منذ تفشي وباء كورونا، وقطاع الصناعة الفرنسي يعاني من أزمات حادة، وهو ما ترجمته الأرقام الرسمية التي أكدت تراجع صادرات فرنسا بنسبة 21.5% في النصف الأول من العام الجاري، وإفلاس مصانع، وتعثر شركات، وتسريح منشآت إنتاج مئات الآلاف من العمال.
وفي ظل تفشٍّ سريع لوباء كورونا وظهور السلالة الجديدة في بريطانيا، وتمديد حالة الطوارئ الصحية في فرنسا حتى يوم 16 فبراير/شباط المقبل، وإغلاق المطارات والحدود الفرنسية كما حدث مع بريطانيا يوم الأثنين، من المتوقع أن ترتفع نسبة تراجع الصادرات الفرنسية بشدة بنهاية العام الجاري، وهو ما يزيد أوضاع الاقتصاد الفرنسي تعقيداً وتأزماً، وخاصة مع التراجع الحاد في إيرادات البلاد، سواء الداخلية من الضرائب والرسوم وغيرها، أو الخارجية خاصة من قطاعات الصادرات والسياحة والخدمات وغيرها.
أضف إلى ذلك أن المنتجات الفرنسية باتت تواجه حملات مقاطعة شعبية واسعة رداً على تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون المسيئة إلى الدين الإسلامي، وهذه الحملات سيكون لها تأثير سلبي على الصادرات، خاصة أن الأرقام تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين فرنسا والدول الإسلامية ضخم جداً، حيث يتجاوز 100 مليار دولار.
كذلك فإن المقاطعة تتركز في الدول التي لها علاقات تجارية قوية مع فرنسا، مثل دول الخليج ودول المغرب العربي ومصر والسودان والعراق والأردن وفلسطين وليبيا، وتركيا وإيران وبنغلاديش وماليزيا وباكستان وغيرها.
في الموجة الأولى لفيروس كورونا تعرّض قطاع الصناعة الفرنسي لأزمة حادة بسبب الإغلاق الكلي للأسواق والاقتصاد والحدود وحظر التجوال، وتراجع الصادرات الخارجية، وضعف القوة الشرائية للمواطن بسبب تردي الدخول، لدرجة أن هناك قطاعات صناعية فرنسية عدة كانت على وشك الغرق، ومنها السيارات وصناعة الطائرات والنقل الجوي والسياحة وغيرها.
وكان هذا التأثير واضحاً مع شركة "رينو" لصناعة السيارات التي قدمت لها الحكومة مساندة مالية ضخمة وضمانات قروض تصل إلى 5 مليارات يورو، إلا أن هذه المساندة لم تكن كافية لإخراج عملاق السيارات من أزمته الحادة التي دفعته إلى إعلان تسريح أكثر من 15 ألف شخص حول العالم.
وأوقفت رينو كذلك إنتاج السيارات في العديد من المدن الفرنسية، كذلك علقت مشاريع زيادة الإنتاج في المغرب ورومانيا وتركيا وكوريا وروسيا، وذلك في إطار خطة لتوفير أكثر من ملياري يورو خلال ثلاث سنوات.
كذلك اتخذت شركات قرارات مشابهة، منها دانون للصناعات الغذائية التي استغنت عن نحو 2000 عامل سواء في مصانعها في فرنسا والخارج.
ومع الموجة الثانية لكورونا، والذعر من السلالة الجديدة، واستمرار موجة المقاطعة الشعبية، تواجه الصناعة الفرنسية وضعاً صعباً، وهو ما اعترف به المفوض السامي الفرنسي للتخطيط، فرانسوا بايرو، الذي أكد أمس الأحد أن قطاع الصناعة وجهاز الإنتاج في بلاده يواجه وضعاً حرجاً".
هذا التحذير يكشف إلى أي مدى وصل إليه قطاع الصناعة في فرنسا الذي يساهم بنسبة 13% من إجمالي الناتج المحلى الاجمالي، ويلعب الدور الأكبر في توفير فرص العمل، وهو العمود الفقري للصادرات التي تجاوزت قيمتها 555 مليار دولار في العام الماضي 2019.