لا يبدو أن النفط الليبي سيكون في منأى عن الصراع المتجدد في ليبيا بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة من جهة، والبرلمان ومؤسسة النفط من جهة أخرى.
وبينما دخلت الحكومة المؤقتة والبرلمان في صراع حول إقرار ميزانية الدولة، يشتعل صراع آخر على السيطرة على مناصب قطاع النفط وإدارة عملياته بين الحكومة، ومؤسسة النفط التي ظلت للسنوات العشر الماضية المتحكم الفاعل في الصناعة والرقم المؤثر في موارد الدولة.
وكشفت مصادر مسؤولة في المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس لـ"العربي الجديد"، أن هناك صراعاً داخل قطاع النفط في الاختصاصات والمناصب قد يهدد بتوقف الإنتاج مرة أخرى.
وأوضحت المصادر أن إنتاج النفط تراجع قليلاً، يوم الجمعة الماضي، إلى 1.1 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى حدوث صدام إداري بين وزير النفط في حكومة الوحدة الوطنية محمد عون، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، بدأت مؤشراته بالخلاف حول الاختصاصات، وعقبها المطالبة بتشكيل جديد لإدارة المؤسسة، وذلك بخلاف إشكالية مخصصات مؤسسة النفط التي طالبت بموازنة تقدر بنحو 7 مليارات دينار (1.56 مليار دولار) للعام الجاري لتعزيز عمليات الإنتاج والوصول به إلى حوالي 1.45 مليون برميل يومياً.
وأضافت أن وزير النفط كلف، عضو مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، جادالله العوكلي بمهام رئيس مجلس الإدارة، بحجة غياب رئيسها، مصطفى صنع الله.
ولم تمض ساعات بعد هذا التكليف حتى أعلنت شركة الخليج العربي للنفط الحكومية، والتي يقع مقرها في بنغازي (شمال شرق)، الجمعة الماضي، عن عدم تمكنها من الاستمرار في العمل، بسبب عدم إحالة ميزانتي عامي 2020 و2021 إليها.
وبدأ الصراع على مناصب النفط منتصف الشهر الجاري، إذ طالب وزير النفط عبر رسالة رسمية إلى رئيس الحكومة في 14 أغسطس/ آب جاء فيها "إن مجلس إدارة مؤسسة النفط تم تشكيله بصورة مخالفة للقوانين والتشريعات المنشئة للمؤسسة والمنظمة لأعمالها"، مقترحا تشكيل مجلس إدارة جديد للمؤسسة يتكون من ستة أعضاء برئاسة طاهر رمضان حمد القطعاني، وعضوية كل من وكيل وزارة النفط والغاز، وأحمد الجيلاني الغزال، والدوكالي رمضان الزريقي، ومحمد علي عبد الله دنق.
وقال المحلل الاقتصادي عبد الحكيم عامر غيث لـ"العربي الجديد" إن "استخدام ورقة النفط كورقة مساومة من بعض الأطراف أمر غير مقبول". وأوضح أن: "ما سبب توقف إنتاج شركة الخليج العربي، والذي جرى الإعلان عنه في بيان يوم عطلة ودون إعلام الجهات المختصة؟... هذه المساومات استخدمت كثيراً في الماضي".
ويأتي الصراع على إدارة مؤسسة النفط في الوقت الذي يدور فيه صراع آخر على ميزانية الدولة بين حكومة الوحدة الوطنية والبرلمان. إذ لم تتمكن الحكومة، التي تشكلت في مارس/آذار الماضي، من تمرير موازنتها للعام 2021 عبر مجلس النواب (البرلمان) الذي يتخذ من شرق البلاد مقراً له بعد أكثر من جلسة فشل خلالها البرلمان في إقرار مقترح الموازنة الموحدة بعد انقسام استمر أكثر من ست سنوات وانقضاء ثمانية أشهر.
وقال الخبير النفطي محمد أحمد لـ"العربي الجديد" إن إدارة مؤسسة النفط، والتي تعد الأهم في البلاد، لا يجب أن تتم بهذه الطريقة، موضحا أن "كلا من وزارة النفط والمؤسسة الوطنية للنفط على خطأ، وفي حالة وجود خلاف قانوني حول إدارة المؤسسة يمكن حله عبر القضاء وليس عبر بيانات".
