عاصمة جديدة في صحراء مصر: انتقادات واسعة لأولوية الإنفاق

14 نوفمبر 2021
عمال في موقع بناء مقرات حكومية بالعاصمة الإدارية الجديدة (Getty)
+ الخط -

قصر رئاسي على أحدث طراز، حي حكومي يضم كل الوزارات، مقر للبرلمان، حي مال وأعمال، أوبرا جديدة، مدينة رياضية، مناطق سكنية وحدائق وباحات فسيحة... تنبثق وسط الصحراء إلى شرق القاهرة عاصمة جديدة "للجمهورية الثانية" التي يطمح إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بينما ينتقد أساتذة تخطيط حجم الإنفاق الضخم على المشروع وارتفاع ديون البلاد، مؤكدين أنه كان من الأجدر توجيه هذه المبالغ نحو الارتقاء بنوعية الحياة في المدن الإقليمية بدلاً من أن "يخلد الرئيس اسمه ببناء عاصمة جديدة".

كان جامع الفتاح العليم وكاتدرائية الاقباط الأرثوذكس التي يحاكي شكلها المعماري الكاتدرائية القديمة بحي العباسية في قلب القاهرة، أول ما تم افتتاحه عام 2019 في العاصمة الجديدة التي ستصبح خلال فترة وجيزة قد لا تتجاوز عاماً واحداً مركز الحكم في مصر.

كان مقرراً أن يتم الافتتاح التجريبي للعاصمة الجديدة، التي لم يعرف بعد إن كان سيتم إطلاق اسم عليها مستقبلاً أم لا، في 30 يونيو/ حزيران الماضي، ولكن أعمال الانشاءات تأخرت بسبب جائحة فيروس كورونا، فيما تقرر أن يبدأ انتقال الموظفين إليها تدريجياً اعتباراً من ديسمبر/ كانون الأول المقبل وستبدأ الحكومة المصرية العمل هناك "لفترة تجريبية مدتها ستة أشهر"، بحسب المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي.

وكرر الرئيس المصري في مناسبات عدة أن افتتاح العاصمة الجديدة سيكون إيذانا بـ"ميلاد دولة جديدة" و"جمهورية جديدة". وبعد شهور من وصوله للحكم، أعلن السيسي في مارس/ آذار 2015 عن إنشاء العاصمة الجديدة، ثم قرر تباعا إنشاء عدة مدن جديدة في مناطق مختلفة، شمالاً على ساحل المتوسط في منطقة العلمين (230 كيلومتر من القاهرة) وفي قلب دلتا النيل إلى جوار مدينة المنصورة (على بعد 110 كيلومترات) وجنوبا (قرابة 700 كيلومتر) حيث بدأ تشييد مدينة أسوان الجديدة.

ولكن العاصمة الإدارية تبقى "أكبر مشروع في كل مشاريع الدولة المصرية"، بحسب المتحدث باسم الشركة التي تشرف على تشييدها خالد الحسيني.

وهي تهدف، وفقا له، إلى معالجة مشاكل القاهرة التي يزيد عمرها على ألف عام ويقطنها 21 مليون مواطن يمثلون 20% من إجمالي المصريين وتعاني من اختناقات مرورية شبه دائمة.

على بعد 50 كيلومترا من قلب القاهرة و25 كيلومترا من ضاحية التجمع الخامس الراقية التي تضم أهم مراكز التسوق وأبرز الجامعات الخاصة في مصر، تم اختيار مكان العاصمة الجديدة "لتكون قريبة من مجتمع عمراني ولتكون امتدادا للعاصمة المصرية (ولكن) مخططا ومنظما بشكل جيد ويجمع السلطتين التشريعية والتنفيذية"، وفق ما أوضح الحسيني شارحا أن العاصمة الجديدة ستقام على ثلاث مراحل لتبلغ مساحتها الاجمالية 730 كيلومترا مربعا.

وقال إن المرحلة الأولى "تقام على 250 كيلومترا مربعا وستستوعب قرابة مليوني مواطن" وستضم جامعات ومدارس ومستشفيات. وبدأت كبريات شركات العقارات منذ بضع سنوات بناء الأحياء السكنية في العاصمة الجديدة كما ازدادت كثافة حملات التسويق للشقق والفيلات فيها من خلال عروض تقسيط تصل الى أكثر من 10 سنوات، وهو أمر لم يكن معتاداً في مصر.

