عادت العملة اليمنية إلى واجهة الصراع بين طرفي الحرب في البلاد، إثر تعميم البنك المركزي في صنعاء الخاضع لإدارة الحوثيين يحذر فيه من تزييف البنك المركزي الحكومي في عدن العملة الوطنية.
يأتي هذا التحذير بعد طباعة عملة من فئة ألف ريال مشابهة للفئة المطبوعة في عام 2017 المتداولة حالياً في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين. وقد تم التدوين على هذه العملة، كما قال البنك المركزي في صنعاء، على أنها طبعت في 2017 وهي الطبعة التي تمت الموافقة على تداولها واستثنائها من القرار الذي اتخذته سلطات صنعاء نهاية العام 2019 بمنع تداول العملة الجديدة المطبوعة.
ووجهت جمعية الصرافين في صنعاء تعميماً لشركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية يطالبها "بالامتناع عن نقل الأموال بالريال اليمني من المحافظات غير الواقعة تحت سيطرة حكومة الحوثيين، سواء كانت بالريال المستخدم أو المسلسل أو المقرطس، ومهما كانت سنة طباعة تلك الأموال". وفي حال المخالفة فإنه ستتم مصادرة تلك الأموال وإحالة المخالفين إلى الجهات المختصة بتهمة الإضرار بالاقتصاد الوطني.
وشكك خبراء اقتصاد ومصرفيون من أن يكون لهذا القرار أي مغزى أو هدف اقتصادي كما تتحجج الجهات التي أصدرته بدعوى الإضرار بالعملة الوطنية.
استهداف الريال
واعتبر الباحث الاقتصادي مراد منصور، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن هذا القرار يضر كثيراً بالعملة الوطنية من خلال استخدام عبارات التزوير والتزييف، وهو ما يعد استهدافاً واضحاً لرمز سيادي كالعملة الوطنية "التي لا تزال تخوض معمعة تبعات وآثار القرار الذي تم اتخاذه نهاية العام 2019 وتسبب في تجزأتها وتوسع فجوة الانقسام المالي، وتسريع انهيار العملة وارتفاع فوارق الصرف ورسوم التحويلات المالية التي ضاعفت كثيراً من معاناة اليمنيين"، وفق تعبيره.
ورأى منصور أن لهذا القرار مغزى سياسيا في إطار جولات المباحثات الدائرة حالياً، واستخدام كل طرف لما يمتلكه من أوراق لتقوية موقفه في هذه المباحثات.
وأضاف "هذا يدخل ضمن الحوار الدائر تحت الطاولة، وهو ما تتم ملاحظته بالنسبة للحوثيين في التعزيزات والحملة العسكرية الواسعة التي أطلقوها من خلال فتح جبهات أخرى على تخوم مأرب. إذ سنشهد إقدام كل طرف على اتخاذ المزيد من القرارات لتعزيز موقفه في المفاوضات".
صراع متجدد
ويعيد هذا القرار الذي اتخذه بنك صنعاء إلى الأذهان الصراع الكبير الذي نشب في ديسمبر/ كانون الأول 2019 بعد قيام الحوثيين بتنفيذ حملة واسعة في مناطق سيطرة الجماعة لمصادرة العملة المطبوعة من المواطنين والبنوك وشركات الصرافة والمحال التجارية.
إذ اعتبرت الجماعة حينها أن حيازة العملة المطبوعة تعد إضراراً جسيماً بالاقتصاد الوطني والعملة القانونية والمصلحة الوطنية العليا، في ظل أزمة سيولة خانقة تعيشها صنعاء ومناطق شمال اليمن والتي تستخدم التالف من الأوراق النقدية الورقية.
وتأثرت الأسواق اليمنية كثيراً بهذا الصراع الذي تسبب في انخفاض قيمة الريال اليمني بنسبة كبيرة مع فارق سعري بين مناطق نفوذ الطرفين، وسط ارتفاعات واسعة في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في عموم المناطق اليمنية.