وتتسارع الأحداث باتجاه حدوث صدام سياسي أعمق، إذ رفض الدبيبة في كلمة ألقاها، الجمعة الماضي، تهديدات البرلمان بسحب الثقة من حكومة الوحدة التي يقودها، قائلا إن فشل البرلمان في إقرار ميزانيته أعاق عمل الدولة.
وأضاف الدبيبة أن أسباب مجلس النواب في شرق البلاد لعدم الموافقة على مقترحاته المتكررة للميزانية "غير حقيقية وواهية"، وألقى باللوم على المجلس في عرقلة الانتخابات المقررة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وجاءت كلمة الدبيبة ردا على طلب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مثول رئيس الحكومة أمام المجلس لاستجوابه بشأن أداء حكومته أو مواجهة تصويت بحجب الثقة.
وفي ظل حالة الجمود السياسي المتفاقمة، يخشى العديد من الليبيين من أن تفقد العملية، التي نجحت في تشكيل حكومة موحدة لأول مرة منذ سنوات، زخمها.
وقد يؤدي الإخفاق في إجراء الانتخابات أو أن تكون النتيجة متنازعا عليها إلى إنهاء العملية السياسية، وتفجير الصراع الذي دمر مساحات شاسعة من المدن الليبية وجذب قوى خارجية كبرى وجعل للمرتزقة الأجانب موطئ قدم على طول الخطوط الأمامية.
ولم تشهد ليبيا سلاما يذكر منذ ثورة 2011 التي أطاحت معمر القذافي، حيث انقسمت البلاد بين فصائل شرقية وغربية متناحرة منذ 2014، جرى خلالها استغلال ملف النفط كورقة ضغط فاعلة في الصراع.
وتباينت ملاحظات مجلس النواب حيال مقترحات الحكومة للميزانية في الكثير من التفاصيل ومسبباتها، فبينما طالبتها بخفض حجمها طلبت منها في ذات الوقت تضمين قوانين جديدة بشأن رفع رواتب موظفي عدد من القطاعات الحكومية والخدمية.
لكن أسبابا أخرى يبدو أنها الأهم وراء تعطيل الميزانية أفصح عنها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أثناء زيارته للواء المتقاعد خليفة حفتر في مقره العسكري في الرجمة شرق البلاد مؤخرا، وتتعلق بضرورة منح حفتر ومليشياته ميزانية "محترمة ومقدرة"، وهو المطلب الذي تخشى الحكومة أن يجرفها لأتون الصراعات القائمة، خصوصا وأنه لن يكون مقبولا لدى المكونات العسكرية والسياسية في غرب البلاد.
ومع عرقلة موازنة الدولة، بدت حكومة الدبيبة تتحرك صوب تبني خطة تهدف إلى فك الحصار الذي يفرضه مجلس النواب على الموازنة العامة للدولة، إذ تسعى إلى إبرام شراكات دولية، لا سيما مع شركات النفط الكبرى، لتصبح بمثابة ورقة ضغط فاعلة، وفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد" في وقت سابق من الشهر الجاري.
وترى المصادر أن الدبيبة يسعى إلى خلق حلفاء في عدة عواصم من خلال تلك الشركات الكبرى التي يمكن أن تمارس ضغطاً على حكوماتها لصالح حكومته.
وفي منتصف أغسطس/ آب الجاري، قررت الحكومة تمديد العمل باتفاقية الاستكشاف المبرمة بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركتي توتال وفينرشال بتروليوم حتى إبريل/ نيسان 2023.
وأعلن الدبيبة، خلال لقاء مع وكالة بلومبيرغ الأميركية، قبل أسبوع، عن عزم حكومته إقامة مؤتمرين للنفط والغاز، الأول في تكساس والثاني في طرابلس نهاية العام الجاري، ستعرض خلالهما مشروعها للاستثمار في قطاع النفط.
وأشار إلى أن حكومته عازمة على تجاوز التأثيرات السلبية للصراعات في البلاد على جهودها لإنعاش الاقتصاد وتحقيق الاستقرار في قطاع النفط.
وكان مقرراً زيادة إنتاج النفط إلى 1.45 مليون برميل يومياً بنهاية العام الجاري، وإلى 1.6 مليون برميل خلال عامين وإلى 2.1 مليون برميل في غضون 4 أعوام.