صراع النفط الليبي: اتهامات بالفساد وإخفاء ضرائب الشركات

22 يناير 2022
عامل في مصفاة "زاوية" النفطية (ماركو لونغاري/ فرانس برس)
+ الخط -

بلغت المستحقات والضرائب على الشركات الأجنبية النفطية العاملة في ليبيا 2.34 مليار دولار، وفقاً لرسائل وتقارير مؤسسة النفط الحكومية، فيما يؤكد مصرف ليبيا المركزي، عبر آخر بياناته، أن هناك إيرادات نفطية ومستحقات على الشركات النفطية لم تورد إلى حساب وزارة المالية لدى مصرف ليبيا المركزي، أما ديوان المحاسبة، فوصف تصرّف مؤسسة النفط بمستحقات شركات النفط بـ"غير القانونية"، معتبراً أنها تفرّط بأموال الدولة.

وبموجب القانون الليبي، تسلم المؤسسة الوطنية إيرادات وضرائب النفط إلى مصرف ليبيا المركزي، وتحصل بعد ذلك على مخصصات ميزانيتها من الحكومة الليبية.

وفي تفاصيل الخلاف الحاصل حول المستحقات على الشركات النفطية الأجنبية، قال مصدر مسؤول من وزارة المالية (فضل عدم ذكر اسمه)، لـ"العربي الجديد"، إن حسابات مؤسسة النفط الليبية توازي صفراً في ما يخص المستحقات (الإتاوات) والضرائب المستحقة على شركات النفط الأجنبية حتى نهاية 16 يناير/ كانون الثاني من العام الحالي. في المقابل، شرحت رسالة للمؤسسة الوطنية للنفط، موجهة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، أن الضرائب والإتاوات المستحقة للدفع على الشركات المشاركة في عقود الامتياز تستثمر في تمويل المشروعات وتنفيذها.

وتأتي هذه التمويلات استناداً إلى قرار رقمه 496 لسنة 2021، وقد وُصفت بأنها "ترتيبات وقتية".

اتهامات وردود

ولكن ديوان المحاسبة أكد أن مؤسسة النفط لم تقم بإحالة العقود وأي بيانات في أي مرحلة من مراحل التعاقد، وذكر الديوان، عبر رسالة بتاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أن هناك شبهات فساد في ما يتعلق بعقود مؤسسة النفط، وقال إنها امتنعت عن إخضاع العقود لمراقبة الديوان.

وبحسب ثلاثة مصادر لـ"العربي الجديد" من المؤسسة الوطنية للنفط، أحدها قانوني، فإن الأموال في حساب وزارة المالية في حكومة الوحدة الوطنية تستخدم لبعض المشروعات النفطية.

وأشارت المصادر إلى أن المؤسسة استندت إلى قرار رقم 496 لسنة 2021 الصادر عن رئيس مجلس الوزراء بحيث ينص في المادة الأولى منه على أن يؤذن لمؤسسة النفط باستخدام الإيرادات والضرائب والمستحقات على الشركات المشاركة في عقود الامتياز، وتنفيذ المشروعات المشمولة.

وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع هيئة الرقابة الإدارية للتعليق على القرار باعتبارها الجهة المسؤولة عن القرارات الإدارية وإيقاف المخالف منها، إلا أنها لم تستطع الوصول إلى جواب. والإنتاج النفطي مغطى بقانون البترول لعام 1958، الذي ينص على الملكية العامة للاحتياطات النفطية، وينظم القانون وتعديلاته اللاحقة عمل الشركات على الأرض وفقا لامتيازات تعطيها الدولة لشركة معينة تغطي مساحات من أراض معينة في إقليم الدولة البري أو البحري، ولدى تحقيق اكتشاف نفطي من قبل الشركة، فإن لها حق الحصول على نسبة معينة من الإنتاج مقابل ضريبة تدفعها للدولة.

وأشارت مؤسسة النفط بتاريخ 14 يناير إلى أن مبلغاً بقيمة 2,275 مليار دولار أودع في حساب وزارة المالية لدى مصرف ليبيا المركزي، والرقم يختلف مع رسالة أخرى، حصلت عليها "العربي الجديد" من مؤسسة النفط، إلى رئيس الحكومة مؤرخة بتاريخ 4 يناير ذات رقم إشاري رقم التسجيل 61 الملف رقم 25-3-1، والتي تشير إلى مبلغ قيمته 2.346 مليار دولار، والفرق بين الرقمين يوازي 71 مليون دولار.

