صرخات الجوعى اليمنيين: احتجاجات واسعة على وقع تزايد الأزمات

18 سبتمبر 2021
أطفال ينتظرون الحصول على وجبة مجانية (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

يتحدث المواطن عارف أحمد، من سكان منطقة الشيخ عثمان، شمال عدن، بسخط عارم، عن وضع معيشي مزر لم يعد باستطاعته تحمله. يشير عارف إلى "غلاء فاحش وظلام دامس وأمراض متفشية، ولا مبالاة من جميع الأطراف المسؤولة التي تغض الطرف عن معاناة الناس مع انشغالها بصراعاتها التي لا تنتهي". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "الناس تموت من الأمراض مع انتشار فيروس كورونا الذي يجتاح المدينة في موجة ثالثة أشد ضراوة، في المقابل لا يمتلك الكثير من الناس أموالاً لتوفير احتياجاتهم من الغذاء والدواء".

أما سعد حميد، وهو من سكان كريتر وسط عدن، فيقول بدوره لـ"العربي الجديد"، إن "الراتب لم يعد يكفي سوى لشراء كيس دقيق (50 كيلوغراماً) ونصف كيس أرز (25 كيلوغراماً)، بسبب غلاء الأسعار وبقاء الرواتب كما هي منذ ما قبل العام 2014". ويشرح أن الناس لم يعد باستطاعتها تحمل درجة حرارة هذا الصيف المرتفعة بشكل كبير، مع انعدام الكهرباء التي تأتي "بالقطارة" من فترة إلى أخرى.

وترتفع صرخات اليمنيين في احتجاجات واعتصامات متصاعدة، حيث يشكو المواطنون من تزايد نسبة الجوع والفقر والبطالة، في مقابل انعدام الأمن وتجاهل السلطات الأزمات بدلاً من التسريع في إيجاد الحلول.

وتشهد عدن، جنوب اليمن، احتجاجات عارمة للتنديد بتردي الخدمات العامة وتدهور الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً، ولم تجد من يخفف وطأتها. الواقع لا يختلف في حضرموت، التي تعيش مدنها على وقع مظاهرات غاضبة للتنديد بارتفاع أسعار الوقود بشكل مضاعف وانهيار الخدمات العامة وتدهور العملة الوطنية.

ويشكو المواطنون في أرخبيل سقطرى، الخاضع لسلطات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، من ترد معيشي وأزمة وقود حادة ضاعفت معاناة الصيادين الذين يعتبرون الفئة السكانية العاملة الأكبر في الجزيرة، إضافة إلى أزمة مياه حادة نتيجة للجفاف الذي تعاني منه سقطرى وأدى إلى ارتفاع أسعار المياه بشكل كبير. ويلفت الناشط الاجتماعي في سقطرى حامد بن عايض في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن معاناة المواطنين في الجزيرة ازدادت سوءاً منذ أشهر.

إذ قفزت أسعار السلع الغذائية مع شح كبير في معروض أهم المواد الأساسية، إضافة إلى أزمة وقود حادة ضاعفت أسعار اللتر بنسبة تزيد عن 400 في المائة. وأقدم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعد الحاكم الفعلي لعدن على إعلان حالة الطوارئ في المدينة والقيام بحملة اعتقالات واسعة قال إنها تستهدف محتجون قاموا بأعمال شغب وتعد على الممتلكات الخاصة، في ظل إصرار المتظاهرين على مواصلة الاحتجاجات حتى يتم وضع حد لهذه الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتصاعدة. وتواصل العملة اليمنية انهيارها مع تجاوز سعر صرف الريال حاجز 1100 مقابل الدولار الواحد، وبروز أزمة وقود حادة في أكثر من محافظة في جنوب اليمن، في حين زاد تردي التغذية بالكهرباء وساعات انقطاعاتها الطويلة في ظل بطء شديد في المعالجات الهادفة لتحسينها من خلال استيعاب منحة المشتقات النفطية السعودية المخصصة لتوفير المازوت لتشغيل محطات الكهرباء العامة.

