احترت في الترجمات المختلفة باللغة العربية لكلمة (Junk) بالإنكليزية. فعندما نقول (Junk bonds) فالترجمة إما السندات التافهة، أو السندات غير المرغوب فيها. وعندما نقول (Junk) على إطلاقها، فإننا نستخدم بالعربية كلمة "نفاية". لكننا عندما نقول (Junk food)، فإنّ الاصطلاح المستخدم هو "الأطعمة السريعة" أو "الوجبات السريعة" "junk meals".
وقد بدأ يظهر على أفق التحليلات الاقتصادية نقاش حاد حول جدوى وعدالة فرض ضرائب إضافية على الوجبات السريعة. فمنهم من يقول إنها ضرورية بسبب الآثار والتكاليف الصحية الناجمة عنها، والتي يتحمل جزء كبير منها القطاع العام، لأنها تسهم في زيادة أعداد المصابين بالسكري، أو أمراض القلب والأوعية الدموية، والسمنة المفرطة، وتراجع الإنتاجية.
أما المستنكرون لفرض هذه الضريبة، فيتمسكون بأن الوجبات السريعة أو التافهة، هي طعام الفقراء ودون متوسطي الدخل، وهؤلاء يشترون تلك الأطعمة بسبب عدم قدرتهم على تناول الوجبات الصحية.
لكن الأرقام المنشورة عالمياً عن قيمة استهلاك الأطعمة السريعة والتافهة قد بلغت عام 2021 ما قدره 648 مليار دولار. ويقدر أنه يرتفع هذا الرقم إلى 998 مليار دولار عام 2028، بمعدل نمو سنوي يبلغ 4.6% سنوياً.
وقد نشرت هذه المعلومات على موقع زيون للأبحاث السوقية (Zion Market Research). وتشمل قائمة الأطعمة وجبات بحرية، وجبات من أميركا اللاتينية، الدجاج، ولا سيما المقلي، الساندويشات، الباستا، والبيتزا. وتعني بالساندويشات الهامبرغر والهوت دوغ خصوصاً، وبالباستا "المعكرونة"، والرافيولي، وأشباهها، وبالأكل اللاتيني التاكو، والانشلادا، والتشيبس، وهذه الأرقام لا تشمل المشروبات الغازية المشبعة بالسكر.
ويلاحظ أن تعريف الأطعمة السريعة يحظى بشعبية كبرى في العالم، حيث إن كل مطبخ، سواء كان صينياً أو هندياً أو يابانياً أو عربياً أو تركياً أو فارسياً أو إيطالياً أو فرنسياً أو آنغلوساكسونياً، صارت تزدهر فيه هذه الأطعمة. ولا يكاد يخلو بلد يتمتع بمطبخ تقليدي إلا صار يسعى لجعل طعامه قابلاً للتحضير المسبق، وتستخدم فيها مواد إضافية (additives) لجعل طعمه أكثر فتحاً للشهية، أو جعله مقدداً أو متفتتاً (crunchy).
وحتى وجبة الأردن الشعبية، وهي "المنسف"، صار اللبن المسمى "الشنينه" يعبأ في زجاجات بدل عملية تكسير الجميد القاسي ومَرْسِه الذي يستغرق وقتاً طويلاً. وصار بدلاً من أن يطبخ في قدور كبيرة، يطبخ في أوعية صغيرة، ويباع جاهزاً. وهذا التطور ليس حكراً على الأردن، فهنالك المقلوبة، والقدرة، والمسخن، أو الوجبات الفلسطينية، وكذلك الأطعمة الشعبية في دول الخليج، التي تعتمد مادة الأرز واللحم أساساً في مكوناتها (الكبسة على سبيل المثال).
ولا أحد يدري حجم الفلافل (الطعمية) التي تستهلك يومياً، وكذلك صحون الحمص والفول التي صارت عالمية، ويدعي الإسرائيليون أنهم أصحابها، دليلاً على سرقتهم للتراث ببجاحة عزّ نظيرها.
ولكن هذه الأطعمة تطبخ بمواد يؤدي استهلاكها المفرط إلى أمراض كثيرة وخطيرة، وقد أجريت أبحاث طبية متعددة في العالم. ومن الأمثلة غير المحدودة على ذلك موقع اسمه (Health Direct) وموقع "H.O.D blog"، وغيرهما. ويعرفون الأطعمة التافهة أو السريعة بأنها الوجبات المعدة مسبقاً وتحتوي على نسب عالية من الدهون، والملح، والسكر. وبعضهم يقدم (12) سبباً لتجنب هذه الأطعمة، وترى موقعاً آخر يقدم عشرة أسباب لذلك.
