صندوق النقد يدعو لتوحيد أسعار الصرف في لبنان وينتقد غياب الإصلاحات

15 سبتمبر 2023
صندوق النقد الدولي - المقر الرئيسي في واشنطن العاصمة (فرانس برس)
+ الخط -

دعا صندوق النقد الدولي، اليوم الجمعة، إلى توحيد جميع أسعار الصرف الرسمية في لبنان وفقاً لسعر السوق، مؤكداً أن ذلك سيساهم  في القضاء على فرص التحكم في الأسعار والربح التي تثقل عبء المالية العامة.

ورأى صندوق النقد أن توحيد أسعار الصرف يلغي التشوهات الضارة، ويضع حدّاً لفرص تحقيق الريع، ويخفض الضغوط على احتياطات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، بالإضافة إلى تمهيد الطريق أمام سعر الصرف الواقعي الذي تحدده قوى السوق.

وشدد على أن "هذه الخطوة يجب أن تقترن بضوابط رأسمالية مؤقتة، للمساعدة في حماية موارد النقد الأجنبي المحدودة في النظام المالي، واللازمة لضمان الوصول إلى حلول منصفة للمودعين".

واعتبر صندوق النقد أن "القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان للتخلّص تدريجياً من منصة "صيرفة" وإنشاء منصة تداول بالعملات الأجنبية مرموقة وشفافة، ووقف استنزاف احتياطات العملات الأجنبية، والحدّ من التمويل النقدي وتعزيز الشفافية المالية، هي خطوات في الاتجاه الصحيح".

ووافق مجلس الوزراء اللبناني، في جلسة عقدها هذا الشهر، على اعتماد منصة "بلومبيرغ" بدلاً من "صيرفة"، وذلك بعد حوالي عامين على إطلاقها من قبل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، في إطار الإجراءات الاستثنائية التي فرضها حول العمليات بالعملات الأجنبية وحول السحوبات النقدية. لكن منصة "صيرفة" تحولت بعد مدة إلى أداة نقدية غير مؤاتية، أدت إلى ارتفاعات قصيرة الأجل في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، على حساب احتياطي النقد الأجنبي، والوضع المالي لمصرف لبنان، وذلك بإقرار البنك الدولي.

وأشار وفد صندوق النقد الدولي، برئاسة إرنستو راميريز ريغو، اليوم الجمعة، بعد اختتام زيارته إلى لبنان ولقائه عدداً من المسؤولين، إلى أنه "يجب دعم هذه الخطوات مؤقتاً من خلال إدخال ضوابط أو قيود على حركة رؤوس الأموال والسحب، واستكمالها بإجراءات سياسية من الحكومة والبرلمان، للحدّ من العجز ومعالجة مشكلات القطاع المالي، من خلال الاعتراف بالخسائر والمضي قدماً في إعادة هيكلة المصارف".

واعتبر أن "هناك فرصة لإجراء إصلاحات شاملة لتعزيز الحوكمة والمحاسبة في مصرف لبنان المركزي، ولكن الحكومة تحتاج إلى تنفيذ استراتيجية مالية متماسكة لاستعادة القدرة على تحمّل أعباء الديون، وإفساح المجال للإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنى التحتية".

وقال صندوق النقد الدولي، في بيانٍ له، إن "لبنان لم يقم بالإصلاحات الضرورية المطلوبة بشكل عاجل، وسيكون لهذا أثر على الاقتصاد لسنوات قادمة"، معتبراً أن "الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة، ولكن حاسمة، لإطلاق الإصلاحات، يترك لبنان أمام قطاع مصرفي ضعيف، وخدمات عامة غير كافية، وتدهور البنية التحتية، وتفاقم ظروف الفقر والبطالة، واتساع أكبر في فجوة الدخل".

وتابع البيان: "زاد ارتفاع الموسم في قطاع السياحة من تدفق العملات الأجنبية خلال أشهر الصيف، ومع ذلك، فإن إيرادات السياحة والتحويلات النقدية المالية لا تكفي لتعويض العجز التجاري الكبير ونقص التمويل الخارجي".

كذلك، اعتبر صندوق النقد الدولي أن "موازنة العام 2023 لا تزال تفتقر إلى التوقيت والتغطية، وهي لا تعكس بدقة المدى الحقيقي للعجز والتمويل النقدي المرتبط به، كما يجب أن تكون موازنة 2024 متناسقة مع عملية توحيد سعر الصرف التي بدأها مصرف لبنان، وتجنّب المعاملة التفضيلية لبعض دافعي الضرائب على غيرهم، كما ينبغي أن تتضمن موارد كافية لتعزيز الامتثال وتحسين العدالة الضريبية".

كما أشار الوفد إلى أن خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي ما زالت غير موضوعة، وقد أدى التقاعس هذا إلى "انخفاض كبير في الودائع القابلة للاسترداد وعرقلة توفير الائتمان للاقتصاد، ولا تزال التعديلات على قانون السرية المصرفية، التي تهدف إلى معالجة أوجه القصور، ومشروع مراقبة رأس المال وسحب الودائع، بانتظار موافقة البرلمان".

ولم تأخذ جولة وفد صندوق النقد الدولي حيزاً واسعاً من الاهتمام على الساحة المحلية والإعلامية اللبنانية، لتزامنها مع زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، في إطار مهمته مساعدة المسؤولين اللبنانيين على حلّ الأزمة الرئاسية، كما وجولات الاقتتال العنيفة التي شهدها مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب البلاد، رغم أنها كانت مهمّة، حتى إن بعض النواب اعتبروا أن الاتفاق مع الصندوق انتهى أو بات على شفير السقوط.