وقالت المؤسسة إن الإيرادات التي تحصل عليها من الإتاوات مخصصة لإنشاء عدد من المشاريع التنموية، منها مشاريع الغاز وتركيب التسهيلات السطحية والخط الرئيسي لنقل النفط الخام من حقل "ليراون" إلى حقل الشرارة النفطي محطة "ب " وغيرها من المشاريع.

التصرّف بالأموال

وتختلف تصريحات مؤسسة النفط عن بيانات وزارة النفط في حكومة الوحدة الوطنية. الأخيرة قالت إن المؤسسة الوطنية للنفط اتخذت إجراءات مخالفة لنصوص القانون، والتي بموجبها طلبت من شركات النفط الأجنبية العاملة بقطاع النفط تأجيل عملية دفع مستحقات الدولة الليبية، "وبذلك تكون عطلت استلام مبالغ مالية طائلة مستحقة للدولة الليبية وأخرتها مدة زمنية طويلة تتجاوز السنة منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ما حرم الدولة الليبية والشعب الليبي من الاستفادة من هذه الأموال وتسخيرها في مشاريع تنموية في شتى المجالات، لتعود بالفائدة والمنفعة وتساهم في رفع المعاناة اليومية التي يعانيها الشعب من جراء نقص تدفقات النقد الأجنبي وتأثيرها على مختلف نواحي الحياة".

وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، في 2020، إن المؤسسة تحفظت على الإيرادات المباشرة والإتاوات والضرائب المستحقة على شركات النفط الأجنبية بغية تحريك المياه الراكدة ومعاودة الإنتاج، "فأنقذت البلاد من شبح الحرب والإفلاس"، بحسب كلامه. وتابع أن "الرابحون من استثمار الإتاوات والضرائب في قطاع النفط هم أبناء الشعب الليبي".

ولكن المحلل المالي محمود سالم أكد لـ"العربي الجديد" أن الإجراء المتخذ من قبل مؤسسة النفط يعتبر مخالفة مالية، وهو يتنافى مع القانون المالي للدولة الليبية، مطالباً بضرورة سحب هذا الإجراء. وقال سالم إن الأخير يعد نوعاً من الفساد، فالقرار يخالف القانون، "وبالتالي يجب إنشاء أو تكليف مكتب محاسبي للتدقيق في الأموال ومراجعة حسابات الشركات الأجنبية وفرض الغرامات المالية عليها في حالة التأخر في الدفع".

المطالبة بالشفافية

وسأل الخبير النفطي محمد أحمد عن سبب عدم توريد جزء من الإيرادات النفطية والإتاوات المستحقة على الشركات النفطية الأجنبية، وقال لـ"العربي الجديد" إن الخلاف محصور في الإتاوات فقط والذي تشير تقارير المؤسسة الشهرية إلى أنه لم يدخل في حساباتها. ودعا إلى ضرورة اعتماد الشفافية والإفصاح عن ماهية الشركات النفطية الأجنبية المشتركة، وحجم إنتاجها.

ومن جهته، رأى المحلل الاقتصادي عبد الناصر الشيباني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "مؤسسة النفط على حق" في ظل عدم وجود موازنة للقطاع النفطي لتطوير ورفع معدلات الإنتاج. وقال لـ"العربي الجديد" إن مؤسسة النفط عملت وفق قرار حكومي من أجل تحويل الإتاوات في الحساب للمشاريع التنموية، وعلى المؤسسة نشر كشف حساب شامل.

واعتبر المحلل الاقتصادي عبد الله الترهوني أن هناك حالة تخبط وفوضى تعيشها أغلب المؤسسات الحكومية، إلا أن توريد أو تحصيل مبلغ مالي هو حق أصيل للدولة الليبية من الشركات النفطية الأجنبية. ولفت إلى أن هناك حجباً للإتاوات أو امتناعاً عن دفعها بطريقة ملتوية أو تواطؤ بعض الأطراف مع الشركات، مؤكدا أن تضارب الاختصاصات بين وزير النفط والمؤسسة أخرج موضوع إتاوات شركات النفط إلى العلن.

المساهمون