ونتيجة للأبحاث العلمية، بدأ كثير من الدول بفرض ضرائب يطلق عليها اسم "Junk Taxes" على استهلاك الأطعمة التي تستخدم السكر أو الملح بكميات كبيرة. فعلى سبيل المثال، قدم مشروع للمجلس التشريعي في قطر لفرض ضرائب على المشروبات الغازية، وذلك يعود إلى أن الإحصاءات تشير إلى أن دولة قطر تعاني من أعلى نسب السمنة في العالم (obesity)، وخصوصاً بين الأطفال، حيث تصل هذه النسبة إلى (12%) من السكان.
والملاحظ أن كثيراً من الدول التي تعتمد على السياحة، مثل جزر الهند الشرقية، وجزر البحر الكاريبي، وبعض البلدان السياحية، مثل إيطاليا وسويسرا وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وبعض الولايات الأميركية ( بنسلفانيا) تفرض ضريبة على هذه المشروبات.
وبالطبع، بعض هذه الدول، خصوصاً السياحية الصغيرة، يجد في فرض هذه الضريبة مصلحة له في تعزيز الدخل السياحي. فالنشاط السياحي في الجزر الكاريبية والمحيط الهندي وجزر الهند الشرقية (مثل جمايكا)، هي دول قريبة من خط الاستواء ومناخها حار، وزيادة أسعار المشروبات الغازية لا تؤثر بحجم الإقبال عليها. ولذلك يشكك بعض الباحثين في دوافع الدول التي تفرض هذه الضريبة.
وقد بدأت دول عربية بذلك مثل السعودية والإمارات وغيرها، علماً أن ضريبة المكوس المفروضة على هذه السلع ليست قليلة وتحقق لخزانات الدول إيرادات لا يمكن تجاهلها.
وقد بدأت كثير من الدول تفرض ضرائب اضافية -وقد تكون رسوماً- على بعض الأطعمة الشعبية، مثل الحمص والفول والمقالي والفلافل وغيرها، لأن زيادة الإقبال عليها تجعلها مصدر دخل كبيراً. لكن هؤلاء الذين يعارضون زيادة هذه الضرائب يطالبون بتحسين تصنيعها، ورفدها بمواد ذات قيمة غذائية ضرورية خاصة للأطفال، وتقليل الملح والدهون المستخدمة في صنعها بدلاً من زيادة أسعارها وجعلها كلفة إضافية توضع على كاهل أصحاب الدخل المحدود.
ويمضي بعض هؤلاء الناقدين في الإشارة إلى التناقض في سلوك الحكومات التي بات هم سياستها المالية رفد الخزينة بأموال إضافية لمواجهة نفقاتها المتصاعدة. ويتهم بعضهم الحكومات بأنها ذات معايير مزدوجة، فهي تبرر فرض ضريبة إضافية على الأطعمة السريعة بحجة أنها تدافع عن صحة المواطنين، ولكنها تقوم في الوقت نفسه بترك التدخين وبيع السلاح (الولايات المتحدة)، وهما من أكبر مهددات الحياة لما ينطويان عليه من موارد كثيرة للحكومة. ويلمح بعضهم إلى وجود تحالف ضمني بين الحكومات ومنتجي السجاير والكحول، لأن لكليهما مصلحة في رفع الأسعار وزيادة مداخيل الطرفين.
أما الأمر الذي يجب ألا يغفل في هذا الجانب، فهو الإقبال المتزايد على الحلويات المصنعة مثل البوظة (آيس كريم)، والبقلاوة، والكنافة وأم علي والفطائر المحلاة والبانكيكس وغيرها، التي تؤكل بكميات كبيرة، وخصوصاً في المناسبات والمواسم والأفراح والمآتم وغيرها.
وبحسب الإحصاءات، فإن معدل استهلاك الفرد في العالم العربي من السكر مباشرة يبلغ 85 غراماً في اليوم، أو بزيادة 35 غراماً على الاستهلاك المقبول حسب مصادر منظمة الصحة العالمية. وإذا صدق هذا المعدل، فهذا يعني أن الوطن العربي يستهلك ما قدره حوالى 39 مليون طن من السكر. بينما يجب أن يكتفي بـ25 مليون طن. وبحسب أسعار مادة السكر الآن، البالغة حوالى 660 دولاراً للطن، فإن مشتريات السكر السنوية تصل إلى 16.5 مليار دولار.
لا شك أن فرض ضرائب جديدة على المواد الغذائية يشكل معضلة أساسية. فإن لم تفرض الحكومات ضرائب جديدة، فهذا سيعني الاستمرار في الاستهلاك المتصاعد والمكلف والمسبب لأمراض خطيرة تنطوي على كلف عالية. لكنّ فرض هذه الضرائب سيعني زيادة الكلف والأعباء على الفقراء ودون متوسطي الدخل، ما يزيد في معاناة هذه الفئة من ذوي الدخل المحدود.
الموضوع هام. ويتطلب دراسات وحلولاً جذرية. ولا يقف استقصاء الحقيقة على الاقتصاديين، بل يجب أن يشمل المختصين في الأغذية والمزارعين والأطباء والصيادلة وغيرهم من الخبراء.