والأهم بحسب الحسيني، أنها ستكون "مدينة ذكية، ما يعني باختصار أنها توفر حياة أفضل للمواطن من خلال أدوات وبرامج (تكنولوجية حديثة) تشمل مستشعرات للبيئة ولأحوال الطقس وكاميرات مراقبة وتربط كلها بمركز تحكم وسيطرة أمني".

ولأن الوصول إليها والخروج منها سيكون أهم عوامل نجاحها، خصوصا أن قرابة 50 ألف موظف سيعملون بها في البداية "ولكن العدد سيتضاعف في غضون 3 سنوات"، وفق المسؤولين المصريين، كان لا بد من إنشاء شبكة طرق ومواصلات بلغت كلفتها عدة مليارات من الدولارات وشملت قطاراً كهربائياً يربطها بأحياء شرق القاهرة، ومونوريل (ترام معلق على أعمدة) يربطها بوسطها.

وشيدت السلطات وحدات سكنية لموظفي العاصمة الإدارية والعاملين فيها في مدينة بدر، التي تبعد 15 كيلومترا فقط عن مقار أعمالهم الجديدة وسيربطها القطار الكهربائي بالعاصمة الجديدة اعتباراً من نهاية الصيف المقبل.

ولكن العاصمة الجديدة تواجه انتقادات عديدة، موجهة خصوصا إلى "أولويات" إنفاق الدولة التي تعكس، بحسب استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، "رؤية لما يسمى التحديث تقوم على نقل مظاهر الحداثة الغربية الى مصر، أي أن تكون لدينا أبراج وطرق واسعة وتكنولوجيا متقدمة".

غير أن التحديث على حد قوله "يعني بالأساس أن تكون هناك حكومة مسؤولة أمام شعبها، ويعني توفير تعليم جيد لغالبية المصريين".

ويضيف أستاذ العلوم السياسية أن شبكة الطرق التي ستخدم العاصمة الجديدة تحمّل موازنة الدولة تكاليف مرتفعة "والسؤال ما أولوية هذا كله مقارنة بالتعليم"، مشيرا إلى تصريح أخير لوزير التعليم طارق شوقي أكد فيه أن "لدينا عجزاً في أعداد المدرسين بلغ 250 ألف مدرس".

ووفق بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ارتفع الدين الخارجي للبلاد بقيمة 14.3 مليار دولار خلال العام المالي 2020-2021، المنقضي في يونيو/حزيران الماضي، ليصل إلى 137.85 مليار دولار، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 11.57%.

وتقول أستاذة التخطيط العمراني في الجامعة الفرنسية جليلة القاضي "في الحقيقة العاصمة الإدارية بالنسبة لي لغز كبير لأنها قبل أن يسكنها أحد أصبحت على مشارف القاهرة، وفي غضون سنين قليلة ستلتحم بها وستزيد من مشاكل إدارة تجمع بشري بهذه الضخامة"

وتشير الى أن دولا أخرى حلت مشكلات عواصمها المكتظة "بطرق مختلفة منها الارتقاء بنوعية الحياة في المدن الإقليمية واتباع منهج اللامركزية في توزيع الأنشطة والخدمات للحد من عوامل الطرد والهجرة للعاصمة".

وتضيف: "لا أحبذ فكرة إنشاء العاصمة الجديدة على الرغم من أن تاريخ مصر يزخر بالعواصم الإدارية التي أنشئت بغرض أن ينعزل الحاكم عن الشعب هو وحاشيته أو لأسباب سياسية أخرى".

وأما مصطفى كامل السيد، فيرى أن "كل رئيس لمصر يريد أن يخلد اسمه، عبد الناصر اسمه يرتبط بالسد العالي، السادات بحرب 1973 والرئيس عبد الفتاح السيسي يريد أن يذكره التاريخ، ونقل مقر الحكم من القاهرة يمكن أن يخلد اسمه".

(فرانس برس)

المساهمون