عبد الخالق فاروق: مصر في مرحلة ركود ومخاوف من خطر الإفلاس

05 يوليو 2022
عبد الخالق فاروق خلال مقابلته مع "العربي الجديد" (العربي الجديد)
+ الخط -

قال الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي المصري والمتخصص في إعداد موازنات الدول النامية، إن مصر دولة ثرية وليست فقيرة كما يردد بعض المسؤولين، وإن أكبر أكذوبة يرددها المسؤولون في الدولة، سواء في فترة ما قبل ثور 25 يناير أو ما بعدها، هي أن مصر دولة فقيرة، وبلد موارده محدودة.

وشدد في حوار مطول مع "العربي الجديد" على أن مصر بالتحليل الدقيق والرقمي، لكل مصادر الدخل، هي بلد غني جدا، ولكنها تدار بطريقة، إما يحكمها عدم الكفاءة من ناحية، أو جماعات الفساد والمصالح الضارة من ناحية أخرى، وبالتالي يُهدر جانب كبير من الثروة.

وقال فاروق إن من يورط مصر في الديون أكثر من قدرتها على السداد، سيؤدي فعله حتما في المرحلة التالية إلى ما حدث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما رهن أصول أمواله الشخصية وممتلكات الدولة، والتي من بينها أراضي مصر والسكك الحديدية والموانئ، لأصحاب الديون الأجانب.

وأجرى "العربي الجديد" حوارا مع فاروق، الخبير في إعداد موازنات الدول النامية، الذي تعرض للاعتقال في مصر منذ 3 سنوات، عندما رفض مقولة إن "مصر بلد فقير"، واستطاع من خلال كتبه وأبحاثه أن يثبت للقضاء أن مصر بلد غني بثرواته.

*اعتمد البرلمان المصري الموازنة العامة أخيرا، بعد تعديلها عدة مرات، ما تقييمكم لما ورد فيها من خطط ونفقات؟

مشروع الموازنة العامة، لعام 2022- 2023، لا يختلف من حيث الجوهر والاتجاهات العامة عن السنوات السابقة، من حيث: أولا: الاعتماد على سياسة الاقتراض، سواء تم ذلك من الداخل أو الخارج لتغطية العجز في الموازنة العامة، وثانيا: تحميل الفئات الفقيرة والطبقة الوسطى أعباء إضافية، سواء كانت أعباء الرسوم أو الضرائب وغيرهما من أشكال الجباية العامة المشروعة، وغير المشروعة، التي تُفرض عبر الالتفاف على القانون، الذي يحظر تحصيل أي ضرائب أو رسوم بدون نص قانوني.

أما الأمر الثاث فهو أنه لم يجر أي تغيير على فلسفة السياسة المالية، بالرغم من أنها وصلت خلال السنوات الماضية إلى طريق مسدود، حيث لا توجد مشروعات تُوجه للتنمية، بل تتوجه معظم النفقات لمشروعات البنية الأساسية، خاصة الطرق والكباري، والعاصمة الإدارية الجديدة، وهذه كلها مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية في الأجل المتوسط، وبعضها في الأجل الطويل ليست لها ضرورة أو عوائد.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

الأخطر من ذلك أن السياسة المالية توسعت في الخصخصة وبيع الأصول العامة، سواء كانت عبر وثيقة اسمها "وثيقة ملكية الدولة" أو غيرها، والتي لا تختلف في مضمونها عن غيرها، إلا في محاولة توفير غطاء قانوني أو فكري لعملية الخصخصة وبيع أصول الدولة، ولا سيما أن صدور القانون رقم 177 لسنة 2017 الخاص بـ"الصندوق السيادي" لمصر، جعل كل الأصول العامة تحت يد الجنرال عبد الفتاح السيسي، يتصرف فيها كيفما يشاء ودون معقب أو مراجعة قضائية. فالسياسة المالية هي من زاوية تذهب في اتجاه الإنفاق على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، ومن ناحية أخرى الإيرادات العامة تزيد الأعباء على الفقراء، وتتجه نحو مزيد من الاقتراض وتحميل الأجيال الحاضرة والقادمة أعباءً هائلة لا يستطيع الاقتصاد المصري الوفاء بسدادها.

*استهدفت الحكومة التقشف، فهل الميزانية الجديدة التي تم البدء في العمل بها بداية من شهر يوليو الجاري راعت احترام مبادئ حقوق الإنسان في الصحة والتعليم؟

- ما زالت نسب الإنفاق الموجهة للتعليم والصحة في الموازنة العامة أدنى من نصف النسبة المنصوص عليها في الدستور، والأخطر أن الجانب التقشفي تعلق بالحقوق المالية التي تخص الناس، حيث جمد النظام الأجور والمرتبات لمدة 5 سنوات.

وخلال هذه الفترة، ثبت بند الأجور على حاله، أو تحرك في حدود ضئيلة جدا، وهذه الحركة كانت عبارة عن مزايا لفئات اجتماعية أخرى، مثل الجيش والشرطة والقضاء، التي حصلت باستمرار على زيادات مالية، بالإضافة إلى المكتسبات العينية التي يحصلون عليها بالفعل.

