صفقة إماراتية مرتقبة تؤزم العلاقات بين الجزائر وإسبانيا

23 مايو 2024
المقر الرئيسي لشركة ناتورجي يوم 4 إبريل 2023 (إدواردو بارا/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- العرض الإماراتي لشراء "ناتورجي" يثير توترات بين الجزائر وإسبانيا، مع تهديد الجزائر بقطع إمدادات الغاز إذا تغيرت ملكية الشركة، مما يعكس حساسية العلاقات الاقتصادية والسياسية.
- الأزمة الدبلوماسية تتعمق بسبب تغيير موقف إسبانيا تجاه قضية الصحراء، مع تجميد العلاقات وتراجع أسعار عقود الغاز، مما يشير إلى تأثيرات سياسية تتجاوز الجوانب الاقتصادية.
- الصفقة بين "طاقة" الإماراتية و"ناتورجي" تضيف تعقيدات جديدة للعلاقات الثنائية، مع إمكانية تأثيرها على المصالح الاقتصادية للمغرب وتحديات أمام الحكومة الإسبانية في التعامل مع التداعيات.

شكل العرض الإماراتي لشراء كامل أسهم شركة الطاقة الإسبانية "ناتورجي" شريك سوناطراك في سوق الغاز، حلقة جديدة في مسلسل متأزم للعلاقات بين الجزائر ومدريد منذ فترة طويلة، وتهديد البلد العربي بقطع إمداداته إن حصل تغيير في هوية مالكيها.

ومنتصف إبريل/ نيسان الماضي، طفا إلى السطح عرض إماراتي عبر شركة "طاقة" الإماراتية، لشراء كامل أسهم ناتورجي الاسبانية، التي تعتبر أكبر مشتر للغاز الجزائري في إسبانيا.

وتحوز مؤسسة أبوظبي للطاقة المملوكة لصندوق الثروة السيادي "إيه.دي.كيو" في أبوظبي أكثر من 90 بالمائة من شركة "طاقة" صاحبة العرض المقدم للإسبان.
وقالت شركة ناتورجي الإسبانية، يوم 8 مايو/أيار الجاري إنه "لا يوجد أي شرط في العقود التي تجمعها بشركة سوناطراك الجزائرية، يمنعها من بيع حصصها لشركات أخرى"، مشيرة إلى أنه "في الأصل سبق أن تمت عملية بيع حصصها لأطراف أخرى دون أن يؤدي ذلك إلى أي مشاكل". 

يأتي العرض الإماراتي لأكبر زبون للغاز الجزائري في إسبانيا، في ظل فتور غير مسبوق في العلاقات بين الجزائر وأبوظبي بدأ مع وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم نهاية عام 2019، خاصة بعد انتقاده العلني لاتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني.

تهديد جزائري
بعد أسابيع من العرض الإماراتي، هددت الجزائر- عبر مصدر رسمي لم يكشف عن هويته تحدث لوكالة رويترز- بأنها ستوقف إمدادات الغاز إلى ناتورجي إذا حصل تغيير في ملاك الشركة الإسبانية. وأعقب ذلك رد فعل من طرف الشركة الاسبانية، التي صرحت عبر أحد الناطقين باسمها بأن عقود التوريد المبرمة مع الجزائر لا تتضمن أي بنود قد تتأثر بالتغير في هيكل الملكية.

ونقلت وسائل إعلام إسبانية بينها موقع "إل كونفيدينثيال" أن الصفقة المحتملة ستكون في خدمة المصالح الاقتصادية للمغرب، الذي سيستفيد من ضخ عكسي للغاز الجزائري من طرف "حلفائه" الإماراتيين، عبر أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي أوقفت الجزائر العمل به منذ خريف 2021. وسابقا هددت الجزائر أيضا بقطع الإمدادات عن إسبانيا إن حدث تحويل في الوجهة النهائية للغاز نحو دولة أخرى، وفق ما تنص عليه البنود التعاقدية بين سوناطراك وناتورجي. وترتبط سوناطراك بعقود طويلة المدى لإمداد شركة ناتورجي الاسبانية بالغاز إلى غاية 2031.

