عجز مستمر في موازنة السعودية رغم ارتفاع الإيرادات

12 مايو 2024
منشأة لتكرير النفط في بقيق بالمنطقة الشرقية للسعودية، 20 سبتمبر 2019 ( فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المملكة العربية السعودية تواجه عجزاً مالياً للربع السادس على التوالي، رغم زيادة الإيرادات غير النفطية والنفطية، مع توقعات بأن يستمر العجز حتى العام 2026. الزيادة في النفقات تفوق الإيرادات، مما يبرز التحديات في ضبط الميزانية.
- ارتفاع الدين العام إلى 1.12 تريليون ريال، مع زيادة في مستهدف الاستدانة لتمويل النفقات الرأسمالية والمشاريع الاستراتيجية ضمن رؤية السعودية 2030 لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
- الخبراء يشددون على أهمية تنويع مصادر الدخل وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، مع التركيز على الاستثمار في قطاعات غير نفطية وإجراء إصلاحات ضريبية لتحقيق التوازن المالي ودعم استقرار الاقتصاد السعودي طويل الأمد.

أثار تسجيل الميزانية السعودية عجزاً للربع السادس على التوالي، رغم العديد من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية في المملكة، تساؤلات بشأن أسباب استمرار مدة العجز وكيفية ضبطه من جانب الحكومة، لا سيما في ظل الجهود الرامية إلى تنويع مصادر الدخل، حيث زادت الإيرادات غير النفطية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بنسبة 9% على أساس سنوي، لتبلغ 111.5 مليار ريال (29.7 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة المالية.

وبلغ العجز في الربع الأول من العام الجاري 12.4 مليار ريال (3.3 مليارات دولار)، مقارنة بعجز بلغ 2.9 مليار ريال للفترة ذاتها من العام الماضي. وجاء تزايد العجز في الأشهر الثلاثة الأولى من 2024 على الرغم من ارتفاع إجمالي الإيرادات بنسبة 4% إلى 293 مليار ريال، من ضمنها إيرادات نفطية بقيمة 182 مليار ريال بنمو بلغت نسبته 2% عن الربع الأول من 2023. وتظهر البيانات الرسمية زيادة في النفقات بنسبة 8% لتصل إلى 306 مليارات ريال.

كما جاء العجز في وقت ارتفع فيه إجمالي الدين العام إلى 1.12 تريليون ريال (298.6 مليار دولار) بنهاية الربع الأول من هذا العام، بزيادة 70 مليار ريال عن نهاية العام الماضي. ورفعت الوزارة، خلال الشهر الماضي، مستهدف الاستدانة خلال العام الجاري بنحو 60% عن احتياجاتها التمويلية التي سبق أن أعلنت عنها، لتصل إلى 138 مليار ريال، بحسب بيان صادر عن المركز الوطني لإدارة الدين. ومن بين أسباب زيادة الاستدانة وفق المركز تسريع المشاريع الاستراتيجية وبرامج رؤية السعودية 2030.

وإزاء ذلك، أشار صندوق النقد الدولي، في تقريره الأخير حول آفاق الاقتصاد الإقليمي، الصادر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أن السعودية ستحتاج إلى سعر نفط عند 96.2 دولارا لتحقيق التوازن في ميزانيتها، وهو رقم أعلى مما كان مُقدّراً سابقاً. غير أن السعودية تعول على الأنشطة غير النفطية في قيادة دفة اقتصادها وتنويعه بعيداً عن النفط الخام، وهي الأنشطة التي سجلت، في العام الماضي، أعلى مساهمة تاريخية لها في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة بواقع 50%، وفق ما ورد بمعطيات وزارة الاقتصاد والتخطيط الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء.

ويشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن توالي عجز الميزانية السعودية للربع السادس على التوالي لا يمكن تفسيره إلا بزيادة النفقات التي زادت في الربع الأول من هذا العام مقارنة مع الربع الأول من عام 2023 بحوالى 8%. ورغم أن الإيرادات ارتفعت أيضا بنسبة 4% خلال الفترة ذاتها، مع زيادة معتبرة بالإيرادات، سواء النفطية بنسبة 2% أو غير النفطية بحوالى 9%، إلا أن النفقات ارتفعت بنسبة أكبر، ما يسفر عن عجز إضافي جديد في الميزانية، بحسب عايش، لافتاً إلى أن حكومة المملكة كانت قد أعلنت على لسان وزير المالية، محمد الجدعان، أنها تتوقع استمرار عجز الميزانية حتى العام 2026.

ويعني ذلك أن هذا العجز ليس مفاجئا من منظور السلطات المالية السعودية، بل كان متوقعاً، ومع ذلك فإن تأثير عدم تحسن الإيرادات النفطية بما يغطي النفقات فرض نفسه، برغم الأداء الجيد للقطاع غير النفطي، بحسب عايش، مشيراً إلى أن النفقات الرأسمالية بالذات زادت بشكل كبير، ولم يؤد تخفيض السعودية لإنتاج النفط، ضمن تكتل "أوبك+" إلى تحقيق النتائج المرجوة من رفع للأسعار إلى مستويات 90 دولاراً للبرميل.

