تصدّر البصل المشهد وشغل الجزائريين طيلة شهر رمضان بعدما انتقلت أزمته من دولٍ عربية وغربية إلى الجزائر، حيث سجلت أسعار البصل ارتفاعات قياسية، زادت من مخاوف الجزائريين من تضاعف موجات الغلاء في رمضان الذي يشهد كل سنة ارتفاعا للطلب والأسعار إلى ما بعد شهر الصيام، فيما يُبرر الفلاحون الزيادات بموجات الجفاف التي عاشتها الجزائر في نهاية 2022، والتي أثرت على محاصيل البصل.
وفي أسواق الجزائر، شهدت أسعار البصل أرقاما غير مسبوقة، وخاصة أن البلاد تسجل اكتفاء من المادة منذ سنوات، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 300 و320 ديناراً (2.37 دولار)، حسب نوع البصل المعروض وجودته.
في سوق "الحراش" الشعبي، في الضاحية الشرقية من العاصمة الجزائرية، يقول عبد الله عوام، وهو متقاعد، إن "البصل الذي كان يُعتبر جزءاً من مكونات طعام الفقراء بات سعره يضاهي سعر البرتقال وأغلى من البطاطا والطماطم، وحتى الفراولة".
ويضيف المواطن الجزائري: "نعم رأيت أن هناك أزمة بصل في الأخبار الدولية، لكن أن تمسنا أزمة في بلد منتج للبصل فهذا وراءه العديد من الأسئلة".
ويُعتبر البصل من المكونات الأساسية في الأطباق والموائد الجزائرية، وتعليق سلال البصل في الشرفات والمطابخ من تقاليد الأسر الجزئرية في ما يتعلق بتخزين المؤونة، في مقدمتها البصل والثوم، واللحم المُجفف.
ووفقا لتقديرات الهيئات الدولية المتخصصة، فإن الجزائر تعد من بين أهم الدول العشرين المنتجة للبصل، حيث يقدر معدل الإنتاج بنحو 1.525 مليون طن، وتحتل الجزائر المرتبة 13 عالميا والثالثة عربيا بعد مصر والسودان، حيث يبلغ متوسط الإنتاج حسب الفرد 35.98 كيلوغراماً للفرد الواحد.
وتقول المواطنة "أم السعد" إنها اعتادت أن تشتري البصل بأسعار منخفضة خاصة في فصل الشتاء، ولا يرتفع سعره فوق 100 دينار للكيلوغرام الواحد، إلا في حالات نادرة، "لا أعرف كيف تضاعف سعره، البصل مكون أساسي ورئيس في المطبخ الجزائري وعلامة بارزة للأسر التي تخزن المؤونة، والله مؤسف ما نعيشه".
وأدت حرب أوكرانيا والظروف الجوية القاسية إلى ارتفاع أسعار البصل والخضروات في العديد من الدول في غرب آسيا وشمال أفريقيا وأوروبا، بعد أزمة القمح والأرز واللحوم.
ويعزو رئيس جمعية تجار الجملة عمر غربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، سبب ارتفاع سعر البصل في الأسواق إلى "قلة البصل المعروض للبيع في الأسواق، والمخزن حاليا بغرف التبريد، حيث يتم جلبه بكميات قليلة وعرضه للبيع بأسعار مرتفعة، وبلغ سعر الكيلوغرام منه في سوق الجملة 200 دينار، ليصل إلى المستهلك بـ320 ديناراً".
ويتوقع غربي أن تواصل أسعار البصل الارتفاع في الأيام المقبلة، إلى غاية نهاية شهر رمضان، إذ إنه يعتبر منتجا أساسيا في مختلف الأطباق، ويكثر عليه الطلب، مشيرا إلى تراجع الكمية المزروعة منه، إلى جانب العديد من المنتجات الفلاحية التي تراجع إنتاجها بسبب تأخر هطول الأمطار.
من جانبه، يكشف عبد الباقي بن خونية، عضو الاتحاد العام للفلاحين الجزائريين، أن "البصل الذي يتم تسويقه حاليا هو من محصول العام الماضي، حيث تراجعت مساحات غرس البصل بسبب موجات الجفاف التي عاشتها البلاد خلال موسم زرعه، لأن البصل يحتاج إلى طقس بارد، كما أن مصاريف التخزين في غرف التبريد ارتفعت بين 20 و30 في المائة، ما يعني مصاريف إضافية ساهمت في ارتفاع معظم أسعار الخضر والفواكه".
ويضيف بن خونية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجزائر إلى حد الساعة تُعتبر من أكبر الدول إنتاجا للبصل، وحققت اكتفاء بل صدرته في العديد من الحالات، إلا أن الظروف الطبيعية وموجات التضخم سرّعت ارتفاع أسعار البصل بالتزامن مع الأزمات التي تعيشها بعض الدول".
وانتقل السجال والجدال حول أسعار البصل إلى قبة البرلمان، حيث وجّه النواب مساءلة لوزيري التجارة والفلاحة، الطيب زيتوني وعبد الحفيظ هني، فيما دخلت جمعية حماية المستهلك على خط الأزمة، للضغط على التجار بإطلاق حملات مقاطعة شراء البصل، واللجوء إلى الاستيراد الاستثنائي للبصل.
وفي السياق، يقول رئيس منظمة حماية المستهلك مصطفى زبدي إن "الأسعار التي وصل إليها البصل غير مسبوقة ونعتبرها جنونية كما نعلم أن البصل ليس في موسمه وما يتم بيعه في السوق هو من مخازن التبريد".
ويؤكد زبدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السعر الذي يتم تداوله في الأسواق 300 دينار وأكثر للكيلوغرام الواحد قد تم اقتنائه في أقصى تقدير بسعر 100 دينار للكيلوغرام في السابق، فالزيادات قدرت بـ200 في المائة وهي زيادة غير مشروعة".
ويقترح رئيس منظمة حماية المستهلك "تطبيق قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، واللجوء إلى استيراد استثنائي لتزويد السوق، كآلية لضبط السوق، فعودة الأسعار ستكون بعد خروج محصول جديد للبصل الأخضر أو حتى للموسم الفلاحي القادم إذا كان هناك زرع لهذا المنتوج الفلاحي بوفرة هذا العام".