أكد النائب الأسبق لرئيس مجلس الوزراء القطري، وزير الطاقة والصناعة الأسبق عبد الله بن حمد العطية، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن استخدام سلاح قطع النفط والغاز عن الدول المساندة للعدوان الإسرائيلي على غزة غير مجد، لأن الدول الأوروبية وأميركا لديها البدائل، وبالتالي يكون استخدام هذا السلاح انتحاراً دون الوصول إلى الهدف.
وحول تأثير اضطرابات البحر الأحمر على إمدادات قطر من الغاز، أشار إلى حصول مثل ذلك في الماضي، مستذكراً حربي الخليج الأولى والثانية، مؤكداً أنها قضية ليست مستدامة، وثمة مسار آخر آمن واستراتيجي لناقلات الغاز.
كما تطرق العطية، الذي عمل في مجال الطاقة في قطر لأكثر من 40 عاماً، إلى تربع الدوحة على عرش الغاز المسال في العالم، وكيف كانت الدولة على حافة الإفلاس عام 1992.
وفيما يلي نص الحوار:
- أعلنت شركة "قطر للطاقة" خلال فبراير/ شباط الماضي، عن توسعة جديدة في حقل الشمال الغربي يرفع الطاقة الإنتاجية لدولة قطر من الغاز الطبيعي بنسبة 85% إلى 142 مليون طن سنوياً، كيف تنظر إلى ذلك في ظل المنافسة الحاصلة في أسواق الطاقة؟ وهل هناك أسواق جديدة لكميات الغاز القطري؟
عندما نتحدث عن المنافسة في سوق الطاقة، يجب أن ننظر إلى قضية تتعلق بإنتاج الغاز، فلا يمكن لجهة ما التوسع في إنتاجه إلا إذا كانت ضامنة للسوق، لأن الغاز الطبيعي لا يمكن تخزينه لمدة طويلة، كما أن عقود تسويق الغاز الطبيعي تتميز بأنها تكون عقوداً طويلة الأجل، لمدة تمتد من 15 سنة إلى 25 و27 سنة، ولذلك إذا ضمنتَ هذه العقود طويلة الأجل تبدأ العمل في التوسع بالإنتاج، بالإضافة لتوفير الخدمات المساندة، مثل توسعة الميناء وشراء ناقلات جديدة لنقل الغاز المسال.
وهذا ما تم في قطر، فقد وُقعت عقود لشراء أكثر من 100 ناقلة غاز جديدة، وهذا يجعل شركة "ناقلات" القطرية أكبر شركة ناقلات غاز في العالم، وذلك يدعم صادرات الغاز بعقود طويلة إلى دول، سواء أكانت دولاً جديدة أم دولاً تطلب استيراد مزيد من الغاز الطبيعي المسال.
- هذا يقودنا إلى سؤال حول تحويل مسار ناقلات الغاز القطري المسال عن مسار البحر الأحمر الذي يعاني من اضطرابات وانعكاس ذلك على العقود وعلى أرباح "قطر للطاقة"؟
ما يحصل في البحر الأحمر رأيناه في الماضي خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988)، وما عُرف بحرب الناقلات، وحرب الخليج الثانية (2 أغسطس/ آب 1990- 28 فبراير/ شباط 1991). واليوم يجب ألا نعتبر هذه الحرب ثابتة، وإنما ستنتهي، وهناك مسار آخر للإمدادات عن طريق رأس الرجاء الصالح، وهو بديل آمن واستراتيجي؛ هو أطول ومُكلف، لكنه منفذ مهم وآمن. وعند بناء المشاريع ننظر إلى المستقبل، وهذه الأحداث الجارية في البحر الأحمر ليست مستدامة وظروفها وقتية وستحل بزوال هذه الظروف.
أما الحرب الإسرائيلية على غزة فهي إبادة جماعية، حرب مجنونة تشنها إسرائيل بطريقة قذرة لم يشهدها العالم في العصر الحديث، وهذه الإبادة تحدث أمام العالم الذي يتشدق بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحماية اللاجئين والشعوب الضعيفة، وغزة منذ 50 سنة تحت الحصار، وهي أكبر سجن مفتوح في العالم، ومن ينظر إلى كيفية تعامل الغرب في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، يرى أن الدول الأوروبية "الراعية" لحرية الكلمة والتعبير، أصبحت دولاً ديكتاتورية، تمنع حتى التعاطف مع شعب يُقتل بشكل همجي، وأي شخص يتعاطف سواء كان مذيعاً أو صحافياً، مصيره الطرد من وظيفته، وأعتقد أن هذه الدول الغربية تجاوزت كوريا الشمالية، وذلك شكّل صدمة بالنسبة لي.
