عام على قانون "قيصر"

24 يناير 2021
السوريون يواجهون اليوم أزمة جوع لم يسبق لها مثيل (فرانس برس)
+ الخط -

لم يخنق قانون قيصر بشار الأسد، حتى الآن على الأقل، كما وعد الأميركيون وصدّق الحالمون، بل بجردة حساب لعام مضى، وربما على الصعد جميعها، نرى أن المواطن السوري "المسكين" هو من دفع الثمن المباشر، من جوعه وبرده وحتى كرامته، وتعمّقت الأزمة السورية وزاد الخراب، على المدى البعيد.

كأن 21 ديسمبر/ كاون الأول 2019، أي قبل نحو عام تقريبا، يمر كشريط سينمائي أمام جلّ السوريين، يوم وقع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب قانون قيصر، ومن ثم ألحقه في 17 يونيو/ حزيران 2020، بأول حزمة عقوبات، لتتعالى الآمال إلى حدود إنهاك نظام الأسد وانهياره.

ورغم غلبة التمريرات الإنشائية والفتوحات القولية على القانون، بحسب ما تقتضي الرواية الأميركية، إلا أن توقعات أكثر المحبطين يومذاك، لم تصل إلى نهاية الشريط، التي نراها اليوم، من مزيد قوة أو استقواء لدى نظام بشار، واستمرار التجويع والتفقير لعموم السوريين.

وينسب قانون قيصر إلى الاسم الحركي لمصور كان يعمل بالطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري، وانشق عنها واتجه إلى فرنسا وبحوزته آلاف الصور لضحايا مدنيين سقطوا تحت التعذيب في سجون المخابرات التابعة لنظام الأسد بين عامي 2011 و2013.

ووصل، المصور قيصر، في يوليو/ تموز 2014 إلى الكونغرس الأميركي وأدلى بشهادته وعرض 55 ألف صورة، لكن قانون المعاقبة لم يصدر، كما الآمال في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، رغم مصادقة مجلس النواب وإحالته إلى مجلس الشيوخ، والعذر وقتذاك، أنه مدرج ضمن سلة قوانين تتعلق بالشرق الأوسط، ما اضطر لفصله وإلحاقه بمشروع موازنة الدفاع الأميركية، ليلقى النور في ديسمبر/ كانون الأول 2019.

موقف
التحديثات الحية

وينص القانون على فرض عقوبات على كل من تورط في جرائم حرب ضد الشعب السوري، وكل من يبيع طائرات أو يقدم الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات المهمة التي تسهل أو توسع الإنتاج النفطي أو الخدمات ذات الصلة التي تستخدمها القوات العسكرية التابعة للنظام، ويعاقب أيضاً من يقدم "الخدمات الإنشائية أو الهندسية للحكومة السورية"، والخدمات المتعلقة بالإعمار.

أي، بمعنى بسيط، قطع كل سبل دعم النظام ليبقى على كرسي أبيه، خاصة بعد أن طاولت حزم القانون اللاحقة، أركان النظام والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، وبمقدمتها المصرف المركزي.

ولكن، عملياً وعلى الأرض، ما الذي حدث؟! من دون الانسياق وراء تصريحات المنابر وقرارات القمم والاجتماعات. فبشار الأسد لم يزل رئيسا لسورية ولم يزل يتدفق إليه نفط إيران وقمح روسيا، بل وقع بعد قانون قيصر، عشرات الاتفاقات، مع حليفيه بحربه على حلم السوريين، وزاد عليهما بحملة مبكرة لترشحه لفترة رابعة على كرسي أبيه.

في المقابل، ما الذي حدث للسوريين الذين أكد ترامب وسواه من المؤيدين، لمقولة أن العقوبات تسقط الأنظمة المستبدة، أن الشعب بمنأى عن العقوبات، بل وسيحصد السوريون الرخاء والحرية، ولو بعد حين.

وليأخذ الطرح بعده الرقمي التوثيقي، سنأتي تدليلاً على مؤشرين اثنين، الأول لمركز بحثي من دمشق والثاني أممي صادر عن برنامج الأغذية العالمي.

يقول مركز "قاسيون" في دمشق إن تكاليف معيشة الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص، ارتفعت من نحو 330 ألف ليرة سورية في نهاية عام 2019 إلى 660 ألف ليرة نهاية الربع الثالث من عام 2020 لتصل إلى نحو 732 ألف ليرة مطلع العام الجاري.

وإن لم نخض عميقاً في أسباب زيادة الإنفاق الذي يرافقه تثبيت الدخل، عند متوسط أجور 60 ألف ليرة، يكفي أن نشير إلى أن الليرة السورية تراجعت مقابل الدولار، من نحو 900 ليرة حين دبّج ترامب توقيعه للقانون، إلى نحو 2900 ليرة اليوم، وزادت الأسعار بنحو 332% خلال العام الماضي.

وأما المؤشر الأممي الثاني، فيقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إن أكثر من 8 من كل 10 سوريين يعانون من الفقر. ويقدر صندوق الأغذية العالمي أن 9.3 ملايين شخص داخل سورية، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

ودعمت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في جنيف، إليزابيث بيرز، تلك المآسي بقولها: إن السوريين يواجهون اليوم أزمة جوع لم يسبق لها مثيل، حيث تصل أسعار الأغذية الأساسية، إلى مستويات غير مسبوقة. ليتبعها بيان لبرنامج الأغذية العالمي، بأن حوالي 9.3 ملايين سوري يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 1.4 مليون في الأشهر الستة الماضية وحدها، أي بعد صدور الحزمة الأولى لقانون قيصر.

نهاية القول: على الأرجح، فإن للعقوبات الأميركية والأوروبية بشكل عام، وقانون قيصر على وجه التخصيص، ثنائية تأثير.

الشق الأول، أن العقوبات والحصار يدفع ثمنها الأكبر، الشعب وليس الحكام، كما أنها لا تسقط أنظمة، على الأقل بالسرعة التي يتوقعها المنتظرون، ولنا بالعقوبات على ليبيا في عهد معمر القذافي وعراق صدام حسين وكوريا الشمالية كيم جينغ أون وكوبا كاسترو وغيرهم الكثير الكثير، أمثلة، بل ربما، استفاد هؤلاء المستبدون من العقوبات والحصار، فرفعوا من نبرة الشعارات وادعاءات الاستهداف والمؤامرة، فآلفوا حولهم شعوبهم، أو بعضها على الأقل.

ولكن بشق الثنائية الآخر، وليستوي القول على الأقل، لا يمكننا التنكر لآثار قانون قيصر على نظام الأسد، فتلك العقوبات وما تمخض عنها من إحجام لشركاء وحلفاء وإيقاف لمشاريع ورشى، بمقدمتها ربما كعكة خراب سورية التي تسمى إعادة الإعمار، أوقعت نظام الأسد بمطبات أبعدت، حتى أقرب حواضنه عنه، رغم المساعي الحثيثة لتأمين إكسير الاستمرار على كرسي الوارث، ولو عبر الحجز على أموال ابن الخال، رامي مخلوف.

وأيضاً، لا يمكن نسب جوع وفقر السوريين لقانون قيصر فقط، رغم أنه دونما شك، زادها وأعطى مبررات للنظام السوري. ببساطة لأن القانون لم يأت على الغذاء والدواء، كما أن نسبة فقر السوريين، قبل التوقيع وإصدار حزم قيصر، كانت العليا عالمياً.