في 2018، أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قانوناً بإنشاء صندوق سيادي لمصر، يحمل اسم صندوق مصر، على أن يكون رأس ماله الحالي 5 مليارات جنيه (كانت تعادل وقتها 311.7 مليون دولار)، وبرأس مال مرخص به 200 مليار جنيه (12.5 مليار دولار)، بهدف إدارة الأصول المملوكة للدولة.
وقالت الحكومة المصرية وقتها إن إنشاء الصندوق يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المالية لمصر، من خلال إدارة الأموال والأصول المملوكة أو المنقولة إليه، وكذلك الاستثمار في العديد من الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
تكون مجلس إدارة الصندوق عند إنشائه من رئيس مجلس إدارة غير تنفيذي، وهو وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية، وعضوية المدير التنفيذي للصندوق، وممثلين عن وزارة التخطيط، ووزارة المالية، والبنك المركزي المصري، والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بالإضافة إلى سبعة أعضاء مستقلين من ذوي الخبرة.
بعد ذلك، أُعلن أنّ الصندوق يضمّ أربعة صناديق فرعية تابعة، تعمل في مجالات متفرقة، هي صندوق مصر الفرعي للخدمات المالية والتحول الرقمي، وصندوق مصر الفرعي للمرافق والبنية الأساسية، وصندوق مصر الفرعي للسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار، وصندوق مصر الفرعي للخدمات الصحية والصناعات الدوائية.
ولما كانت الصناديق السيادية في أيّ دولة في العالم قد وجدت لتضم جزءاً من مدخراتها، التي تتوافر من الفوائض التي تحققها، وترغب في استثمارها في كيانات مختلفة، بغرض تحقيق عوائد لتلك الاستثمارات، فقد تساءل المصريون عن حقيقة هذا الصندوق، حيث أُعلن إنشاؤه في وقت تتزايد فيه الفجوة التمويلية السالبة، وتحديداً بالعملة الأجنبية، بمعدلات غير مسبوقة، اضطرت معها الحكومة إلى زيادة اقتراضها، داخلياً وخارجياً، وهو ما بدأ (وقتها) يلقي بظلاله على الاقتصاد المصري، والعملة المصرية، والنظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني للبلاد.
لم تكن لمصر، وقتها، ولا الآن، فوائض يمكن استثمارها في أية كيانات. فكيف يمكن استحداث صندوق "سيادي" ونحن ليس لدينا فوائض تستثمر؟ وجاء الرد سريعاً من بعض الجهات الحكومية، التي أكدت أن مصر ستساهم في تلك الصناديق من خلال ضم بعض الأصول التي تملكها الدولة.
بعد ذلك وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون يحصن تعاملات وتعاقدات الصندوق السيادي للبلاد من الطعن في قرارات رئيس الجمهورية، بنقل ملكية الأصول المملوكة للدولة أو الشركات المملوكة للدولة إلى الصندوق إلا من الجهة المالكة للأصل أو الصندوق.
نقل الرئيس المصري مجمع المصالح الحكومية، المعروف باسم "مجمع التحرير"، ذا الإطلالة الرائعة على الميدان الشهير، والمرتبط عند كل عشاق الحرية والكرامة في العالم بالربيع العربي، إلى الصندوق، ونقل إليه أيضاً أرض الحزب الوطني (سابقاً) المطلة على النيل، في واحدة من أجمل البقاع بالقاهرة الساحرة، والقرية الكونية، التي تضم نماذج مصغرة لأشهر معالم مصر الحضارية مروراً بحقب تاريخية مختلفة، وأرض وزارة الداخلية (سابقاً) بالقاهرة.
أيضاً نقل الرئيس المصري حصصاً في ثلاث محطات كهرباء أنشأتها شركة سيمنز الألمانية، في البرلس، والعاصمة الإدارية الجديدة، وبني سويف، بالإضافة إلى حصص في شركتي الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية، التي تمتلك محطات خدمة وتموين السيارات على الطرق والمحاور المختلفة، المعروفة بالاسم نفسه، والوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية (صافي).
بعد ذلك تبين لنا أن ما يُنقَل إلى ملكية الصندوق، هو ما تنوي الحكومة بيعه، وأن هذه هي الطريقة التي قررت مصر إنشاء صندوقها "السيادي" بها، حيث تساهم فيه بأصولها، وتعمل من خلاله على اجتذاب الأموال الخليجية الراغبة في دخول السوق المصرية، من طريق بيعها تلك الأصول القيمة.
وبالفعل، أعلنت الحكومة المصرية رغبتها في بيع محطات الكهرباء الثلاث، وحصل تحالف مكون من شركة غلوبال فينتشرز، ومجموعة أوكسفورد كابيتال، ومقرهما الولايات المتحدة، وشركة العتيبة للاستثمار الإماراتية على حقوق تطوير مجمع التحرير، وتحويله إلى فندق بحلول نهاية عام 2024.
أيضاً اختيرت شركتا "وطنية"، لخدمات وتموين السيارات، ولتعبئة المياه، اللتان نقلت ملكيتهما إلى الدولة، لعرضهما للبيع، استجابة لطلبات صندوق النقد الدولي، الذي ألحّ في العديد من المناسبات على ضرورة تخفيف قبضة القوات المسلحة المصرية على الاقتصاد، من خلال التخلي عن بعض شركاته.
وكانت هناك إشارات أخرى تؤكد أن الأصول الأخرى التي نُقلت إلى الصندوق سيكون مصيرها جميعاً البيع، بخاصة مع احتدام أزمة العملة الأجنبية التي تمر بها البلاد، والتي ألجأتها إلى صندوق النقد الدولي، و"الأشقاء" في الخليج، للحصول على المزيد من القروض.
استقرت الأوضاع في مصر على أنّ كل ما يُنقل من أصول إلى الصندوق سيكون مصيره البيع، وكانت النقطة الأهم في هذا الأمر أن الصندوق أصبح محصناً، فلا يسمح لأحدٍ بالاعتراض على تقييم الأصول الداخلة فيه، ولا مناقشة سعرها وهي خارجة منه للمالك الجديد، بالإضافة إلى عدم السماح بالطعن في القرارات إلّا لطرفي كلّ صفقة، أي الجهة المالكة للأصل المبيع والجهة المشترية.
وقبل يومين، نقل موقع القاهرة 24 عن مصدر مصرفي مسؤول قوله إن صندوق مصر السيادي لعب دوراً حيوياً في استقطاب الصناديق العربية، إذ نجح في جذب استثمارات بقيمة 3.3 مليارات دولار من الصناديق السيادية العربية خلال 2022، بقطاعات الهيدروجين الأخضر، والسياحة، والاستثمار العقاري، وتطوير الآثار، والصناعة، والخدمات المالية، والتحول الرقمي، والتعليم.
وأوضح المسؤول أنّ البداية كانت مع تنفيذ شركة أبوظبي القابضة التابعة لـ"صندوق أبوظبي السيادي" صفقة استحواذ على حصص من 5 شركات كبرى مصرية مقيدة بالبورصة، بقيمة إجمالية بلغت 2 مليار دولار، وحصل كل ذلك من خلال صندوق مصر السيادي.
ويوم الاثنين، وافق مجلس النواب المصري على إنشاء صندوق جديد لهيئة قناة السويس بغرض المساهمة في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها! فما الذي سيبيعه هذا الصندوق، الخاص بالأصل الذي يدرّ أكبر قدر من الدولارات لمصر؟!