تمر سورية بعام صعب تواجه فيه شح المياه وجفافا هو الأسوأ منذ نحو 70 سنة، إذ امتدت الأضرار من الزراعة وتلويث البيئة إلى نقص حاد في مياه الشرب.
وكانت ملامح أزمة المياه قد بدأت من العاصمة السورية دمشق، نظراً لزيادة عدد السكان ومحدودية الموارد المائية، إذ أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بدمشق وريفها قبل أيام، بدء تطبيق برنامج تقنين المياه بين 10 و12 ساعة يومياً.
وفي حين ادعى مدير الصيانة والاستثمار بالمؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي محمود زلزله، خلال تصريحات صحافية مؤخراَ، أن غزارة نبع عين الفيجة حالياً تغطي أكثر من 90 بالمئة من حاجة سكان المدينة، وأن برنامج التقنين "جاء نتيجة الاستخدام الزائد والجائر للمياه"، يؤكد العامل السابق بوزارة الري السورية، المهندس محمد علي، لـ"العربي الجديد"، أن منسوب مياه نبع الفيجة بمنطقة وادي بردى، تراجع "تقريباً إلى النصف"، ما أدى لانخفاض المياه الواردة إلى المؤسسة.
ويختصر على وضع المياه في سورية "بالكارثة الكبرى" لأنها تتجاوز الضرر الزراعي والتلوث البيئي وانخفاض مستوى المياه الجوفية ومخزونات السدود إلى أن معظم السوريين لن يجدوا مياهاً للشرب خلال الصيف المقبل.
ويشرح المهندس السوري أن "سكان العاصمة السورية وريفها يستهلكون نحو 11 متراً مكعباً بالثانية من المياه، بعد الكثافة السكانية بدمشق، ولا يتجاوز إنتاج النبع هذه الفترة 9 أمتار مكعبة كل ثانية، ما يعني أن مياه الفيجة لا تكفي لاستهلاك السكان من مياه الشرب، الأمر الذي يدفع مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي لتغذية الشبكة من مياه آبار، ولم يعد هناك فائض كبير ليرفد نهر بردى، وسيرى الجميع جفاف النهر خلال شهرين".
ولم يخف وزير الزراعة بحكومة بشار الأسد حسان قطنا مخاوف بلاده من الجفاف وأثر قلة المياه على الزراعة ومياه الشرب، إذ يؤكد أن تراجع الهطول المطري أدى إلى هبوط المياه المخزنة في السدود إلى نسبة 52% وانخفاض المياه الجوفية إلى حدود حرجة وخروج المساحات المزروعة بعلاً (الري)، وبالتالي "خرجت مجمل الأراضي المزروعة بعلاً بالقمح (700 ألف هكتار من أصل 800 ألف)، في حين كانت خطة الوزارة هي زراعة مليون و550 ألف هكتار".
ويشير الوزير السوري خلال تصريحات صحافية، إلى أن الأولوية هي لمياه الشرب وتأمينها للسكان، فيما راجعت الوزارة الخطة الإنتاجية للزراعات الصيفية وعدّلتها وخفضت المحاصيل الزراعية الشرهة للمياه كالقطن بمساحة 20 ألف هكتار، أي بنسبة 30%، مؤكداً أن "سورية تواجه أخطر عام من ناحية انخفاض معدلات الهطولات المطرية والجفاف والتغيرات المناخية منذ عام 1953"، لأنه جاء على كافة المحافظات في حين واجهت البلاد جفافاً مشابهاً في أعوام 1999، 2008، و2018، ولكنه أتى على محافظات محدودة فقط.
وتابع أن تراجع منسوب نهر الفرات لأول مرة إلى ما دون 5 أمتار مكعبة بالثانية زاد من مخاطر قلة مياه الشرب بمدن شمال شرق سورية وحلب، إضافة إلى تراجع الإنتاج الزراعي بمدن الرقة ودير الزور وانقطاع التيار الكهربائي بمدن شمال شرق سورية جراء تراجع مخزون المياه في بحيرتي سدي تشرين والفرات وإخراج معظم محطات توليد الكهرباء المقامة على السدين من الخدمة.
وتنص الاتفاقية الموقعة بين سورية وتركيا عام 1987، على إطلاق تركيا 500 متر مكعب في الثانية، ليتقاسمها العراق وسورية (العراق 58 بالمئة من مياه الفرات مقابل 42 بالمئة لسورية)، لكن تراجع منسوب المياه بنهر الفرات، بحسب الرواية التركية، جاء بسبب الجفاف وتراجع الهطول المطري جنوبي البلاد.
ونفت مصادر رسمية تركية سابقاً، متحدثة لـ"العربي الجديد"، قطع تركيا المياه بشكل متعمد أو بناء على أبعاد سياسية، مؤكدة أن ما جرى هو نقص حاد في هطول الأمطار نتج عنه جفاف شديد ضرب الأراضي التركية قبل السورية. وقال تقرير نشره أخيراً موقع "world politics review" نقلاً عن بيانات الأمم المتحدة، إن حوالي 15.5 مليون سوري، أي أكثر من 90 بالمائة من السكان، يفتقرون إلى مصادر مياه الشرب الآمنة، ما يزيد من مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المعدية.
وحسب مراقبين، فإن سورية تحتاج إلى 23 مليار متر مكعب سنوياً لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000 متر مكعب للفرد في السنة لكل الأغراض. ويحذر مراقبون من تراكم الآثار السلبية على العديد من القطاعات في ظل العجز الحكومي عن التعامل مع التغيرات المناخية.
ودفعت مخاطر شح المياه في سورية، التي تعتبر بلد الأنهار (الفرات، دجلة، العاصي، السن والكبير الشمالي)، برئيس الوزراء في حكومة بشار الأسد حسين عرنوس إلى تقديم حل مشاكل المياه كرشوة لمدينة السويداء التي زارها، السبت الماضي، ضمن حملات الترويج لاعادة انتخاب بشار الأسد بقوله: "أُضيفت خمسة مليارات ليرة لاعتمادات محافظة السويداء لدعم مشروعات مياه الشرب والموارد المائية".