فقد درست في أميركا بولاية ميشيغن عام 1970، وكان أول "كورس" اتبعته في العلوم السياسية يتناول الدستور الأميركي والمادة الأولى حرية التعبير، وحاليا أنا أتساءل أين هذه الحرية في أوروبا والولايات المتحدة؟ أما الميزة الإيجابية والكبيرة جداً التي حصلت، فهي أن الحرب الإسرائيلية على غزة غيّرت الرأي العام العالمي بشكل دراماتيكي، فلم أر في حياتي "مليونيات" في أوروبا وفي أميركا وأميركا اللاتينية وأفريقيا تتعاطف مع الفلسطينيين وضد الحرب على غزة، وهذا أكبر مكسب للقضية الفلسطينية.
مطربون مشهورون وممثلون عالميون يتعاطفون مع أهل غزة، وحتى مواطنون يهود اقتحموا الكونغرس، ومظاهراتهم عمت مدناً في أوروبا وأميركا لدعم القضية الفلسطينية. ولذلك أقول دائما يجب أن نفرق بين الصهيونية كعقيدة سياسية واليهودية كدين.
هناك صهاينة عرب، هناك صهاينة مسيحيون، وصهاينة مسلمون، فالصهيونية مثل النازية والفاشية عقيدة وليست دين، وهناك مسلمون، للأسف الشديد، اتهموا الفلسطينيين بالإرهاب، وبأنهم اعتدوا على الأطفال الإسرائيليين! ولذلك أرى أن العرب في غيبوبة استمرت سنوات طويلة وما زالت. في الماضي كان عند العرب الغضب "كنا نغضب بشدة"، والآن حتى الغضب مات.
- في هذا الإطار، ماذا عن سلاح قطع النفط العربي عن الدول المساندة لإسرائيل، ثمة تصريح لكم بأن سلاح النفط لم يستخدمه العرب في الحرب المصرية السورية مع إسرائيل خلال أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973؟
صحيح، النفط ليس سلاحاً مؤثراً، وليست كل الدول العربية تُصدّر النفط، ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تضم عدداً محدوداً من الدول العربية، ثم إذا كان النفط العربي يشكل نحو 60 في المائة في سبعينيات القرن الماضي، نراه يُشكل اليوم نحو 30 بالمائة، وثمة دول جديدة دخلت سوق النفط، مثل موزامبيق وأنغولا، كما أن أميركا تحولت من دولة مستوردة إلى دولة أساسية مصدّرة للنفط.
- هل تعني أن سلاح قطع النفط العربي غير مجد؟
نعم غير مجد، وأنا شاهد على ما جرى عام 1973، وموجود في موقع الحدث، وكنت موظفاً في وزارة المالية والبترول آنذاك. إذ اجتمعت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط "أوابك" وليس المنظمة الدولية "أوبك"، وقررت قطع الإمدادات عن أميركا وهولندا، وإذا تكلمنا بعقلانية، نجد أن هولندا تملك شركة "شل"، وهي واحدة من أكبر شركات البترول في العالم، وكذلك محطة "نوتردام" أكبر مركز لإعادة تصدير النفط في العالم، فهل تتأثر هولندا؟ كما أن أميركا لديها إنتاج ضخم من النفط، ومعظم الدول لا تُصدر النفط لأميركا، ولذلك لا تتأثر بهذه المقاطعات، لأنها تملك أكبر شركات نفط عالمياً، وتعمل هذه الشركات في 100 دولة حول العالم فهل ستتأثر؟
- ولكن البعض يرى أن استخدام نفط العرب كسلاح في هذه الحرب مهم.. فما رأيك؟
مشكلتنا نحن العرب أننا عاطفيون، نحب بشدة ونكره بشدة. عقود الغاز طويلة الأجل لا يمكن لأي دولة قطعها، والنفط مهم جداً لبعض الدول وهو مصدر الدخل الرئيسي، مسألة حياة أو موت، يعني "تروح تنتحر"، والانتحار سيكون وسيلة ولن تصل إلى الهدف. كما أن دول الغرب وأميركا لديها البدائل، تملك كل شركات البترول العالمية، فتقاطع من؟ هذه الشركات تعمل في معظم الدول العربية في الاستكشاف أو التطوير أو في المصافي وغيرها.
