استمع إلى الملخص
- نهاد، صيدلانية من حولا، أنشأت صيدلية مؤقتة في بيروت للنازحين، بينما يواجه خالد من مرجعيون صعوبات في تأمين الأدوية بسبب تدمير الطرق.
- تعمل وزارة الصحة مع منظمة الصحة العالمية لتوزيع الأدوية، وتؤكد أن المخزون يكفي لثمانية أشهر، مع اتخاذ خطوات لمنع الاحتكار وزيادة الاستيراد.
يواجه صيادلة لبنان العدوان الإسرائيلي الأخير في ظل فقدان عدد من الأدوية من السوق من جهة، وخسائر ضخمة تطاول مراكز أعمالهم من جهة أخرى بسبب القصف الذي استهدف المئات من الصيدليات في مختلف المناطق اللبنانية المعرضة للعدوان، وأتلف ما تتضمنه من أدوية ومعدات.
واضطرت نهاد، وهي صيدلانية من بلدة حولا الجنوبية، إلى النزوح مع عائلتها، بعدما استهدف القصف حيّها السكني ودمر جزءًا من الصيدلية التي كانت تديرها. لم تتمكن نهاد من إنقاذ كل المخزون، لكنها جمعت الأدوية الضرورية في صناديق صغيرة وحملتها على عجل أثناء فرارها.
وصلت مع عائلتها إلى مركز إيواء في بيروت، ولاحظت بسرعة أن الكثير من النازحين يعانون من أمراض. لم تستطع الوقوف مكتوفة الأيدي، فقامت بفتح "صيدلية مؤقتة" في زاوية إحدى الغرف باستخدام الأدوية التي أحضرتها معها. وأوضحت نهاد أن التحدي الأكبر هو ترشيد توزيع الأدوية، نظرًا لمحدودية الكميات المتاحة، حيث اعتمدت على السجلات الورقية لتوثيق أسماء المرضى وحاجاتهم من الأدوية المزمنة، حتى تتأكد من حصول كل شخص على ما يحتاجه.
وقالت: "لم أكن أملك كل شيء، لكنني حاولت توفير الجرعات الضرورية ليومين أو ثلاثة حتى نتمكن من إيجاد حلول طويلة الأمد". وبقيت نهاد قلقة بشأن الصيدلية المدمرة في قريتها، لكنها مصممة على العودة وإعادة بنائها من جديد، "الصيدلية هي جزء من حياتي، تمامًا كما هي مصدر حياة لكثيرين. سنعيد فتحها حين انتهاء الحرب".
خطوات لمنع الاحتكار
وفي هذا الإطار، أكد نقيب الصيادلة في لبنان، جو سلوم، في حديث خاص لـ "العربي الجديد"، أن في لبنان نحو 3500 صيدلية، وأشار النقيب إلى أن الإحصاءات الأولية للنقابة أظهرت أن 300 صيدلية تعرضت لأضرار كلية أو جزئية، وأنه أكثر من 600 صيدلية توقفت عن العمل وفيها مخزون دواء.
وشرح أن أسعار الأدوية لم تتغير، إذ لا تزال تُحدد وفقًا لأسعار وزارة الصحة العامة، وأوضح أن نقابة الصيادلة اتخذت، منذ نحو ثمانية أشهر، خطوات استباقية لمنع الاحتكار، حيث طلبت من الصيدليات وصيادلة المستشفيات ترشيد توزيع الأدوية، بحيث يُعطى كل مريض حاجته الفعلية فقط، وجاءت هذه الإجراءات لتفادي تكرار سيناريو العام 2019، حينما شهد السوق احتكارًا وتخزينًا للأدوية، ما أدى لاحقًا إلى ظهورها بأسعار خيالية أو تصديرها إلى خارج لبنان.
وأضاف سلوم أن 80% من الأدوية متوفرة حاليًا لتغطية أربعة أشهر قادمة، حسب ما أفادت به وزارة الصحة العامة، لكنه لفت إلى وجود نقص في بعض الأدوية بسبب تراكمات سابقة، لا سيما في أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة، وهي مشكلة سبق أن طالبت النقابة بمعالجتها من خلال زيادة الاستيراد، وعلى الرغم من توفر الطائرات المخصصة للاستيراد ووجود الموانئ، شدد سلوم على أن زيادة استيراد الأدوية أمر ضروري لسد الثغرات الحالية والاستعداد لأي طارئ مفاجئ قد يطرأ في البلاد.
