مهما قُلنا عن الأحداث التي وقعت عام 2023، ونحن نقف عند نهاياته، فإن الحرب على غزة هي التي سرقت المشهد كله، وسيطرت فيه على كل اهتمام الناس وتحليلاتهم وتوقعاتهم، وصارت شغلهم الشاغل.
وانسحبت أخبار حرب أوكرانيا والحرب الأهلية في السودان من الساحة، ومؤتمر المناخ الدولي ( COP 28) الذي عقد بإمارة دبي، وحوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة وجمهورية التشيك، وغطت حتى على أخبار الانتخابات في باكستان، وغيرها من أحداث في العالم.
وحتى نافست على نبأ وفاة أمير الكويت المرحوم الشيخ نواف الأحمد الجابر آل الصباح، واستلام خلفه الشيخ مشعل الأحمد الجابر آل الصباح يوم 16/ ديسمبر من هذا العام.
وأخبار الحرب الهمجية على غزة مسحت اهتمامنا نحن الاقتصاديين عن الفائزة بجائزة نوبل لهذا العام واسمها" كلوديا غولدن" ( Cloudia Goldin) من جامعة هارفارد. ووفق اللجنة المانحة للجائزة فإن الاقتصادية غولدن قد "وسعت مداركنا وفهمنا للنتائج الناجمة عن التطورات في سوق عمل النساء".
وإذا استمرت الحرب حتى آخر يوم من هذا العام، فإنها ستكون قد دخلت في حينه يومها الخامس والثمانين منذ اندلاعها يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وهي تضرب بذلك الرقم القياسي في طول الحرب بين جانب عربي أو أكثر ضد إسرائيل.
وسُجل الرقم القياسي في عدد القتلى والجرحى الذين ارتقوا أو سقطوا بسببها. وهي تتفوق في عدد الأطفال الذين استشهدوا وفي عدد البيوت التي دمرت، والجنود الإسرائيليين الذين ماتوا فيها، ولكن مصيبتها الكبرى أنها تحصل أمام العالم كله، وهو لا يفعل شيئاً، بل ينظر إلى أعداد المرتقين من الشهداء على أنهم مجرد إحصائية رسمية، ولربما تقوم مؤسسة "غينيس" بمنح جوائز على الأرقام القياسية التي سجلتها هذه الحرب اللاإنسانية.
ويذكرني وزير الدفاع الأميركي "لويد أوستن" بالجنرال الأميركي الأبيض "جورج أرمسترونج كستر" قاتل القبائل الحمر والمحارب في الحرب الأهلية. والذي قتل وهو في السادسة والثلاثين من عمره في موقعة "ليتل بيغ هورن" بعدما قام بمذابح ضد قبائل "الكرو" ( Crow) الهنود.
يبدو أن كلا الاثنين مع اختلاف اللغة والأسلوب يحملان نفس المنهجية والمعتقد القتالي وهو "اقتل قدر ما تستطيع" حتى يتعلم هؤلاء الضحايا درساً لن ينسوه.
ولقد كان الهدف الأميركي هو التوسع في الاستيلاء على الأراضي غرب الولايات المتحدة لما فيها من ذهب ومعادن ومناطق رعي شاسعة، ولذلك وضعت القبائل الهندية بعد خسارتها في معسكرات أو محميات "Reservations"، حيث يعزلون عن البيض ( أبارتهايد)، ويخضعون بسبب البطالة والشعور بالإحباط والتهميش للشراب والأنواع الأخرى من مخدرات المشاعر والشعور.
هذا ما يصرح به رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" بأنه سيفعله، ولقد وجد في الرئيس الأميركي جو بايدن وأعضاء بارزين في إدارته مثل وزير الخارجية بلينكين، ووزير الدفاع أوستن، ورئيس مجلس الأمن القومي "جيك سوليفان"، والناطق باسم البيت الأبيض "كيربي" من يتحدث بلغة نتنياهو ووزير خارجيته ووزير دفاعه "غالانت" وهم يقولون إنهم يريدون القضاء على حماس وقادتها وقادة المقاومين في الجهاد الإسلامي وفتح الثورة، ويريدون عزل سكان غزة في منطقة مكتظة معزولة قرب رفح. وهم بذلك سوف يسيطرون على موارد الغاز والزراعة في ذلك القطاع.
ولربما تذكرنا أحداث غزة، ونحن على أبواب عام 2024 أن هذه الفترة سوف تشهد انفجاراً في التنبؤات من قبل مشاهير المنجمين والذين تركز على قراءاتهم محطات التلفزة، وبخاصة اللبنانية: ولكن الأهم من هؤلاء عالمياً هو الطبيب الفرنسي ذو الديانة اليهودية عند المولد، والمتحول إلى الكاثوليكية كما فعل والداه.
وقد اشتهر خلال حياته ( 1503-1566) بالطب معالجاً مرض الطاعون، وبالتنبؤات.
وقد أصدر كتابه (Les Propheties) عام 1555، وهو مكون من أشعار رباعية يزيد عددها عن التسعمائة، وكلها تنبؤات بعيدة المدى. وقد فسرت بعض أشعاره أنها تنبأت بنابليون، وهتلر، والحرب العالمية الثانية.
وبعضهم يذهب ليقول إنه تنبأ بالكوارث الطبيعية التي نشهدها اليوم، وبحرب بين المسلمين والعالم تنتهي بانكسار المسلمين الذين يقودهم رجل أسود العمامة ( آية الله).
