قرر كثير من شركات الطيران المدني حول العالم تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل على خلفية تداعيات الحرب في غزة وعلى الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، إلا أن شركة طيران الاتحاد الإماراتية أعلنت أنها مستمرة في تسيير رحلاتها إلى إسرائيل مع إقراراها بعدم جدوى تلك الرحلات اقتصاديا في الوقت ذاته، ما أثار علامات استفهام عديدة حول طبيعة قرار الشركة ومدلولاته.
ومنذ توقيع اتفاقية "إبراهام" للسلام، جرى تسيير أول رحلة طيران تجارية مباشرة بين تل أبيب وأبوظبي في 31 أغسطس/آب 2020، وحملت طائرة العال الإسرائيلية وفداً رسمياً إسرائيلياً وشخصيات أميركية، وخلال العامين الماضيين فقط زار نحو 450 ألف سائح إسرائيلي دولة الإمارات، حسب بيانات رسمية، ما قدم مؤشرا على جدوى اقتصادية استندت إليها حالة "توسيع" اتفاقيات التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.
وكانت شركة طيران الإمارات، أعلنت في 27 يوليو/تموز 2021، اعتزامها تعزيز خدماتها بين دبي وتل أبيب بإطلاق رحلة يومية ثانية اعتباراً من 30 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
كما وقعت الحكومة الإماراتية اتفاقيات اقتصادية مع نظيرتها الإسرائيلية، تتعلق بالحماية والتشجيع المتبادل للاستثمارات، والتعاون في مجال الطيران المدني، والإعفاء من التأشيرات، والتعاون في مجال العلوم والابتكار.
لكن الجدوى الاقتصادية من رحلات الطيران المدني لم تعد قائمة في وقت الحرب الإسرائيلية على غزة، في ظل التراجع الكبير في عدد المسافرين، ما أدى إلى إعلان العديد من شركات الطيران وقف رحلاتها إلى الدولة العبرية، بينها شركة "طيران الإمارات"، التي أعلنت، في بيان، تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل حتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
أبعاد جيوسياسية
يشير الخبير في الاقتصاد السياسي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن خطوط شركة الاتحاد الإماراتية بدأت رحلاتها إلى تل أبيب في إبريل/نيسان 2021، أي بعد 8 أشهر من توقيع اتفاق إبراهام لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، ورغم الحرب في غزة تواصلت رحلات الشركة إلى الدولة العبرية، لاعتبارات خاصة بسياسة إمارة أبوظبي تحديدا.
وأوضح أن الرئيس التنفيذي لطيران الاتحاد، أنطونالدو نيفيس، صرح بأن الشركة ملتزمة بمواصلة رحلاتها إلى إسرائيل "رغم تراجع الطلب على تذاكر السفر"، لإرسال رسالة مفادها أن "الشركة لا تحركها الأرباح فقط"، بينما علقت شركة طيران الإمارات رحلاتها حتى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، "بقرار من حكومة إمارة دبي".
ويرى إسماعيل أن الموقف الرسمي لحكومة الإمارات هو الالتزام بالروابط الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل رغم حرب غزة، ورغم دعوة أبوظبي لوقف إطلاق النار، إذ تنظر للاتفاق الإبراهيمي كمنصة للتفاهم والتقارب والاستقرار والأمن والرخاء الاقتصادي للمنطقة كلها.
ويشير الخبير في الاقتصاد السياسي إلى أن الغرب يرى أن الإمارات تواجه تحديا بحفظ التوازن بين علاقاتها مع إسرائيل ومع بقية الدول العربية، خاصة أن العلاقة مع إسرائيل تحظى بمباركة واشنطن، بينما تواجه تنديدا شعبيا بالعالم العربي.
وبعيدا عن الروابط التجارية ومشاريع الطاقة التي وصلتها الإمارات مع إسرائيل، ينوه إسماعيل إلى أبعاد جيوسياسية لعلاقة الدولتين، تتعلق بمواجهة إيران، ولذا فإن "الجدوى الاقتصادية لن تثني الإمارات عن الاستمرار في سياستها تجاه تل أبيب"، حسب قوله.
ومن هنا يمكن قراءة مواصلة طيران الاتحاد رحلاتها إلى تل أبيب رغم أن الطلب ليس قويا كما كان قبل اندلاع حرب غزة، حسب إسماعيل، الذي يتوقع استمرار وتوسع المصالح الاقتصادية المشتركة بين الطرفين، لتشمل تعاونا قويا في مجالات الطاقة والتقنية الرقمية.
دوافع غير اقتصادية
يؤكد الخبير في الاقتصاد السياسي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن أسباب قرار شركة طيران الاتحاد "سياسية" بوضوح، ولا علاقة لها بأي جدوى اقتصادية، بدليل وقف العديد من شركات الطيران حول العالم رحلاتها إلى إسرائيل.
ويشير الشوبكي، في هذا الصدد، إلى ما سبق أن صرح به وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، بـ "العزل بين السياسة والاقتصاد في التعامل مع إسرائيل"، ما يؤشر إلى الإصرار الإماراتي على الاستمرار في العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل.
ويلفت الخبير في الاقتصاد السياسي إلى أن خطوة طيران الاتحاد ستكبدها خسائر كبيرة في رحلات الاتجاه من الإمارات إلى إسرائيل، في ظل الانخفاض الكبير بعدد المسافرين، لكن الأمر ليس على الشاكلة ذاتها في الاتجاه المعاكس.
فكثير من الإسرائيليين الآن يسافرون إلى تركيا وقبرص والإمارات هروبا من الأثر المحتمل للحرب وانعكاساتها، وريثما تهدأ الأوضاع في إسرائيل، أو هربا من طلب الاحتياط، الذي سعت إليه إسرائيل في الأيام الأولى من إعلانها العدوان على غزة، حسب الشوبكي.
غير أن خسارة أخرى تواجه شركات الطيران التي تواصل رحلاتها إلى إسرائيل، تتمثل في تكبدها لخسائر تأمينية، فبغض النظر عن إقرار هدنة مؤقتة، يظل الطيران إلى مطار بن غوريون والمطارات الإسرائيلية مغامرة معرضة بأي وقت لرشقات صاروخية من المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فإن شركات الطيران تغامر بمسافريها وطائراتها في هذه الأجواء الخطرة، ما يرفع من كلفة التأمين، وبالتالي يقلل من الجدوى الاقتصادي للرحلات.
يشار إلى أن الإمارات وقعت اتفاقا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في 15 سبتمبر/أيلول 2020، ومذ ذلك الحين توسعت الدولة الخليجية إلى حد بعيد في إبرام اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدولة العبرية.