كفاح صيادلة لبنان
ومع بداية الحرب، توقّف موزعو الأدوية عن التوزيع في المنطقة الحدودية، ولفت سلوم إلى أن هناك صيادلة يعملون في المناطق الحدودية والمناطق المتضررة، حيث يخاطرون بحياتهم لتوفير الأدوية في ظل غياب الدعم الدولي. وقال إن "الصيادلة في المناطق التي تتعرّض للقصف يعرّضون حياتهم للخطر، ويتوجهون إلى المناطق الآمنة في بيروت للحصول على الأدوية والعودة بها إلى صيدلياتهم ومرضاهم".
وبيّن سلوم أن النقابة حاولت التواصل مع اتحاد الصيادلة العالمي للحصول على الدعم، لأن إمكانات النقابة المحدودة تجعلها عاجزة عن تعويض الخسائر. وتابع حديثه بالإشارة إلى أن الصيادلة، على الرغم من كل الظروف الصعبة والخسائر التي يعانون منها، ما زالوا يقدمون الدعم والخدمات في مراكز الإيواء الموجودين فيها، ويساهمون في توفير الأدوية للنازحين.
وفي سياق متصل، قال خالد وهو صيدلي في بلدة مرجعيون الحدودية، إنه يكافح لتأمين الأدوية لأبناء بلدته، في الأوقات العادية، كان مستودعه يحتوي على ما يكفي لتلبية احتياجات السكان من أدوية الأمراض المزمنة، كأدوية السكري والضغط، إلى جانب المسكنات والمضادات الحيوية.
لكن مع تدمير الطرق الرئيسية بفعل القصف وانقطاع الاتصال، وجد خالد نفسه في مواجهة نقص حاد في الأدوية. وأوضح خالد أن الطريق المؤدي إلى مرجعيون محفوف بالمخاطر، والغارات المفاجئة على السيارات العابرة، جعلت توصيل الأدوية أشبه بالمستحيل، حاولت بعض سيارات الإسعاف نقل الأدوية، ولكن لم تكفِ، فقرر أن يذهب بنفسه إلى بيروت للحصول على بعض الأدوية. ورغم المخاطر التي واجهها، رفض خالد مغادرة البلدة كما فعل كثيرون من السكان. "هذه بلدتي، وهؤلاء أهلي... إذا تركتهم الآن، فمن سيساعدهم؟”.
وأضاف أنه لم تكن لديه رفاهية التوقف، فالقصف قد يتجدد في أي لحظة، والأدوية المتبقية كانت لا تزال أقل من الحاجة الفعلية.
لوائح المساعدات
بدوره، أفاد رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات وعضو غرفة عمليات الطوارئ الصحية في وزارة الصحة العامة، هشام فواز في حديث خاص لـ "العربي الجديد"، بأن الاعتداءات من قبل العدو الإسرائيلي على القطاع الصحي هي مخالفة لاتفاقية جنيف، ومخالفة لكافة المعايير الدولية، مشيرا إلى أن وزارة الصحة رفعت الصوت عبر منظمة الصحة العالمية أو الصليب الأحمر الدولي والسفراء، مشيرا إلى أن هذا الأمر أعاق عمل المستشفيات والهيئات الصحية والصيدليات، حيث تم نقل المرضى إلى المستشفيات الخلفية بعدما كانوا في المناطق الحدودية.
وأكد أن هناك ضغطا كبيرا جدا وخاصة هناك ملف النازحين، ولكن رغم كل هذه الضغوطات ما زال القطاع الصحي يدار بحكمة ورويّة، ومؤكدا أن المخزون يكفي لغاية ثمانية أشهر. وأضاف أنه بلغ الحجم الإجمالي لعلب الأدوية التي تم تسليمها لغاية 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2,159,408 علب. وذلك ضمن برنامج تعاون مع منظمة الصحة العالمية بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
كما أن اللوائح موجودة على الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة العامة يمكن للجميع مراجعتها، مؤكدا أن وزارة الصحة العامة تنشر لوائح تفصيلية بكميات الأدوية التي تم تلقيها بهبات ومساعدات للبنان ويتم توزيعها على مراكز الرعاية الصحية الأولية التي تقدم الخدمات للنازحين في كل المحافظات اللبنانية، وشدد أنه سيتم نشر هذه اللوائح بشكل دوري حرصا على إبقاء الرأي العام وكافة المعنيين على اطلاع.