القضية ليست قضية عواطف، دول تعتمد على النفط 100 في المائة بمصادرها، كيف تقطع ذلك؟ وإلى الآن أرى في مواقع التواصل الاجتماعي بعض العرب يرفعون شعار "اقطعوا النفط عن الغرب"، وأقول لا يهمهم إذا قطع بعض العرب النفط، لأن أميركا من أكبر المنتجين، خاصة بعد تطوير حقول النفط الصخري، كما أصبحت أكبر دولة منتجة للغاز، وتمكنت من تصدير 91 مليون طن من الغاز في 2023، وأوروبا تنظر إلى أنها في عام 2050 ستستغني عن النفط نهائياً، وأشك أن يتحقق ذلك.
لذلك يجب أن نكون عقلانيين ولا نبحث عن أوهام، فهذه الدول تملك التكنولوجيا، مثلاً لماذا لا نقاطع الإنترنت، والأدوية، والتكنولوجيا (الكمبيوترات)، و"فيسبوك" و"إكس"، وإذا طُرح هاتف جديد ترى الطوابير في الدول العربية تتزاحم للظفر بنسخة من الإصدار الجديد!
- رغم ذلك تستورد أميركا النفط من دول خليجية.
تستورد كميات قليلة جداً، ولا قيمة لذلك، فهي لديها نفط يكفيها، بل وتصدّر، فإلى أي حد تتأثر؟ دعنا نتكلم بصراحة، أنا عملت في هذا القطاع 40 سنة، فيجب أن نبتعد عن العواطف. عندما ترفع شعار "بترول العرب للعرب" فثمة دول عربية لا تُصدر النفط، وأنا أرى أن المطلوب التركيز على تطوير الاقتصاد العربي، فالدول الغربية وأميركا تؤمن بهدف "التدبير الذاتي".
لننظر إلى لبنان الذي زرته وكان عمري ست سنوات، وكان من أجمل البلدان في العالم، وجاذباً للاستثمارات، الناس تهاجر للعمل فيه، وحتى المغتربين اللبنانيين انتهجوا رحلة العودة للوطن الأم.. في ستينيات القرن الماضي، كان سعر صرف الدولار الأميركي يساوي 2.5 ليرة لبنانية، انظر إليه اليوم. أما في مصر فكان الجنيه المصري يساوي خمسة دولارات، أي كان اقتصاد الدول العربية قوياً، لكن خلال عقد السبعينيات وما بعده، أنهكت الحروب الأهلية دولاً عربية، و"بيدهم وليس بيد عمر".
- أليس هناك عامل اقتصادي وراء هذه الحروب؟
ليس عاملاً اقتصادياً، هناك مشكلة كبيرة. الغرب يريد أن يخلق الفوضى الخلاقة والعرب مستعدون، بأحزابهم الطائفية، خلقوا حروباً طائفية، واتجاهات عجيبة غريبة، وصار الناس يتحدثون عن الطوائف أكثر من حديثهم عن تقدم وتطور دولهم، لذلك لا علاقة لها بالاقتصاد.
والكثير من الدول العربية كانت في فترة من الفترات من أغنى الدول، العراق دولة عربية غنية، ولديه احتياطات ضخمة من النفط، وإنتاجه يصل إلى ستة ملايين برميل نفط يومياً، والسودان كان مزرعة العالم، يُصدر الصمغ العربي والقمح والقطن والفول السوداني وغيره، وكان الجنيه السوداني أقوى من الجنية الإسترليني، أما اليوم فهو في حالة مجاعة. وإذا سألنا ماذا يحصل في العالم العربي أحاول إيجاد أجوبة ولا أجد!
