يواصل عجز الموازنة وتراجع النمو الضغط على اقتصاد البحرين في ظل تزايد تأثير مخاطر العوامل الجيوسياسية واستمرار اعتماد الإيرادات بالأساس على عوائد القطاع النفطي، وسط توقعات باستمرار لجوء حكومة المملكة إلى طلب "الدعم" من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لضبط مالية الدولة.
ورغم أن تقرير وكالة "ستاندرد آند بورز" يتوقع أن يساعد احتمال تقديم المزيد من الدعم من دول الخليج في الحفاظ على الثقة في ربط الدينار البحريني بالدولار في عام 2024، إلا أنه عدل، في الوقت ذاته، نظرته المستقبلية لتصنيف البحرين الائتماني من إيجابية إلى مستقرة.
وتمثل ديون المملكة الخليجية الصغيرة عاملا ثالثا في الضغط المالي على اقتصادها، إذ تصل نسبة الدين العام إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقرير نشرته وحدة الرصد في صحيفة "الاقتصادية".
كما يعد إجمالي احتياجها للتمويل الخارجي من بين أعلى المعدلات السيادية التي تتابعها "ستاندرد آند بورز" بسبب الديون الخارجية الكبيرة، قصيرة الأجل، لقطاع الخدمات المصرفية.
وحسب تقدير الوكالة الصادر في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن المرونة المالية لحكومة البحرين لا تزال منخفضة نسبياً بسبب ارتفاع عبء الديون واعتماد الإيرادات بالأساس على قطاع النفط.
لكن التقدير ذاته يرجح تمكن البحرين من تعزيز إيراداتها غير النفطية عبر متابعة الإصلاحات المالية والهيكلية، "ما يسمح بضبط أوضاع المالية العامة، وإن كان بشكل أبطأ من التوقعات".
يشير الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحكومة البحرينية تسعى بشكل كبير لإعادة التوازن بين القطاعين النفطي وغير النفطي، عبر إجراءات لخطة على عدة سنوات للتعافي الاقتصادي، وتمثلت نظرتها الأولى في استهداف استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي بالدرجة الأولى، بقيمة تصل إلى حدود 30 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن خفض التصنيف الائتماني يرتبط، بحسب عجاقة، بتحد يتمثل في زيادة عجز الموازنة. ويوضح عجاقة أن عجز الموازنة البحرينية يصل إلى حدود 3% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، بحسب تقدير "ستاندرد آند بورز"، وهو معدل مقبول عالميا، لكنه يمثل زيادة على نسبة العجز في السنوات الماضية.
وتعزو التقديرات الدولية هذه الزيادة إلى المساعدات الاجتماعية التي قدمتها الحكومة البحرينية للمواطنين، وخدمة الدين العام، وزيادة الإنفاق الحكومي بوجه عام، ولذا تصب الترجيحات في عدم تحقق توقعات وزير المالية البحريني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة بتحقيق هدف التوازن المالي بحلول نهاية عام 2024، وفق عجاقة.
لكن الخبير الاقتصادي يشير، في الوقت ذاته، إلى أن "ستاندرد آند بورز" أثنت على الإصلاحات المالية والهيكلية التي تقوم بها الحكومة البحرينية حتى تعزز إيراداتها غير النفطية، خاصة أن الإيرادات النفطية لا تزال هي الأساس بالمداخيل الحكومية.
كما أظهرت دول التعاون الخليجي تعاضدا كبيرا مع اقتصاد المملكة البحرينية، وقدموا لها دعما بأكثر من 10 مليارات دولار، تعهدت بها المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، مع إمكانية زيادتها عبر استثمارات مباشرة في اقتصاد المملكة بدلا من صيغة دعم الحكومة في المرحلة القادمة، خاصة بعد انتهاء البرنامج الحكومي بنهاية 2024.
يشير الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحكومة تسعى بشكل كبير لإعادة التوازن بين القطاعين النفطي وغير النفطي
ويلفت عجاقة، في هذا الصدد، إلى أن القروض التي قدمتها الدول الخليجية للبحرين من دون فوائد تقريبا، وتمثل أكثر من 50% من احتياجات التمويل الحكومي، لكن ثمة عاملا آخر يدفع باتجاه تخفيض التصنيف الائتماني للمملكة الخليجية الصغيرة، وهو توقعات نمو اقتصادها هبوطا إلى 2.87% من حدود 5% بعام 2022.
أما الخبير المالي والمستشار الاقتصادي هاشم الفحماوي، فيتوقع أن يواصل التصنيف الائتماني للبحرين انخفاضه في ضوء عدم وجود أفق واضح لتحقيق الكفاية المالية الذاتية للإنفاق الحكومي بالبحرين، حسب ما صرح لـ"العربي الجديد".
ويؤكد الفحماوي أن الدعم الخليجي هو المرتكز الرئيسي لاقتصاد المملكة حتى الآن، ومن دونه، "ينهار اقتصاد البحرين"، الذي يعاني خللا هيكليا.
ويشير الفحماوي أيضا إلى أن الاقتصاد البحريني يعاني من حالة استشراء للفساد، تمثل ثقبا في ضياع كثير من مخصصات التمويل، ما يُعد أحد عوامل التوقعات السلبية بشأن انتقال التصنيف الائتماني إلى وضع أقل من المستقر مستقبلا.