وأكدت مؤسسة الكهرباء في عدن شراء كمية إسعافية بنحو 5 آلاف طن من وقود الديزل تكفي لتشغيل محطة التوليد الكهربائي في عدن لمدة خمسة أيام حتى وصول الدفعة الرابعة من وقود المنحة السعودية.

في المقابل، أعلنت جمعية الصرافين اليمنيين في عدن الإضراب الشامل بسبب الأوضاع الراهنة في المدنية من احتجاجات ومحاولات لاقتحام بعض شركات ومحال الصرافة.

ويحمل الخبير المصرفي نشوان سلام في حديث مع "العربي الجديد"، قطاع الصرافة في عدن، الجزء الأكبر من مسؤولية الأزمات الواسعة الراهنة والناتجة أساسا عن انهيار العملة وتجاوز سعر صرف الدولار حاجز 1000 ريال واستمراره بالارتفاع بالتزامن مع ارتفاعات قياسية في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، متأثرة أيضا بأزمات الاستيراد ومعاناة التجار منذ يونيو/ حزيران الماضي في فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع بسبب الأزمة النقدية المتأججة في البلاد.

ويضيف أن جمعية الصرافين في عدن وضعت نفسهما في موقع المواجهة مع البنك المركزي اليمني في عدن والمؤسسات المالية الرسمية، وأقدمت على تنفيذ إجراءات أحادية كما تابع الجميع مؤخراً لتثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار والريال السعودي. لكن، وفق سلام، "كان الأمر عبارة عن إجراء فاشل إلى جانب ما تم الإعلان عنه من تدابير عبر اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما نشاهده في التداعيات المتمثلة بعودة العملة إلى التهاوي بوتيرة عالية مخلفة العديد من الأزمات المعيشية".

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي مراد منصور في حديث مع "العربي الجديد"، أن المجلس الانتقالي الجنوبي عمد على تقويض عمل الحكومة التي أصبح شريكاً فيها منذ عودتها مطلع يناير/ كانون الثاني، ومحاولة فرض سلطة الأمر الواقع في عدن ومحافظات أخرى في جنوب اليمن، مركزاً على تطوير صراعاته معها بدلاً من مواجهة ما ترتب عليه من تبعات جراء هذه الممارسات مع وصول الأوضاع المعيشية إلى هذه المرحلة التي يشاهدها الجميع من سخط وغضب ومظاهرات واحتجاجات.

وتلتزم الحكومة الصمت تجاه ما تشهده بعض مناطق جنوب اليمن من احتجاجات ومظاهرات متواصلة تنديدا بتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية إلى مستويات تنذر بكارثة يصعب مواجهتها والتعامل معها. وانعكس هذا التجاهل في الاجتماع الذي عقده الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الخميس، وضم نائبه علي محسن صالح ورئيس مجلس النواب سلطان البركاني ورئيس الوزراء الدكتور معين عبد الملك، والذي لم يتطرق إلى ما يحدث في عدن والمحافظات في جنوب اليمن، مركزاً على التطورات الراهنة في البلاد على مختلف الأصعدة وتداعياتها المتجددة والمتلاحقة الميدانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يترتب عنها من تبعات ومعاناة للمواطن.

في السياق، يكشف مسؤولون في وزارة المالية والبنك المركزي في صنعاء عن إمكانية تخصيص حقوق السحب لليمن لدى صندوق النقد الدولي بقيمة 655 مليون دولار لمعالجة ملف مرتبات موظفي الدولة لمدة 6 أشهر متتالية. ويستمر الصراع الدائر في اليمن على كافة المستويات مخلفاً سلسلة من الأزمات الاقتصادية والمعيشية مع توسع مستويات الفقر والبطالة لتشمل معظم السكان في اليمن، مع اتساع بؤر الجوع وسوء التغذية وتفشي الأمراض وانتشار متزايد لحالات الإصابة بفيروس كورونا.

المساهمون