- دعنا نعود إلى الغاز، هل يؤدي منتدى الدول المصدرة للغاز، الذي عقد قمته السابعة في الجزائر بنهاية فبراير/ شباط الماضي، لأهدافه، وماذا يقدم للدول الأعضاء، والسوق عموماً؟
لقد ساهمت شخصياً في إنشاء هذا المنتدى (عام 2001)، وعقد اجتماع في العاصمة الروسية موسكو، وكانت هناك فكرة لإنشاء مقر دائم لهذا المنتدى، وعرضت أربع دول مدناً لاستضافة المقر، روسيا قدمت بطرسبورغ، وإيران اقترحت شيراز، والجزائر اقترحت وهران، وقطر قدمت الدوحة، وكان عدد الدول في ذاك الوقت نحو 12 دولة، وفازت الدوحة بالتصويت بفارق صوتين عن بطرسبورغ وأصبحت قطر الدولة المضيفة للمنتدى. ويختلف المنتدى عن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فلا تستطيع أن تخفض الإنتاج، فمثلما ذكرت، عقود الغاز طويلة الأجل تصل لما يتجاوز 25 سنة.
- أعلنت "قطر للطاقة" أخيراً عن تطوير حقل "الشاهين" البحري، أكبر حقل نفط في قطر، لزيادة الإنتاج 100 ألف برميل يومياً، وبقيمة 6 مليارات دولار، هل هذا توجه قطري آخر إلى جانب التوسعات في حقول الغاز الطبيعي؟
حقل الشاهين كان مكتشفاً سابقاً (بدأ الإنتاج عام 1992)، وثمة مشكلة طبيعية وليست اقتصادية، فهو في طبقة رملية خفيفة، لذلك عندما عرض على كثير من الشركات لم تبد اهتماماً، وجاءت شركة "ميرسك" الدنماركية فاستحوذت على المشروع وطورت تكنولوجيا في كيفية التعامل مع الطبقة الرملية الخفيفة، ونجحت في ذلك، ووصل إنتاجه إلى 300 ألف برميل يومياً، وبعد انتهاء مدة العقد مع "ميرسك" بمرور 25 سنة، وضعت "قطر للبترول" حينها الحقل أمام شركات البترول العالمية للدخول معها كشركاء، وكسبت "توتال" المشروع عندما قدمت عرضاً أفضل من "ميرسك"، وحالياً هناك خطط لتطوير هذا الحقل مع "توتال" كي ينتج كميات أكثر، فالحقل يملك احتياطات كبيرة جداً، وقطر اهتمت بالنفط منذ زمن، ووصل إنتاجها إلى 750 ألف برميل في اليوم.
- وماذا عن حقل العد الشرقي للنفط؟
هذا الحقل قديم اكتشفته "شل" في أوائل الستينيات ويخضع للتطوير حالياً.
- كيف تنظر إلى أسعار برميل النفط؟ وماذا تتوقع مستقبلاً في ظل الأوضاع الجيوسياسية الدراماتيكية في أكثر من منطقة من العالم؟
منذ بداية التصدير النفطي في مطلع القرن العشرين إلى اليوم أسعار النفط تسير في خط بياني، يصعد هذا الخط أحياناً لأعلى القمة، وفي أحيان أخرى يهبط، ثم يعود للصعود للقمة، وهكذا، وذلك مرتبط بعوامل عدة، منها الاستهلاك والطلب الكبير، أو التضخم أو الانكماش الاقتصادي، مثلما يحصل في أوروبا ودول أخرى.
هذا طبعاً يؤثر على الطلب. في عام 1973 كان برميل النفط بدولارين، ثم وصل عام 1981 إلى 36 دولاراً، وكنت أعمل في مكتب وزير المالية والبترول، وحضرت اجتماعات "أوبك" كافة منذ عام 1972، وأنا شاهد على تلك الحقب وعلى كل الأحداث الدراماتيكية. واستمر سعر برميل النفط منذ عام 1985 إلى عام 2000، كمتوسط بين 16 و17 دولاراً للبرميل، وبقي النفط منخفضاً جداً لسنوات.
وبعد عام 2000، ومع بروز النهضة الاقتصادية الكبرى في الهند والصين، بدأ الطلب يزيد على النفط والغاز بشكل كبير جداً، فارتفعت الأسعار وبلغت 120 دولاراً للبرميل، واستمرت لفترات بأسعار معقولة، وعندما ظهرت جائحة كورونا (كوفيد 19)، والتي أغلقت المصانع وشلت الحركة الصناعية والمواصلات وغيرها، هبطت أسعار النفطـ، لتعود وترتفع بعد انقشاع الجائحة العالمية.
