حالة من الصدمة تجتاح سكان العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب)، من التناقص المريع في حجم رغيف الخبز وأقراص الروتي المسطحة (نوع محلي من الخبز)، بمقدار نحو الثلثين، وهو ما أجبر كثيرا من الأسر على زيادة مخصصاتها إلى أكثر من الضعف لتلبية احتياجاتها اليومية منه.
ويعبر المواطن غيلان الشعيبي، الذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، بسخط شديد في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن هذه الوضعية التي هي حسب اعتقاده عبارة عن موت بطيء يواجه معظم سكان عدن والذين تطحنهم الأزمات المعيشية أمام مرأى ومسمع الحكومة والسلطات المحلية والمجلس الانتقالي والتحالف والمجتمع الدولي.
وتواصل أسعار رغيف الخبز النحيف وأقراص "الروتي" ارتفاعها التدريجي في عدن وعدد من المدن اليمنية، حيث زاد سعر الرغيف الواحد من 30 إلى 50 ريالا، وهناك مناطق يصل فيها سعر الرغيف الواحد إلى نحو 70 ريالا، فيما يباع في صنعاء بحجم منخفض بنحو 30 ريالا (الدولار = نحو 1500 ريال في السوق السوداء).
ويؤكد تجار ومتعاملون في الأسواق وعدد من ملاك الأفران والمخابز، أن ما يمر به رغيف الخبز في اليمن وضعية طبيعية، نظراً للارتفاعات القياسية التي تشهدها أسعار الدقيق "الطحين" منذ الشهر الماضي.
ويقول عضو الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية في اليمن، محمد غالب، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ارتفاعات في أسعار الغذاء العالمي أثرت كثيراً على السوق المحلي في اليمن، مع ما تشهده أسعار القمح من اضطراب في الأسواق الدولية، إلى الأزمات الداخلية وانهيار العملة المحلية وأزمة الوقود والاختلال الراهن في سلاسل التوريد، كلها عوامل ضاعفت أعباء القطاع الخاص وتكاليف الاستيراد، ناهيك عن كونها تشكل خطرا حقيقيا لكثير من التجار في البلاد وتهدد بقاءهم في الأسواق".
وسجل سعر كيس الدقيق الواحد "50 كيلوغراما" رقماً قياسيا في عدد من المدن اليمنية التي تشهد انهيارا متواصلا للعملة المحلية، بوصوله إلى 40 ألف ريال، بعد أن تأرجح كثيراً خلال الفترة بين 25 و30 ألف ريال.
ويلاحظ بائع مواد غذائية، مروان عبد الولي، لـ"العربي الجديد"، إقدام غالبية الأسر في عدن، خلال الفترة الماضية، على تقنين عملية استهلاكهم، وتلبية احتياجاتهم من الدقيق وغيره من المواد الغذائية مثل السكر والأرز بالكيلوغرام الواحد، إذ زاد سعر كيلوغرام الدقيق من 500 إلى 800 ريال.
وكانت جمعية المخابز والأفران في عدن قد قررت الشهر الماضي، إضافة 10 ريالات إلى سعر قرص "الروتي" المسطح ليصل إلى 40 ريالا، لتفادي الخسائر الكبيرة.
ويؤكد ملاك مخابز أن مكونات صناعة الخبز زادت بنسبة 500% من أسعار المواد الداخلة في صناعة الخبز، إذ إن أسعار الوقود، خصوصاً الديزل المعتمد بدرجة رئيسية في المخابز الآلية التي تتحمل كذلك تكاليف باهظة تفوق قدراتها بنسبة كبيرة.
ويتوقع البنك الدولي أن تضطر الأسر إلى الاختيار بين الاحتياجات الملحة التي يجب إشباعها خلال النزاع، أكثر من أي وقت مضى، ومن المحتمل أن يعمد كثير من الأسر إلى التخلي عن الحد الأدنى من النظام الغذائي المناسب والسكن وعدد من الاحتياجات العاجلة.
ويرى الباحث الاقتصادي مراد منصور، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن كل هذا البلاء الذي يعاني منه معظم السكان في اليمن سببه الرئيسي الانهيار المتواصل للعملة المحلية، في ظل تراكم الأزمات الاقتصادية والمعيشية بالتوازي مع اشتعال معارك فاصلة في محافظة مأرب الاستراتيجية وأجزاء من محافظة شبوة الواقعة جنوب شرقي اليمن.
ويلفت منصور إلى نقطة مهمه برزت مؤخراً والمتمثلة ببعض الإجراءات التي أقدمت عليها السلطات المحلية في عدن، في إطار توجهاتها في ضبط سوق الصرف من خلال استهداف منتجات رئيسية في الأسواق ومنع عملية تداولها لأنها تتبع شركات تجارية من شمال اليمن.
إضافة إلى الإشاعات التي انتشرت مؤخراً والتي تنال من مادة غذائية هي كل ما تبقى في موائد كثير من الأسر اليمنية في معظم مناطق البلاد، بحجة أن هذه المادة وهي الزبادي، منتهية الصلاحية وتسببت بأمراض غذائية لكل من تناولها، وذلك بغرض تمرير منتجات جديدة مشابهة تتبع تجار من محافظات جنوبية، حسب منصور.
واستدعت التطورات الراهنة في الأسواق وانفلات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، عقد اجتماع طارئ للجنة الوطنية الحكومية لتسهيل التجارة برئاسة وزير الصناعة والتجارة عبد الرزاق الأشول، والذي أكد على أهمية مناقشة القضايا ذات الأولوية في نشاط اللجنة خاصة في الظروف الراهنة للبلاد.
ومع استمرار الأزمة الإنسانية، أصبح كثير من اليمنيين يعتمدون على إعانات الإغاثة وتحويلات المغتربين والتي تراجعت بشكل كبير منذ العام الماضي، إضافة إلى تأثَّر النشاط الاقتصادي للقطاعات غير النفطية بتباطؤ حركة التجارة بسبب الجائحة، وأنظمة الازدواج الضريبي في شمال البلاد وجنوبها، وندرة مستلزمات الإنتاج، وارتفاع أسعار السلع الأولية. ويتوقع البنك الدولي أن يشهد الاقتصاد اليمني مزيداً من الانكماش بنسبة 2% في 2021.