يوم الأربعاء الماضي، خرجت علينا وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، بتصريح لافت قالت فيه إن الأوضاع الأمنية الحالية القائمة في إسرائيل تربك نمو الاقتصاد الأميركي للعام الجاري، وتثير مزيدا من المخاوف بشأنه، وإنها لا تزال تتوقع تباطؤا للاقتصاد.
وهنا تتفق يلين مع الآراء الصادرة هذا الأسبوع عن كبار مسؤولي المؤسسات المالية الدولية ومنها صندوق النقد والبنك الدوليان والبنك المركزي الأوروبي وغيرها، والتي تؤكد أن الحرب الدائرة حاليا بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية باتت تهدد الاقتصاد العالمي الضعيف، الذي لم يتعافَ بعد من آثار جائحة كوفيد-19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والمخاطر الجيوسياسية والتضخم وغيرها من الأزمات.
لكن قد يسأل البعض: ما علاقة الاقتصاد الأميركي، الذي يحتل المرتبة الأولى بين اقتصادات العالم وواسع الإمكانيات، بما يجري داخل دولة الاحتلال التي يخوض جيشها حربا شرسة ضد المقاومة الفلسطينية؟
وهل ما يجري داخل منطقة الشرق الأوسط من حرب ساخنة يمكن أن يسبب إرباكا للاقتصاد الأميركي الضخم ويعجل بدخوله مرحلة الركود؟، وهي الحالة التي عملت الإدارة الأميركية وبنك الاحتياطي الفيدرالي على تفاديها بقوة وبكل الطرق خلال الأشهر الماضية بسبب مخاطرها الشديدة على الاقتصاد والأسواق والمواطن ومعدلات النمو والبطالة، بل وعلى الأسواق والاقتصاد العالمي.
والإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها تكمن في أن الحرب الحالية تسببت بحدوث زيادة في أسعار النفط والغاز، لدرجة أننا بتنا على مقربة من سعر 100 دولار للبرميل، كما رفعت الحرب الطلب على منتجات الطاقة والخام الأسود بما فيه النفط الروسي.
وهذه الزيادة ستؤدي مباشرة إلى ارتفاع أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار ومعهما الغاز الطبيعي والمازوت، وهذه الزيادة ترفع كلفة المعيشة والأسعار داخل أسواق الولايات المتحدة، وترفع معها معدل التضخم مرة أخرى، وتزيد كلَف النقل والمواصلات وإيجارات السكن وفواتير الكهرباء والمياه وغيرها.
هذه الزيادات غير المتوقعة في التضخم تقود مباشرة إلى الضغط على المواطن الأميركي، وتأنّي البنك المركزي الأميركي في تنفيذ خطة خفض أسعار الفائدة وتقليل كلفة القروض المصرفية، لأن خطر التضخم لا يزال قائما مع زيادات متوقعة في أسعار النفط والغاز والحبوب والمواد الخام.
الحرب الحالية تسببت بحدوث زيادة في أسعار النفط والغاز، لدرجة أننا بتنا على مقربة من سعر 100 دولار للبرميل، كما رفعت الحرب الطلب على منتجات الطاقة والخام الأسود بما فيه النفط الروسي
وهنا يرتبك الاقتصاد الأميركي الذي كان يستعد لتوديع مرحلة صعبة صاحبتها ارتباكات شديدة في الأسواق وتكاليف المعيشة، وهذه الربكة قد تؤثر في نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة خاصة مع وجود أزمات أخرى أكثر حدة، منها الإضرابات العمالية في قطاع السيارات الحيوي.
أما النقطة الثانية فهي أن الحرب الحالية تلقي بأعباء مالية جديدة على الولايات المتحدة التي سارعت وأعلنت عن تقديم مساعدات مالية وعسكرية ضخمة للاقتصاد الإسرائيلي وقوات الاحتلال، وتاريخيا تُعدّ إسرائيل أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية.
وحتى عام 2023، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل نحو 260 مليار دولار من المساعدات المختلفة، وهذا العبء المالي مرهق في هذا التوقيت مع تفاقم الدين العام، واستمرار حرب أوكرانيا وما تمثله من أعباء ضخمة للميزانية الأميركية والأوروبية، وكلَف محاولة تفادي الاقتصاد الأميركي الانزلاق نحو الركود.
أما النقطة الثالثة فهي أن الحرب الحالية رفعت مستوى المخاطر السياسية والتوتر في منطقة الشرق الأوسط، ومعها ارتفعت كلفة الشحن البحري، والتجارة الدولية، والتأمين ضد المخاطر، وزادت كلفة التأمين على سفن وناقلات النفط والغاز، ترتفع هذه الفاتورة في حال اقترب خطر الحرب من قناة السويس أهم ممر مائي في العالم، أو أثر على تدفق سلع ومنتجات شرق آسيا ودول الخليج نحو الأسواق الغربية بما فيها السوق الأميركي.
والنقطة الرابعة فهي أن الحرب على غزة أدخلت الولايات المتحدة وصانع القرار السياسي والاقتصادي في حيرة، فأي تشديد في العقوبات من قبل الولايات المتحدة على إيران ونفطها، سيترتب عليه حدوث قفزة في أسعار النفط الخام، فإيران باتت لاعبا في سوق النفط بإنتاج 3.4 ملايين برميل يوميا.
وفي حال حدوث هذا التضييق فإن ذلك يضر بالأنشطة الاقتصادية والأسواق داخل الولايات المتحدة، خاصة مع تباطؤ نمو الاقتصاد، ومخاطر الإغلاق الحكومي المتجددة، وتراجع قطاعات حيوية مثل الصناعة والخدمات، وتفاقم الدين العام الذي تجاوز 31 تريليون دولار، واستئناف مدفوعات القروض الطلابية الذي يكلف الموازنة 100 مليار دولار، وارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل، وصدمة أسعار النفط المتواصلة.