يصر صندوق النقد الدولي على زرع الفتنة وإثارة القلاقل في المنطقة العربية، وكأن المنطقة ناقصة مشاكل وأزمات معيشية واقتصادية واجتماعية، فالصندوق يضغط على الحكومات لزيادة الأسعار وتجميد الأجور والرواتب وبيع الشركات العامة رغم عدم حدوث أي تحسن في الأحوال المعيشية للمواطن ودخله.
وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بنسبة 40% في آخر ثلاثة أشهر، وتوقعات بنوك الاستثمار الدولية استمرار التراجع في العام المقبل، إلا أن صندوق النقد يصر على قيام الحكومات بزيادة أسعار المشتقات النفطية بما فيها وقود الفقراء والمزارعين وصغار التجار مثل السولار والبنزين 80.
وعلى الرغم من زيادة معدل التضخم في العديد من الدول العربية لأرقام قياسية، وتآكل المدخرات، وتراجع قيمة العملات المحلية مقابل الدولار، إلا أن الصندوق يضغط على الحكومات لعدم زيادة الأجور أو تحسين الأحوال المادية لملايين الموظفين، بل ويطالب بتقليص حجم العمالة داخل الجهاز الإداري للدولة لخفض بند الأجور في الموازنة العامة.
وعلى الرغم من أن البورصات وأسواق المال العربية شهدت تراجعا ملحوظا في العام الجاري 2018، ونزوحا للأموال من داخل دول المنطقة هاربة نحو الأسواق الأميركية، إلا أن الصندوق يصر على ضرورة إسراع الحكومات في تنفيذ برنامج الخصخصة، وبيع ما تبقى من شركات عامة، وهو ما قد يؤدي إلى الأضرار بالمال العام وزيادة الأسعار وتشريد آلاف الموظفين.
في مصر مثلا يصر صندوق النقد على زيادة الحكومة سعر المشتقات البترولية، بل والالتزام بتنفيذ بند تحرير أسعار الوقود في منتصف العام المقبل 2019 وتطبيق آلية التسعير الآلي للوقود، كما يصر على إجراء زيادات في فواتير الخدمات العامة ومنها الكهرباء والمياه وتذاكر مترو الانفاق والقطارات وغيرها.
ويربط الصندوق بين حصول مصر على الشريحة الخامسة من قرضه البالغة ملياري دولار، وتنفيذ بعض التعهدات مثل مواصلة خفض الدعم الحكومي لسلع رئيسية وزيادة الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية وغيرها.
وفي تونس يضرب صندوق النقد عرض الحائط بالاتفاق الذي جرى بين حكومة يوسف الشاهد واتحاد الشغل في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويقضي بزيادة أجور نحو 150 ألف موظف حكومي، ويطالب الصندوق الحكومة بتجميد أي زيادات في الأجور، وهو ما سيثير حنق النقابات العمالية على الشاهد مجدداً، خاصة أن الحكومة استجابت بالفعل لضغوط الصندوق وقررت تجميد أجور موظفي الوزارات وباقي مؤسسات القطاع العام، وهو ما يخالف تعهداتها للنقابات العمالية.
وما يزيد الفتنة أن صندوق النقد يربط بين تنفيذ حكومة الشاهد إملاءاته وصرف القسط الخامس من قرض قيمته 255 مليون دولار، واليوم يبدأ وفد من الصندوق زيارة تونس وسط تصاعد الخلافات بين الحكومة واتحاد الشغل الذي يرفض كل المبررات التي قد تحول دون حصول موظفي الدولة على زيادات في رواتبهم.
وفي الأردن، لا يزال الصندوق يضغط على الحكومة لزيادة الأسعار والضرائب، وتقليص الدعم الحكومي لسلع رئيسية، ومن المتوقع أن يجدد الصندوق طلباته خلال زيارة وفده إلى المملكة خلال الأسبوعين المقبلين، وهو ما قد يثير احتجاجات الشارع المعترض أصلا على سياسات الحكومة الاقتصادية وتمرير قانون ضريبة الدخل الذي رفع الأعباء المالية على المواطنين وساهم في تدهور مستويات المعيشة.
وفي المغرب، من المقرر أن يبدأ خلال أيام تطبيق إجراءات جديدة تتعلق بتقاعد الموظفين، وحسب الخطة، فإن الموظفين الذين سيحالون إلى التقاعد سيغادرون وظائفهم، بداية عام 2019، عند سن 61.5 عاماً بدلاً من 60 عاماً. كما سترتفع مساهمات الموظفين الحكوميين في الصندوق المغربي للتقاعد، اعتباراً من الشهر المقبل من 13 إلى 14 %.
الشعوب العربية تتعرض لعملية ابتزاز من قبل صندوق النقد، وللأسف نجد أن الحكومات العربية تستجيب لمطالب الصندوق أكثر مما تراعي ظروف شعوبها المعيشية القاسية، وكأن هذه الحكومات تستقي شرعيتها من المؤسسات المالية الدولية وليس من إرادة الناخبين والشارع.