لذلك نرى التقشف لدى الحكومة يطبق على المعلمين وباقي الموظفين، في الوقت الذي لم تتوقف فيه عن منح مزايا مستمرة في مرتبات ومعاشات "مؤسسات القوى" على حساب باقي الفئات الاجتماعية بالدولة. وعلى الجانب الآخر، نجد إنفاقا سفيها ومؤذيا لمشاعر المصريين، مثل الصرف على الحفلات والاستقبالات والدعاية والإعلان، وهو جزء كاشف عن نمط تحيزات القائمين على السياسة المالية وتوجيه النفقات.

*لماذا تتوقع أن تكون موازنة "دولة فقيرة" كمصر بهذا الشمول الواسع لكل المواطنين؟

- هذه أكبر أكذوبة يرددها المسؤولون في الدولة، سواء في فترة ما قبل ثور 25 يناير أو ما بعدها، وهي أن مصر دولة فقيرة وبلد موارده محدودة. مصر بالتحليل الدقيق والرقمي لكل مصادر الدخل، هي بلد غني جدا، ولكنها تدار بطريقة، إما يحكمها عدم الكفاءة من ناحية، أو جماعات الفساد والمصالح الضارة من ناحية أخرى، وبالتالي يُهدر جانب كبير من الثروة.

فعلى سبيل المثال، توجد 12.5 مليون وحدة سكنية شاغرة، جزء منها بني منذ 15 عاما وأكثر، وجزء آخر بني منذ ما بين 10 أو 5 سنوات، وكلها تكشف مدى التخمة في المعروض من الوحدات السكنية في الدولة، وكان يجب أن ينتبه أي مسؤول لديه درجة من درجات الحصافة والعقل الرشيد أن يعالج هذه المشكلة قبل أن يتحول إلى استخدام جزء كبير من موارد الدولة في بناء وحدات سكنية جديدة، والتعامل معها على أنها مشروع استثماري، وكأنه يدير شركة ولا يدير دولة. فالتوسع الذي قامت به حكومة السيسي على مدار 8 سنوات في بناء الوحدات السكنية، جعلته يحصل على أراضي الدولة دون أن يدفع مليما لميزانية الدولة، ثم عرض هذه الوحدات السكنية بأسعار مرتفعة لشرائح اجتماعية غير محدودة الدخل، وحقق من ورائها أرباحا.

ترتب على ذلك أن الطلب المتزايد على الوحدات الجديدة ضاعف أسعارها عدة مرات، مع وجود عدم رشادة في الإدارة

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

والمثل الآخر، يظهر جليا حينما أصدر السيسي القرار الجمهوري رقم 57 لسنة 2016، وسيطر على 700 مليون متر مربع، بما يعادل 166 ألف فدان، لصالح إقامة العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع الشيخ محمد بن زايد، وأدخل تلك المساحة من الأرض بعد تقييمها في أصول شركة تابعة لجهاز الخدمة الوطنية، وهي أراض للدولة، دون أن يسدد أي مبالغ للميزانية العامة، لأن الأرض كلها ملكية عامة وغير تابعة للجيش، الذي يقتصر حقه الدستوري والقانوني في الحصول على الأراضي التي تستخدم في العمليات العسكرية فقط، وعندما يتخلى الجيش عن قطعة أرض، ويرغب في تحويلها لاستثمار عقاري، تصبح في هذه اللحظة ملكا للدولة والخزانة العامة.

وفقا لتحليل أسعار الأراضي في أقل التقديرات - 1000 جنيه للمتر- التي بيعت بها أراضي العاصمة الجديدة، فإن الموازنة العامة خسرت ما بين 170 مليار جنيه و140 مليارا، بعدما منحت الأرض لجهة لا تسدد قيمتها للدولة أو تتحمل عنها أي أعباء أو ضرائب، ولا رسوم على وارداتها، وهذا شكل من أشكال إهدار الموارد العامة.

*الحكومة تواصل اقتراضها من الغرب والشرق، لماذا لا تقبل مقولة إن "مصر دولة فقيرة جدا"؟
للأسف تحولنا إلى دولة تستجدي المال من الآخرين، ويبحث قادتها عن التمويل من الخارج لمصالحهم الخاصة، بينما ذلك لا يظهر أثره على المواطنين. فالجنرال عبد الفتاح السيسي صرح عدة مرات، حول النفقات التي وجهها على المشروعات العامة، وفي كل مرة يعطي للرأي العام رقما مخالفا للآخر، فمرة يذكر أننا أنفقا 4 تريليونات، وأخرى 6 تريليونات، وساعة يقول 500 مليار دولار، وكلها أرقام غير صادقة، لأنه لا توجد جهات تراقب هذه التصرفات، وتراجع هذه النفقات، وفقا لما تقتضيه المصلحة الوطنية العامة.
جزء كبير من هذه التمويلات، يأتي من ديون داخلية وخارجية، ندفع ثمنها من السياسة المالية، فحوالي 60% من مصروفات الموازنة العامة، تتوجه إلى خدمة الدين، سواء لدفع الأقساط العامة أو الفوائد، ولا يتبقى للتعليم والصحة والخدمات العامة وكل احتياجات المائة مليون مصري، سوى 40%، وجزء من تلك المخصصات يجري اقتراضه من الخارج.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