- وماذا فعلت الحرب الروسية على أوكرانيا بأسواق الطاقة؟
الحرب الروسية على أوكرانيا رفعت أسعار الغاز أكثر مما حصل للنفط، وهذا يعود للطلب والعرض، وأنت عندما تسألني عن أسعار النفط، أقول إن سعر نفط برنت اليوم 83 دولاراً للبرميل، وفي اعتقادي هو سعر معقول جداً، وأنا حذرت من ارتفاع الأسعار.
الدول المنتجة يجب ألا تهلك "الزبون" العميل، فالمنتج يحتاج إلى "زبون" يشتري وليس لزبون منهك اقتصادياً، فيجب أن تكون الأسعار في حدود معقولة تحقق أرباحاً للمنتج، وفي الوقت نفسه تشجع الزبائن على المزيد من الاستهلاك.
ودائماً أقول ليست هناك أسعار دائمة للنفط والغاز، وليست هناك أسعار تنخفض على طول الخط، بل يجب أن ننظر لما يسمى بالنمو الاقتصادي في دول جديدة آسيوية أو غيرها، وسيزيد الطلب عندما تنتعش هذه الدول اقتصادياً مرة ثانية وتنجح بخفض التضخم وتحريك العجلة الاقتصادية. أما الدول المنتجة و"أوبك+"، فقد خفضت الإنتاج كثيراً، وأنا لا أشجع أن ترتفع أسعار النفط فوق 100 دولار. باختصار، الأسعار تتحرك حسب الطلب والعرض والمتغيرات الحاصلة في العالم، وتعلمنا أن نتعايش مع ارتفاع أسعار النفط والغاز وانخفاضها.
- برأيك، ما سر تفوق قطر على دول كبرى وتربعها على عرش الغاز الطبيعي المسال؟
قطر ليست أكبر دولة في إنتاج الغاز، بل تملك أكبر حقل مفرد للغاز الطبيعي في العالم، وفي البترول (النفط) كانت أصغر دولة في عضوية "أوبك"، لكن قطر تطورت بشكل دراماتيكي، وأصبحت من أفضل دول العالم في سنوات قليلة بعدما جرى تطوير حقل الشمال للغاز الطبيعي، أما قبل ذلك وفي عام 1992، كانت دولة على حافة الإفلاس، جراء تدهور أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات للبرميل، وانخفض الإنتاج من 600 ألف برميل يومياً إلى 400 ألف برميل، وفي ذلك العام عُيّنت وزيراً الطاقة والصناعة، وكان إنتاج قطر من الغاز صفراً.
وقد اكتشفت شركة "شل" عام 1971 أكبر حقل "هيدرو كاربوني" منفرد في العالم، وشكّل ذلك صدمة، فهو حقل غاز وليس بترول، وفي ذلك الوقت كان الجميع يبحثون عن النفط وليس عن الغاز، وتركت "شل" هذا الحقل وغادرت، فليس له قيمة، وكان ولي العهد آنذاك، سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورشحني لوزارة الطاقة والصناعة، ولديه رغبة كبيرة بتطوير هذا الحقل الضخم، وأصبحنا على مفترق طرق، إما تطوير حقل الشمال، أو سوف نكون في مهب الريح، وقد وضع كل ثقله، وكانت التحديات أمامنا صعبة أو مستحيلة، كيف نطور هذا الحقل الضخم؟ وكيف نجد "زبوناً" عميلاً، نوقع معه عقداً طويل الأجل لمدة 25 سنة، لتسويق إنتاج الغاز الطبيعي، وأي شركة ستكون العميل الأول.
- ومن كان "الزبون" الأول للغاز القطري؟
بدأنا نفكر في آسيا، وتحديداً في ثلاث دول كانت من أكبر المستهلكين للغاز في العالم، وفي مقدمتها اليابان ثم كوريا الجنوبية، فتايوان، وهذه الدول تحصل على إمداداتها من الغاز من حقل في إندونيسيا كان يدار من قبل شركة "موبيل"، ومن حقلين في ماليزيا وبروناي تديرهما "شل"، فأسسنا في ذلك الوقت شركة "قطر غاز"، لكن لم يكن لدينا "عميل" للتسويق، وتكونت في تأسيسها بحصة تملك قطر منها 70 في المائة، وحصة كل من شركتي "بي بي" البريطانية و"توتال" 10 في المائة لكل منهما، والحصة الباقية لشركتين يابانيتين، منهما موروبيني.