كما تشترك سوناطراك وناتورجي في خط أنابيب الغاز "ميدغاز" الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر البحر المتوسط. كما يمتلك عملاق الطاقة الحكومي الجزائري حصة في رأسمال شركة ناتورجي تقدر بـ4.1 بالمائة، ويجني بموجبها أرباحا سنوية من بيع الغاز في السوق الداخلية الاسبانية. وفي حال التوصل إلى اتفاق نهائي بين "طاقة" وباقي المساهمين في "ناتورجي"، فإن العملية تحتاج في النهاية موافقة الحكومة الإسبانية، بالنظر إلى أن أي استحواذ أجنبي لرأسمال شركة إسبانية بنسبة تفوق 30 بالمائة، يتطلب موافقة الحكومة، من أجل ضمان مصلحة البلاد.

يذكر أن صافي أرباح شركة ناتورجي في عام 2023، ارتفع بأكثر من 20 بالمائة. واستفادت الشركة من الأرباح القوية لعملياتها، والتي تشمل مصادر الطاقة المتجددة وأعمال الغاز الطبيعي المسال، حيث طمأنت المستثمرين من خلال زيادة الحد الأدنى للأرباح الموزعة حتى عام 2025 مع تقليص الاستثمارات المتوقعة.
وارتفع صافي الربح إلى 1.99 مليار يورو (2.16 مليار دولار) من 1.65 مليار يورو، متجاوزاً 1.94 مليار يورو التي توقعها المحللون الذين استطلعت آراؤهم من قبل "إل إس إي جي". وقال الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة فرنسيسكو رينيس، إن النتائج تعكس "متانة خططنا الصناعية والإدارة المالية الحكيمة".

جمود سياسي ودبلوماسي
في شهر فبراير/ شباط الماضي، جرى إلغاء زيارة وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس إلى الجزائر، وكان يفترض أن تكون أول زيارة رسمية بين البلدين منذ قرابة العامين، في أعقاب أزمة دبلوماسية بسبب تغيير مدريد موقفها من نزاع قضية الصحراء.

وكانت أزمة دبلوماسية بين البلدين اندلعت في مارس/ آذار 2022، بعد رسالة من رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز إلى ملك المغرب محمد السادس أعلن فيها دعم مبادرة الرباط للحكم الذاتي في الصحراء. أثارت الخطوة حينها، حفيظة الجزائر التي أعلنت استدعاء سفيرها بمدريد للتشاور تلاه قرار بتجميد العمل بمعاهدة صداقة بين البلدين شهر يونيو/ حزيران 2002.

وفي تصريحات سابقة أكد الرئيس الجزائري أن بلاده طلبت أن تتبنى إسبانيا موقف الاتحاد الأوربي في ما يتعلق بقضية الصحراء.

واعتبرت السلطات الجزائرية وقتها أن موقف الحكومة الإسبانية منافٍ للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام وتساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وفي المنطقة قاطبة. ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا بالصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة البوليساريو إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

قطيعة اقتصادية
وبعد الجمود السياسي والدبلوماسي الشامل في علاقات البلدين، امتدت القطيعة إلى الاقتصاد والتجارة منذ يونيو/ حزيران 2022. وتوقفت واردات الجزائر من إسبانيا بشكل شبه تام، مقابل استمرار في تدفق صادرات البلد العربي إلى مدريد وفي مجملها محروقات (غاز ونفط ومشتقات بترولية)، بعد تعميم أصدرته جمعية البنوك والمؤسسات المصرفية (حكومية) منعت بموجبه عمليات الاستيراد.