*وما هي تداعيات الاستدانة المفرطة من وجة نظرك؟
من يورط مصر في الديون أكثر من قدرتها على السداد، فسيؤدي فعله حتما في المرحلة التالية، إلى ما حدث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما رهن أصول أمواله الشخصية وممتلكات الدولة، والتي من بينها أراضي مصر والسكك الحديدية، والموانئ لأصحاب الديون الأجانب.
والنظام يقوم الآن بنفس الإجراء، من خلال قانون توريث الديون المصرية، حيث سيطرح جزء من هذه الديون للتداول في البورصات، وبالتالي تصبح سندات الدين، في مرحلة تالية مطلبا من أصحاب الدين بأن تتحول المؤسسات والمنشآت العامة إلى ضمانات للسندات، بما فيها هيئة قناة السويس وآبار البترول والغاز.
وهذه السياسات تضع مصر في مسار شديد الخطر، شديد الضرر، في المستقبل القريب. مصر تقترب من حافة الإفلاس الفعلي، في خلال 4 إلى 5 سنوات. وها نحن نرى أن السعودية تفضل الآن تقديم القروض في شكل استثمارات، وكذلك فعلت الإمارات، حيث يفضلون شراء الأصول المصرية، سواء كانت منشآت صناعية، أو موانئ أو حقوقا بترول. وبذلك يتجه بنا النظام الآن إلى الجحيم.

*تلجأ الحكومة إلى بيع الأصول العامة، ومنح القطاع الخاص فرصة للنمو، أليس هذا التحول نوعا جديدا من الإصلاح؟
- هذا التغيير الذي تروج له الحكومة ليس جديدا، فعندما وقف السيسي عام 2017، وقال في خطاب عام إن الحكومة لديها 7 ملايين موظف ليس لهم ضرورة، هنا رأينا أن النية تتجه إلى خصخصة الجهاز الحكومي للدولة. وقد نشرت الأرقام التي تدل على أن الجهاز الحكومي، يتضمن أعداداً لا يمكن الاستغناء عنها. لكن سيجري بيع المدارس الحكومية، فيتخلص من عبء أجور المدرسين، والمستشفيات يجري خصخصتها تدريجيا.

*ما هي رؤيتك لحل أزمة مصر؟
- عندي طرح خاص للجمع بين مميزات الطريقين، وهو "اقتصاد السوق المخطط" الذي يعتمد على وجود دور مرجح للدولة، في مجال الإنتاج والتوزيع، يجعلها صاحبة الكلمة الأعلى، دون أن تجور على القطاع الخاص. فالقطاع الخاص عادة، أقل من الدولة، رغم أن هناك من تربح وأصبح عملاقا خلال السنوات الماضية، من نتاج أعمال حقيقية أو من خلال المال الحرام، من الذين تلاعبوا مع مسؤولين كبار، وسيطروا على ثروات البلد. وبصرف النظر عن مدى مشروعية هذه الثروات، فإن القطاع الخاص في مصر، جارَ على دور الدولة، بعد أن التهم جزءًا من ثرواتها وحقوقها، ولكن في حالة السوق المخطط، وفي ظل دور لدولة محترمة، تقوم بدور مهم، كمنتج مرجِّح، وتاجر مرجّح، وتترك مساحة معقولة للقطاع الخاص، لتكن في حدود 40%، وهي أكبر من إمكانات القطاع الخاص حاليا.

*وزير المالية لا يستبعد أن تتجه مصر كما غيرها في أنحاء العالم، إلى ركود، وهناك من يقول إننا نتجه إلى ركود وإفلاس، فإلى أين نحن ذاهبون؟
- نحن في حالة ركود فعلا، يعبر عنه في قطاعات معينة، مثل القطاع العقاري، الذي لا توجد به الآن حالات شراء. صحيح هناك مضاربة على الأسعار، لكن هناك أيضا حالة ركود في الأسواق، فكثير من أصحاب المشروعات غير قادرين على التصرف في مشروعاتهم، ولَعِبَ سعر الصرف دورا في زيادة المشكلة، ولكن القوة الشرائية الضعيفة المتاحة للطبقة الوسطى ومعظم الناس، تسببت في حالة ركود بالأسواق. نحن ذاهبون إلى ما هو أخطر من ذلك، لحالة إفلاس مباشر، والكساد سيكون مصاحبا لحالة الإفلاس، فلن نستطيع أن بيع أو نشتري دون أن نبدأ في بيع أصول، وهو ما يفعله النظام حاليا. نتجه إلى مصيبة كبرى يدفعنا إليها نظام السيسي بأقصى سرعة.

المساهمون