فأسعار النفط ارتفعت في الفترة الماضية بشكل مؤقت لكنها عاودت انخفاضها، ما يعني صعوبة تحقيق سعر التعادل النفطي السعودي وهو 96.2 دولارا للبرميل، حتى في ظل توترات إقليمية وعالمية مستمرة، بحسب عايش، مؤكدا أن التخفيض في الإنتاج النفطي لم يؤد إلى إحداث "الصدمة" التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. ويعزو عايش ذلك إلى أن الدول المنتجة من خارج "أوبك+"، وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا والنرويج، أصبحت مصنفة كـ "منتج مرجح" في سوق النفط العالمي، الأمر الذي لم تعد معه العائدات النفطية لدولة نفطية كبرى مثل السعودية قادرة على أن تغطي نفقاتها الكبيرة جداً، والتي تعبر عنها مشروعات رؤية 2030.

تراجع الإيرادات النفطية

ويقول عايش إن بعض مشروعات رؤية السعودية 2030 تأثرت بالعائد من الإيرادات النفطية على شكل "تأجيل أو إلغاء"، لافتا إلى أن توالي العجز حول السعودية إلى دولة مدينة بنحو 260 مليار دولار يشكل حوالى 25% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. ويلفت إلى توقعات بمديونية إضافية في العام الجاري تصل إلى حوالى 138 مليار ريال، ما يعني أن السعودية تركز على الاستدانة لتغطية العجز في الميزانية، بالرغم من أنها تقدم ذلك باعتباره نوعا من التنويع في مصادر التمويل.

ويشير إلى أن الديون السعودية ارتفعت في الفترة من نهاية عام 2023 إلى الربع الأول من عام 2024 بحوالى 70 مليار ريال، ما يمثل صعوداً كبيراً يؤثر بالتأكيد على الإنفاق في المملكة، حيث ترى السلطات السعودية أن هذا الإنفاق يجب أن يستكمل في المشروعات الكبرى المختلفة بالنظر إلى محورية إنجازها للانتقال من مرحلة الاعتماد على النفط إلى مرحلة الاعتماد على قطاعات اقتصادية أخرى. وإزاء ذلك، فهناك تحول في النظرة السعودية للناتج المحلي الإجمالي والقطاعات المؤثرة فيه، حسبما يرى عايش، مشيرا إلى اهتمام المملكة المتصاعد بالقطاعات غير النفطية، خاصة قطاعات: الرياضة والترفيه والسياحة، إضافة إلى القطاع الصناعي بتشكيلاته المختلفة.

وفي هذا الإطار، فإن العجز في الميزانية السعودية يشي بأن حكومة المملكة مستمرة في الإنفاق على مشروعات رؤية تحديث الاقتصاد 2030 حتى وإن جرى ذلك على نحو أبطأ من المخطط له، بحسب عايش، لافتا إلى تحولات في جدولة تنفيذ عديد المشروعات في الرؤية السعودية، لكنها تظل قائمة ويظل الإنفاق عليها مرتفعاً.

لذا فإن العائدات النفطية لم تعد قادرة، رغم نموها، على تغطية النفقات التي تلتزم بها السلطات السعودية، ما يدفع نحو مزيد من الاستدانة، وفق الخبير الاقتصادي، الذي عبر عن خشيته من تأثير مواصلة المديونية السعودية ارتفاعها، بالرغم من التبريرات الكثيرة التي تروج لها حكومة المملكة والقدرات المالية المتاحة لتغطيتها.

ويقول إن تجارب أغلب الدول في التمويل بالاستدانة لم تكن إيجابية من ناحية التخلص من هذه المديونية والأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها، خاصة بالنظر إلى أن حجمها يواصل ارتفاعه، ما يفاقم من العجز في الميزانية السعودية.

عجز مالي عارض

بدوره، يشير الخبير الاقتصادي، بيار الخوري، عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن أهم أسباب تسجيل الميزانية السعودية عجزاً للربع السادس على التوالي يتمثل في التقلبات بأسعار النفط العالمية التي تؤثر بشكل مباشر على إيرادات المملكة، نظراً لاعتمادها الكبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل، إضافة إلى الزيادة في الإنفاق الحكومي على المشاريع الكبرى والإصلاحات الاقتصادية ضمن رؤية 2030.

غير أن الخوري يرى أن استمرار تسجيل العجز "قد يكون عارضاً وقصير الأجل، ولكن قد يشير أيضاً إلى تحديات قد تواجه الاقتصاد السعودي في تحقيق التوازن المالي، ويدعو لضرورة تنويع مصادر الدخل وزيادة الكفاءة في الإنفاق الحكومي".

ولتجاوز هذا التحدي، يلفت الخوري إلى إمكانية اتباع السعودية عدة استراتيجيات، منها تنويع مصادر الدخل، عبر تعزيز الاستثمار في قطاعات غير نفطية، مثل السياحة والتقنية والصناعات التحويلية، وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، عبر تقليل النفقات غير الضرورية وتحسين إدارة الموارد، إضافة إلى إجراء إصلاحات ضريبية لزيادة الإيرادات من خلال توسيع القاعدة الضريبية وربما تعديل بعض السياسات الضريبية.

ويضيف أن تعظيم الاستثمار في البنية التحتية الذكية أحد أهم الاستراتيجيات لتحفيز النمو الاقتصادي في السعودية وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي ضمن رؤية 2030، إضافة إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية الدولية لجذب المزيد من التقنيات الجديدة. ويرى أن مثل هذه الإجراءات تمكن المملكة العربية السعودية من تحسين وضعها المالي وتقليل اعتمادها على النفط، ما يعزز استقرارها الاقتصادي طويل الأمد.

المساهمون