وخريف 2022 راجعت شركة المحروقات الحكومية سوناطراك، أسعار عقود توريد الغاز إلى إسبانيا عبر خط أنابيب "ميدغاز" الذي يربط البلدين عبر المتوسط. وبررت سوناطراك الإجراء حينها بضرورة "تحيين أسعار الغاز وجعلها تواكب التطورات الحاصلة في السوق الدولية" عقب الحرب الروسية الأوكرانية. ونشرت وسائل إعلام إسبانية تقارير في أكثر من مناسبة تحدثت عن "خسائر" فادحة طاولت الشركات الإسبانية التي تصدر سلعا وخدمات إلى الجزائر جراء توقف شبه تام لمبيعاتها.

الأهداف السياسية للصفقة
في هذا السياق، يرى رئيس النادي الجزائري الإسباني للتجارة والصناعة، جمال الدين بوعبد الله، أن الإمارات ومن خلال عرض "طاقة" لشراء شركة ناتورجي وفي ظل علاقات متوترة مع الجزائر، كان واضحا أنه يستهدف جوانب سياسية أكثر منها اقتصادية.

ويقول بوعبد الله في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مدريد يبدو أنها خلصت إلى أن هذه الصفقة وفق العرض الذي تقدمت به شركة "طاقة"، لا تخدم البلاد ولا تتناسب مصالحها مع الاستراتيجية، خصوصا بعد أن هددت الجزائر بقطع الإمدادات في حال حصل تغيير في ملاك شركة ناتورجي. ووفق بوعبد الله، فإن آخر ما تم تداوله بشأن هذه الصفقة هو مقترح من السلطات الإسبانية بالعرض على شركة "طاقة" بأن لا تتحكم في كامل رأسمال ناتورجي، بل في جزء منه فقط يكون بحصة تقل عن 50 بالمائة، بالشراكة مع بنك "كايسكا".

وخلص رئيس النادي الجزائري الإسباني للتجارة والصناعة إلى أن سلطات مدريد رأت في أن هذه الصفقة بهذه الصيغة أي أقل من 50 بالمائة فقط لشركة "طاقة"، ستضمن استمرار تدفق إمدادات الغاز الجزائري على البلاد.

العقود تحمي سوناطراك
الخبير بشؤون الطاقة والمسؤول السابق بشركة النفط الحكومية الجزائرية سوناطراك، بغداد مندوش، يؤكد أن الحكومة الإسبانية من المستبعد أن توافق على عرض طاقة الإماراتية للاستحواذ على كامل أسهم ناتورجي لعدة أسباب. ويشرح مندوش الذي شغل مناصب سامية بشركة سوناطراك سابقا، أن هناك مرسوما ملكيا في إسبانيا صادرا في 2022 برقم 271، يخول الحكومة التدخل في بيع أسهم الشركات الناشطة في قطاعات استراتيجية على غرار الطاقة.

وحسب المسؤول السابق بشركة النفط الحكومية الجزائرية سوناطراك، فإن المرسوم يتيح للحكومة التدخل بتطبيق حق الشفعة تجاه أي طرف أجنبي راغب في شراء أسهم شركة إسبانية عمومية أو خاصة بأكثر من 10 بالمائة. وشدد مندوش على أن الطرف الجزائري لم يعلق بعد رسميا على ما يتم تداوله بشأن هذه الصفقة، سواء وزارة الطاقة أو سوناطراك، التي أبرمت عقدا طويل المدى مع ناتورجي لإمدادها بالغاز.

وأشار الخبير بشؤون الطاقة، إلى أن سوناطراك ترتبط مع ناتورجي بعقد طويل المدى، وإن حدث تغيير في الوجهة النهائية للغاز الجزائري إلى غاية 2032، فإن الطرف الجزائري سوف يرفع قضية في التحكيم الدولي. وقال في هذا الصدد: "نشير إلى أن العقود الطويلة فيها بند يعرف بـ "خذ أو ادفع take or pay" ومفاده أن الكميات المتعاقد عليها يجب على الطرف الإسباني أن يشتريها وفي حال عدم حدوث ذلك يجب عليه دفع ثمنها".

المساهمون