هذا السيناريو عزّزه الاجتماع الذي عقدته بعثة صندوق النقد الدولي مع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، ورئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، اللذين أكدا بعده رفض أي مقاربة تضع خطاً بين الماضي واليوم، وأصرّا على المحاسبة ومعالجة الودائع.

وقال عدوان: "أردنا عقد مؤتمر صحافي مشترك لوضع الأمور في نصابها، في ظلّ السنوات السابقة وما تخلّلها من تقاذف للمسؤوليات، فالتفاوض مع صندوق النقد يجب أن يأخذ مساره الصحيح، فالمقاربة التي كانت حاصلة مع صندوق النقد تقضي بوضع خطّ بين الماضي واليوم، وهذا ما لم نقبل به، ومقاربتنا تقوم على فكرة تحديد المسؤوليات وإعادة الديون وتحمّل الخسائر". وشدد على أن "جوهر الموضوع بالنسبة إلينا هو تأمين أموال المودعين التي ليست خسائر بل ديون، وهي حق على الدولة ومصرف لبنان والمصارف".

من جهته، قال كنعان إن "مسألة الودائع قائمة وموجودة ولا يمكن تجاوزها، ويجب وضع الحلول لها، وعملية بيع المواقف للمجتمع الدولي لكسب رضاه مش شغلتنا كممثلين للشعب اللبناني، فنحن نريد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستعادة المصداقية المالية للبنان، لكن هناك حقوقاً تجب المحافظة عليها واستردادها لنستعيد الثقة ببلدنا وقطاعنا الخاص والقطاع المصرفي، وهو ما لا يحصل بشطب كل شيء ونمشي".

في المقابل، تحدث النائب فراس حمدان عن سقوط ورقة التوت الأخيرة، وإسقاط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للمرة الثانية.

وأشار حمدان إلى أن "عدم التزام المنظومة السياسية بالسير بالإصلاحات المطلوبة منذ سنوات يضعنا اليوم أمام تجميد الاتفاق مع الصندوق. صحيح أنه كان لدينا بعض الملاحظات على الاتفاق، وكنا نقوم باجتماعات دورية لمناقشة هذا الاتفاق رغبة منا في الوصول إلى تطبيق الإصلاحات والحصول على الدعم المالي المطلوب لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية، ولكن اليوم تأكد أن المنظومة السياسية بكافة تناقضاتها أفشلت هذه المساعي وأسقطت الاتفاق السابق المعقود بين الحكومة السابقة وصندوق النقد لمحاولة إنقاذ الوضع الاقتصادي".

ولفت حمدان في بيان: "عدنا إلى المربع الأول، حيث بات يتعيّن على الصندوق انتظار طلب أو إعلان رغبة من الحكومة الجديدة المنتظرة، ليتم على إثرها اتخاذ القرار بخصوص الخطوات التالية، والسعي للتوصل إلى اتفاق جديد، بينما نحن ندفع الثمن".

بدوره، اعتبر النائب مارك ضو أن "أخطر ما جرى خلال آخر يومين في لبنان ليس زيارة موفد الرئيس الفرنسي ونقاشات الحوار، بل الهجوم لضرب خطة صندوق النقد والاتفاق معه"، معتبراً أن "ما تم التصريح به، خاصة من مجلس النواب، هو بلاغ بإعدام اللبنانيين مالياً، وإبلاغهم أن الفرار من العقاب أهم من الإصلاح".

وأجرى وفد صندوق النقد الدولي خلال زيارته إلى لبنان مراجعة مع المسؤولين اللبنانيين للاتفاق الأولي الموقع بين الحكومة اللبنانية والصندوق في إبريل/نيسان 2022.

ويرى صندوق النقد أن لبنان يواجه تحديات غير مسبوقة تتطلب تنفيذ خطة إصلاح شاملة، ويتضمن هذا المعالجة المباشرة للمشكلة الجوهرية المتعلقة بضعف الحوكمة، إذ يجب أن تتمحور الإصلاحات الداعمة للشفافية حول تعزيز إطار مكافحة الفساد وتحسين أداء المؤسسات المملوكة للدولة، ولا سيما قطاع الطاقة، وضرورة أن يشمل هذا الإجراء عمليات تدقيق لحسابات مصرف لبنان والشركة المعنية بتقديم إمدادات للكهرباء.

أيضا، دعا الصندوق لتنفيذ استراتيجية للمالية العامة تجمع بين إعادة الهيكلة العميقة للدين، وإجراء إصلاحات تعيد المصداقية، وتحقق الوضوح الكافي للتنبؤ بالمسار، وتكفل الشفافية في إطار المالية العامة، مع توسيع شبكة الأمان الاجتماعي الضرورية لحماية الفئات الأشد ضعفاً.

كما طالب بإجراء إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي، تبدأ بالاعتراف مقدماً بخسائر البنوك الخاصة ومصرف لبنان، مع مراعاة تأمين الحماية لصغار المودعين، إلى جانب إرساء نظام موثوق للنقد والصرف، يرتكز على توحيد أسعار الصرف المتعددة، وتصاحبه قيود رسمية مؤقتة على رأس المال.

المساهمون