واختصاراً للموضوع، ركزنا على اليابان وبدأت رحلاتنا إلى هناك، وشكلنا فريق عمل، وبعد البحث وجدنا "الزبون"، وهي شركة "تشوبو إلكتريك"، التي تقع في منطقة اقتصادية وصناعية مهمة، وجرى توقيع أول عقد لتصدير الغاز القطري مع "تشوبو إلكتريك" بـ6 ملايين طن، وهذه هي البداية التي فتحت لنا سوق الغاز الطبيعي على مصراعيه، ثم جرى توقيع العديد من العقود مع كوريا الجنوبية، فالصين والهند وتايوان وتايلاند وآخرين.
اكتشفت شركة "شل" عام 1971 أكبر حقل "هيدرو كاربوني" منفرد في العالم، وشكّل ذلك صدمة، فهو حقل غاز وليس بترول، وفي ذلك الوقت كان الجميع يبحثون عن النفط وليس عن الغاز
وفي الوقت نفسه وقعت قطر عقوداً أوروبية مع فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وبولندا وإيطاليا، وحتى بريطانيا، التي ما زلنا إلى الآن نزودها بنحو 30 في المائة من الغاز على الأقل، فأصبحت هذه القصة مثيرة، حيث وصلت قطر إلى القمة من لا شيء.
- وماذا عن تمويل هذا المشروع الأول والدولة على حافة الإفلاس كما ذكرت؟
نعم صحيح، وقعنا العقد الأول لكن لا توجد أموال، ولا حتى نسبة 30 في المائة من قيمة حصة قطر في المشروع، فتوجهنا إلى اليابان من أجل الحصول على قرض للتمويل، ووجدنا بنكاً يدعم المشاريع اليابانية في الخارج، وبعد مفاوضات استغرقت أشهر، وافق البنك على تمويل مصنع التسييل بمليوني دولار لمدة طويلة وبفوائد بسيطة، أما "الأبستريم"، تطوير الغاز في البحر للمصنع، فكان سهلاً وساهم 55 بنكاً عالمياً في التمويل بمبلغ 1.8 مليار دولار، ثم تم بناء عشرة ناقلات يملكها اليابانيون.
ووفق الأنظمة، عادت ملكية الناقلات إلى قطر بعد مرور 15 سنة، ونجحت قطر نجاحاً كبيراً، وأقمنا احتفالاً كبيراً في عام 2010 بمناسبة وصول إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى 77 مليون طن سنوياً، وفي ذلك الوقت أصبحت قطر أكبر دولة مصدرة للغاز المسال في العالم.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل استخرجنا من الغاز "المكثفات"، وهي مادة أغلى من النفط، ووصل الإنتاج إلى 750 ألف برميل يومياً، وأنشأنا أكبر مصفاة للمكثفات في العالم، كما استخرجنا من الغاز "الهيليوم"، وتعتبر قطر أكبر دولة مصدرة لهذه المادة، وجرى التوسع في البتروكيماويات والميثانول والكثير من المنتجات المشتقة من الغاز. ودخلت قطر مشاريع جديدة، ومنها "جي تي إل"، وهو تحويل الغاز الجاف إلى مواد بترولية (الديزل)، وأنشأنا مصنعاً باسم "أوركس جي تي إل" ينتج نحو 34 ألف برميل وقود صناعية يومياً، وفي غضون ثلاث سنوات من إنشائه غطى تكاليفه بالكامل.
والآن، تهتم الدولة في البنية التحتية والفوقية، وأصبحت خلال سنوات قليلة دولة متطورة على مستوى العالم، وحلت في جودة التعليم الرابعة في العالم، والأولى في المجال الصحي والرعاية الطبية. فقد آمنت القيادة بأن الاستثمار في البشر أهم من الاستثمار في الحجر، مع التركيز على الطاقة البديلة، إذ يجري بناء أكبر محطة طاقة شمسية تقدر سعتها الكلية بنحو 800 ميغاوات.