وهناك مواقع كثيرة تحمل اسم "نوستراداموس" وقد تنبأ أحدها أن العام 2024 لن يكون عاماً جيداً، بل ستكثر فيه الكوارث الطبيعية والحروب، والمجاعات والنيران.
وقد ذهب هذا الموقع إلى الحد الذي توقع فيه اختيار بابا جديد للفاتيكان، واحتمالات تولي الأمير هاري وليس الأمير وليام مكان أبيه الملك شارلز الثالث.
لا أدري ماذا ستكون توقعات ليلى عبداللطيف أو ميشيل الحايك أو الفلكي العبقري في مكان ما، ولكنها كلها تبنى على معلومات وجميعهم يذكرنا بالتنبؤات الناجحة.
وفي معظم الأحيان يغفل عند ذكر توقعاته الفاشلة، ولكن يبدو أن هؤلاء الفلكيين يحصلون على منح وهدايا ويجنون ثروة مما يسمونه "بصيرتهم" أو "مَلَكتهم" لاختراق المجهول، ولا أريد أن أذكر هؤلاء أنهم وصفوا في سورة الفلق "النفاثات في العقد" أو كلمة "كذب المنجمون ولو صدقوا" وادعاء علم الغيب في الإسلام واستخدامه منكر كبير.
ولذلك نسمع المنجمين المحدثين وهم يقولون إن ما ينشرونه هو توقعات من المعلومات التي حصلوا عليها. والسعي لقراءة المستقبل على أساس علمي مقبول.
وعليه فإن بعضهم يقول "إنه قد يخطئ لأنه لا يتوقع ما سيحصل، ولكن يقرأ ما سيحصل" وإليكم الآن توقعاتي.
في ظل الذكاء الكبير الذي أبداه وأظهره قادة المقاومة في غزة. ومن قراءة الصمود الأسطوري لأهل غزة الأشاوس البررة، فإن قوانين الطبيعية التي سنها الله تعالى تقول "إن غزة لن تهزم، وإن نتنياهو ربما يفقع ويموت قبل أن تنتهي الحرب".
وسوف تنتهي معه حكومته، وستجرى انتخابات تشريعية في إسرائيل وستأتي حكومة ائتلافيه ضعيفة والتي ربما ستدخل إسرائيل معها في حالة قلق وإرباك سياسي كبير.
ولن ترضى المقاومة بتبادل الأسرى بالمساجين اليهود إلا بعد أن توقف الحرب، ويخرج جنود العدو من أراضي غزة إلى أماكن قريبة.
أما العملية السياسية التي ستأتي عند انتهاء الحرب طالت أم قصرت، والتي ينادي بها القادة العرب من أجل الوصول إلى حل نهائي فإنها لن تأتي بالسرعة المرجوة، وذلك لأنها ستبقى الكارت الأساسي بيد إسرائيل لكي تستخدمه في الضغط. ولكن الحكومة الإسرائيلية بعد هذه الحكومة قد تسعى للدخول في حرب واسعة لكي تبرر لنفسها وتمارس قوتها أمام الإسرائيليين المرعوبين.
ولذلك، هناك احتمالية أخرى لاستقبال حرب جديدة.
لن يربح أي من مرشحي الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة اللذين يبدوان وكأنهما الأقوى، وهما دونالد ترامب وجو بايدن. وأرشح أن الأول سيمارَس عليه ضغط لكي يسحب ترشيحه، وأما بايدن فسوف يفقد العنصر الأساسي لاستمرار حملته الانتخابية وهو التصدي لمنافسه الجمهوري ترامب وتضييق فرص نجاحه.
وسوف يتوسع العالم تدريجياً في البحث عن وسائل للتبادل بعيداً عن الدولار، أو بعبارة أخرى سوف يتبنى كثير من دول العالم مفهوم "اللادولرة Dedollarization"، وسيدفع هذا الأمر أميركا لزيادة أسعار الفوائد.
ولذلك، فإن من المحتمل إذا قامت حرب جديدة في البحر الأحمر والمحيط الهندي (بحر العرب) ومضيق هرمز أن ترتفع أسعار الشحن للبضائع والنفط وغيرها من السلع مسببة ضغوطاً تضخمية.
أما على مستوى التنبؤات في العالم العربي، فسوف تتوتر العلاقات بين مصر وإثيوبيا خصوصاً إذا استمر رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، في عناده وإصراره على ملء سد النهضة بالمياه، ولربما نشهد كارثة فيضانات سيكون وبالها الأكبر على السودان.
وسنرى كذلك زيادات في التوتر داخل العراق وسورية. ولربما تمارس ضغوط وتنفذ برامج تآمرية على وحدة البلدين وإعلان بعض المناطق فيهما مناطق حكم ذاتي في شمال كل دولة وغرب العراق وجنوب سورية.
سيحدث في العالم كثير من الكوارث الطبيعية، والتي سيصيب بعضها منطقة فلسطين التاريخية، وسيضر كثيراً من القاطنين في إسرائيل ويدفعهم للهجرة.
سيشهد العالم مزيداً من الحروب الإقليمية والنزاعات وسنرى تحولات في العلاقات الأوروبية الروسية نحو الأفضل، ومنافسات حادة بين أضلاع القوى العظمى الثلاث وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا مع أوروبا، وسنرى مساعي للتقارب بين الكوريتين.
هذه قراءاتي دون أن أقول إن هوة الفقر في الوطن العربي سوف تتوسع على حساب الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة.