تتصاعد دعوات عدد من القوى السياسية العراقية وخبراء الاقتصاد، للأسبوع الثاني على التوالي، إلى ضرورة تأسيس صندوق سيادي عراقي على غرار دول عدة في المنطقة. بحيث يتلقف الصندوق الوفرة المالية الحالية بعد ارتفاع أسعار النفط، ويدير هذه الثروة ويستخدمها في إطار التخفيف من حدة أي أزمة مالية مستقبلية.
ووصل سعر برميل النفط إلى 110 دولارات الجمعة، بعدما سجل أكثر من 130 دولاراً الأسبوع الماضي، ووسط توقعات بأن يصل سعر البرميل إلى ما بين 185 و200 دولار في نهاية 2022. فيما زادت موارد العراق بعد وقف اقتطاع 3 في المائة من الإيرادات لدفع تعويضات الكويت، والتي انتهى العراق الشهر الماضي من سدادها بالكامل.
ولم تخف الحكومة العراقية دراستها لإنشاء صندوق سيادي يتم تمويله من فائض الموازنات المالية بهدف تعزيز الثروة المالية الوطنية، فضلا عن إمكانية استثمار هذه الأموال في إنعاش الاقتصاد المحلي، ومعالجة الأزمات التي قد تطرأ من جراء هبوط أسعار النفط مستقبلاً.
إلا أن ما يعوّق تأسيس هذا الصندوق فعلياً، بحسب خبراء القانون والاقتصاد، هي الأزمة السياسية، حيث لا يمكن للحكومة المضي بالمشروع كونها في مرحلة تصريف الأعمال، ولا يسمح لها القانون حالياً بإقرار موازنة البلاد للعام 2022، وسط تحذيرات من ضياع فرصة إنشاء هذا الصندوق وبقاء الاعتماد على الاقتصاد الريعي.
وكانت وزارة النفط العراقية قد أعلنت تحقيق أعلى معدلات تصدير النفط منذ ثمانية أعوام، مؤكدة أن المعدل اليومي للتصدير بلغ أكثر من 3.3 ملايين برميل يومياً بإيراد شهري يصل إلى 8.5 مليارات دولار.
وأوضح المستشار المالي لرئاسة الوزراء مظهر محمد صالح، لـ"العربي الجديد"، أن تأسيس الصندوق السيادي يعتمد على تحديد سعر النفط ضمن قانون الموازنة الاتحادية، وتشريع قانون الموازنة للعام 2022 يتوقف على تاريخ تشكيل الحكومة الجديدة.
وبين صالح أن السلطات العراقية تؤيد إنشاء الصندوق السيادي بعد الزيادة في الإيرادات الكلية الناتجة عن بيع النفط، موضحاً أن أحكام المادة 19 من قانون الإدارة المالية النافذ في العراق رقم 6 لسنة 2019 نصت على تغطية العجز وتوفير الفائض لاستخدامه في موازنات السنوات التالية، ومنها الصندوق السيادي، وفق إدارة واستثمار الاحتياطيات الرسمية.
من جهته، شدد عضو مجلس النواب العراقي حسين السعبري على أهمية تأسيس الصندوق السيادي، الذي اعتبره من أهم الخطوات للنهوض بواقع العراق الاقتصادي والصناعي وضمان مستقبل الأجيال القادمة أسوةً بالعديد من البلدان، ومنها قطر والسعودية والإمارات.
وبين السعبري لـ"العربي الجديد" أن إنشاء هذا الصندوق يعمل على تعظيم الإيرادات من خلال إنشاء محطات توليد الكهرباء ومشاريع صناعية عملاقة تدر أرباحاً كبيرة تزيد من مداخيل الدولة العراقية، بدلاً من الاعتماد الكلي على إيرادات النفط.
وأضاف أن إنشاء الصندوق السيادي يتطلب وجود إرادة حقيقية للنهوض بالواقع الاقتصادي للبلد، وتشريع قانون الصندوق السيادي يحتاج إلى لجان برلمانية مختصة وخبراء في الاقتصاد لدراسة القانون بما يتناسب مع الظروف التي يشهدها العالم وتقلبات أسعار النفط، مبيناً أن اللجان البرلمانية في الدورة الحالية لم يتم تسميتها لغاية الآن، ما قد يؤخر العمل في إنشاء هذا الصندوق.
أما عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في الدورة البرلمانية السابقة نجيبة نجيب، فأشارت إلى أن لجنتها قدمت مقترح مشروع قانون الصندوق السيادي إلى الحكومة العراقية في الدورة التشريعية الثالثة للبرلمان العراقي، إلا أنها لم تكن جادة بالاستجابة لهذا المشروع.
وأوضحت نجيب لـ"العربي الجديد" أن هذا الصندوق هو ضمان الأجيال القادمة، من خلال توفير نسبة أموال الإيرادات واستثمارها بالطريقة التي تزيد من عائداتها ورفع مستوى رأس المال، والحصول على احتياطي مالي يعزز من قوة البلد الاقتصادية.
وعن الأسباب التي منعت إنشاء الصندوق خلال السنوات الماضية، بينت نجيب أن الحكومات العراقية التي حكمت منذ 2003 لم تعمل أي خطوات جادة باتجاه تعزيز قوة اقتصاد البلد، وهذا يعود لأسباب متعددة، منها الديون المترتبة على العراق داخلياً وخارجياً وتقلبات أسعار النفط، بالإضافة إلى الانفلات الأمني وغياب الإرادة السياسية. من جهة أخرى، أشار الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي إلى وجود ضعف في إدارة السياسة الاقتصادية العراقية.
وشدد لـ"العربي الجديد" على أهمية إنشاء صندوق تنمية داخلي، تكون إدارة تمويله واستثماره خارج صلاحيات الحكومة، ويدخل في شراكات استثمارية لمشاريع تنموية مع شركاء محليين ودوليين لتنفيذها داخل العراق، مثل مشاريع الطاقة أو الإسكان ومشاريع النقل وغيرها.
وكشف العلي عن وجود صندوق التنمية الخارجية الذي أسسه العراق في سبعينيات القرن الماضي، والذي تبلغ موجوداته قرابة 3 مليارات دولار، إلا أن هذا الصندوق مغيب ولا يرفد الدولة بالإيرادات، ولا أحد يعلم إلى أين تذهب إيراداته السنوية.