الإدارية الجديدة والقطار السريع والمونوريل.
وارتفعت ديون مصر الخارجية من 45.2 مليار دولار عند تولي السيسي السلطة إلى 164.5 مليار دولار، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، أي بزيادة نسبتها 264%، في حين تواجه الحكومة نقصاً متزايداً في العملة الأجنبية منذ قرابة عامين، منذ خروج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقال السيسي في كلمته بمناسبة عيد الشرطة، الذي توافق مع الذكرى الـ13 لثورة 25 يناير 2011، الأربعاء الماضي، إن "أزمة نقص الدولار ستظل قائمة حتى تتساوى موارد البلاد مع إنفاقها من العملة الأجنبية"، مدعياً أن "الأزمات على الحدود لها تأثير وتداعيات كبيرة على الاقتصاد المصري"، في إشارة إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 113 يوماً.
ويعاني المصريون من استمرار انقطاع التيار الكهربائي، لمدة تتراوح ما بين ساعة وساعتين في اليوم بالتناوب، منذ 17 يوليو/ تموز الماضي، بحجة ارتفاع أسعار الوقود عالمياً، وتراجع إمدادات الغاز الطبيعي المستخدم في محطات توليد الكهرباء.
وأثقلت الفواتير الشهرية لاستهلاك الكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب الأعباء المعيشية على المصريين، لا سيما الفقراء منهم ومحدودي الدخل، إذ ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 1038% منذ عام 2014، وأسعار الغاز بنسبة تصل إلى 2400%، رضوخاً لاشتراطات صندوق النقد الدولي بشأن تحرير أسعار بيعها، علماً بأن مصر هي ثاني أكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين.
كذلك زاد سعر بنزين 80 المعروف باسم "بنزين الفقراء" في مصر بنسبة قياسية بلغت 1011%، حيث كان يُباع بسعر 0.90 جنيه للتر مقابل 10 جنيهات حالياً، وبنزين 92 من 1.85 جنيه إلى 11.50 جنيهاً للتر بنسبة 521%، وبنزين 95 من 5.85 جنيهات إلى 12.50 جنيهاً للتر بنسبة 113%. كما ارتفع سعر السولار (الديزل) من 1.10 جنيه إلى 8.25 جنيهات للتر بزيادة 650%.
وعلى صعيد السلع الغذائية، قفز سعر عبوة زيت الطعام (0.8 لتر) من 6.50 جنيهات في 2014 إلى متوسط 85 جنيهاً بزيادة 1207%، والسكر الأبيض من 3 جنيهات إلى 45 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 1400%، والأرز المعبأ من 3.75 جنيهات إلى 40 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 966%، والمعكرونة من 4.5 جنيهات إلى 44 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 877%، والدقيق (الطحين) من 3.50 جنيهات إلى 30 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 757%.
كما زاد سعر الفول المعبأ من 5 جنيهات إلى متوسط 52 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 940%، والعدس من 7 جنيهات إلى 78 جنيهاً للكيلوغرام بزيادة 1014%، والألبان المعبأة من 5.5 جنيهات إلى 42 جنيهاً للتر، بزيادة نسبتها 663%، والكيلوغرام من الجبن الأبيض من 18 جنيهاً إلى 160 جنيهاً بزيادة 788%.
وأظهرت بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء الحكومي في مصر ارتفاع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في سبتمبر/ أيلول 2023 إلى 40.3%، مقابل 15% في الشهر المماثل من عام 2022، و39.7% خلال أغسطس/ آب من العام الجاري، و38.2% في يوليو/ تموز، فيما سجل معدل تضخم أسعار الغذاء نسبة 74.5% في سبتمبر/ أيلول، مقابل 71.9% في أغسطس/ آب 2023.
وتتعرض الطبقة الوسطى في مصر إلى ضغوط شديدة، دفعت قطاعاً كبيراً منها للانحدار إلى الفقر. وقفز عدد الفقراء في البلاد إلى نحو 60 مليوناً من أصل 105 ملايين نسمة في الداخل، وفق تقديرات البنك الدولي، وسط توقعات بارتفاع العدد مع الزيادات المستمرة في أسعار السلع الأساسية، بأضعاف ما كانت عليه قبل سنوات قليلة.