كما توسعت سوق سوداء رائجة في التحويلات المالية، مع ارتفاع مضاعف لعمولات الحوالات المالية بين مناطق طرفي الصراع في اليمن، والتي وصلت منتصف الشهر الحالي إلى نحو 55 في المائة. وكانت الحكومة اليمنية التي قامت بنقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن التي اتخذت منها عاصمة مؤقتة، قد وصفت هذا القرار بالخطير ويندرج ضمن السياسات التدميرية التي انتهجتها جماعة الحوثيين لضرب الاقتصاد الوطني والفساد والمضاربة بالعملة وتقويض جهود الحكومة وسياساتها النقدية.
ويشكو مواطنون وتجار ومتعاملون مصرفيون من انخفاض كبير للعملة من الفئة الورقية 1000 ريال في صنعاء ومناطق في شمال اليمن، عقب قرار البنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين.
شكاوى المواطنين
وأبدى المواطن أوس الناصري لـ"العربي الجديد"، تذمره بعد توجهه إلى أحد محال الصرافة في صنعاء لمبادلة عملة أجنبية بعملة يمنية، بعد قيام عامل الصرافة بتسليمه المبلغ الذي قام بمصارفته بالعملة القديمة من الفئات 250 ريالاً و500 ريال والتي تعتبر شبه تالفه ونحو 50 في المائة منها مقطعة وغير صالحة للتداول.
كما عبّر التاجر أمين الأغبر عن غضبه، في حديثه مع "العربي الجديد"، مما يدور من صراع حول العملة، والذي أضر كثيراً بالقطاع التجاري، وتسبب في خسائر واسعة تتكبدها شركات الأعمال والتجار بسبب توسع فوارق الصرف ورسوم الحوالات المالية بين المناطق اليمنية، وصعوبة الحصول على الدولار بغرض الاستيراد.
ولفت إلى أن الأمر لا يتوقف عند تجزئة العملة الوطنية المتداولة بل حتى الدولار منقسم بين مناطق الطرفين، حيث تتداول صنعاء الفئة البيضاء من الدولار طبعة 2006 وما قبلها، بينما الطبعة ذات اللون الأزرق هي الطاغية في عملية التداول في عدن، والتي تعمل قطاعات الصرافة العاملة فيها على تخفيض صرف الطبعة الأخرى بنسبة كبيرة كشرط لمصارفتها.
أزمات متعددة
وتعيش صنعاء على وقع أزمات مصرفية عديدة عقب قرار وزارة الخزانة الأميركية إدراج شركة سويد وأولاده للصرافة، والتي تعد من كبار شركات الصرافة في اليمن، على لائحة العقوبات، فيما نفت الشركة حيثيات صدوره وأكدت عدم انتمائها إلى أي جهة سياسية.
ويرجع مسؤول مالي في صنعاء أن ما يجري للعملة الوطنية من تدهور وتوسع الفارق في تحويل سعر الصرف من الريال إلى الدولار، إلى طباعة كميات كبيرة من النقد المحلي من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
لكن لدى مصرفيين تفسير آخر لموقف سلطة صنعاء من العملة الوطنية المطبوعة، إذ رأوا أنه في حال موافقتها على تداول هذه الكتلة النقدية في مناطق سيطرتها فهو بمثابة اعتراف ضمني بالبنك المركزي في عدن، وبالتالي الانصياع لسياساته النقدية بالكامل.
وأكد المحلل المالي والمصرفي أكرم النقيب لـ"العربي الجديد"، أن العملة اليمنية فقدت كثيراً من قيمتها بسبب هذا الصراع والانقسام المالي "الذي يبدو أنه سيتحول إلى أمر واقع سيقبل به الجميع، عكس ما يثار في وسائل الإعلام من تصدر هذا الملف أجندة المشاورات الجارية لتوحيد المؤسسات المالية وتداول العملة".
واعتبر أن إثارة موضوع العملة عملية متعمدة من قبل بعض الأطراف لإعادة إحكام قبضتها على إدارة السوق النقدية، بعدما حققت بعض المكاسب فيما يخص مطار صنعاء ودخول شحنات الوقود.