يدخل بنك السودان المركزي، في الأول من يوليو/ تموز، مزاده السادس للعملات الأجنبية بمبلغ 50 مليون دولار بعدما استنفد خمسة مزادات، كان أولها بمبلغ 40 مليون دولار، لكنّه لم يبع منها سوى 16 مليون دولار فقط، إثر استبعاد عدد كبير من طلبات الشراء غير مستوفية الشروط.
يستهدف البنك المركزي من نظام مزادات العملة الصعبة إحداث استقرار في سعر الصرف بعد قراره تحرير العملة. لكن، على الرغم من ذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه المزادات ستسهم فعلياً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وكبح جماح السوق الموازية التي شهدت نشاطاً كبيراً خلال الأيام الماضية، ليصل الدولار إلى أكثر من 450 جنيهاً، ارتفاعاً من 375 جنيهاً عقب تحرير سعر الصرف.
يقول الخبير الاقتصادي شاذلي عبد الله عمر، لـ"العربي الجديد" إنّ مزاد العملة ممارسة قديمة وتطورت مع الأيام، مضيفاً أنّه يسمى بالنافذة اليومية لبيع وشراء العملة، واختصاراً "النافذة".
ويشرح أنّ البنك المركزي السوداني يفتح "نافذته" لبيع وشراء العملة الأجنبية، وعادة تتم عمليات البيع فقط، لذلك فإنّ طرح أو عرض الدولار للبيع ودخول متنافسين لشرائه هو ما يبرر تسميته بـ"المزاد".
ويضيف أنّ البنك المركزي يقوم من جهة ثانية بشراء الدولار من الحكومة مقابل سعر محدد، وذلك في عملية مستقلة عن المزاد.
ويلفت إلى أنّ البنك المركزي يحقق ربحاً مزدوجاً من هذا المزاد، إذ يربح من فارق السعر الذي يشتري به الدولار من الحكومة، كمثال (2 جنيه لكلّ دولار) ويربح مرة ثانية عندما يبيع الدولار إلى المصارف وشركات التحويل المالي، أو ما يعرف بالعمولة والبالغة على سبيل المثال (24 جنيهاً للبيع النقدي، و21 جنيهاً للحوالات).
ويشير إلى أنّ الهدف من واسطة الحكومة بين المصارف الحكومية، والشركات ودوائر الدولة هو توفير تمويل للقطاع الخاص من جراء عدم وجود مصادر نقد أجنبي في البلاد لاستيراد السلع والخدمات. ويتوقع أن يفقد البنك المركزي الاحتياطي من النقد الأجنبي عبر بيعه أو تأمينه لجهات غير موثوقة بالقطاع الخاص.
ويقول إنّ نافذين في الجهاز المصرفي وغيره لديهم نشاط اقتصادي واضح وكبير. ويعتقد شاذلي أنّ عملية المزاد من الناحية النظرية جيدة لكنّ تطبيقها شرّ، كونها تستكمل مسيرة تعويم العملة الفاشلة وتسبب في كارثة التمكين لغسل الأموال المقنن، متوقعاً أن تنهار العملة "وقد تصل لأكثر من ألف جنيه مقابل الدولار الواحد".
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي، الدكتور هيثم محمد فتحي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ تدهور الجنيه السوداني مقابل الدولار يعكس بشكل متسارع عمق الأزمة الاقتصادية التي زادت أسعار السلع الأساسية لهيباً.
ويلفت فتحي إلى أنّ هذه الأزمة جاءت وسط عجز عن إيجاد علاج سريع وفعال لهذا المأزق، مضيفاً أنّ السبب الأساس خلف تدهور سعر الصرف هو التضخم بوتيرة أكبر من البلدان الأخرى، ما يؤثر على حركة العملة.
ويشرح أنّ الأسباب المباشرة للانهيار تكمن في ارتفاع الأسعار إلى حدود غير مسبوقة، جراء الانخفاض المتزايد في معدلات الإنتاج، إضافة إلى أنّ ارتفاع الأسعار أدى إلى تزايد معدل دوران العملة في السوق. ويبدي تخوفه "من أن نصل إلى مرحلة لا تعدو فيها الأرقام مهمة" ويبرر ذلك بأنّ "البلد سيتجه مع الوقت إلى الدولرة الكاملة ويصبح التسعير بالدولار".
وينفى قدرة الاقتصاد السوداني على التعافي في ظلّ الانسداد السياسي وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، إلى جانب عدم استغلال الموارد.
ويقول فتحي إنّ هناك خللاً كبيراً في ميزان المدفوعات، إذ إنّ فاتورة الاستيراد أكبر من عائدات الصادرات، ما يشكل ضغطاً مستمراً على الجنيه السوداني.
ويعتقد أنّ التوقيت الذي تم فيه استخدام آلية المزاد على سعر الدولار غير مناسب، فالبلاد ليست لديها موارد دولارية منذ فترة، وهناك توجه عام لدى الأفراد نحو ما يسمى بالدولرة (تحويل أرصدتهم من الجنيه إلى الدولار) نتيجة التخوف من انخفاض قيمة مدخراتهم بالعملة المحلية.
من جهته، يوضح الباحث والخبير الاستراتيجي، الدكتور أزهري بشير، لـ"العربي الجديد" أنّ البنك المركزي فقير جداً بعد انهيار المشاريع الزراعية والإنتاج الحيواني والمرافق المدرة للدولار، مضيفاً أنّ هناك ماشية تقدر بـ60 مليون رأس، وغيرها من المشاريع الكبرى في السودان.
ويصف المزاد لتخفيض سعر الدولار، بالمزايدات، معتبراً أنّها ضياع للوقت، كون "المركزي" لا يمتلك الموارد اللازمة لمواجهة التحديات.
ووفق أزهري فإنّ المخرج الوحيد لإنقاذ السودان اقتصادياً، هو البدء في زراعة ما يعادل 150 مليون فدان، ويبرر ذلك بدراسة حديثة أكدت أنّ إيرادات زراعة البرسيم في مساحة 100 مليون فدان قد تصل إلى 165 مليار دولار في العام.
ويشرح أنّ للبنك المركزي حينها أن يتباهى. ويشير إلى أنّ السودان يحتاج إلى قيادة قوية يمكنها أن تقدم نموذجاً قيمياً وحضارياً للناس.
ويقول إنّ الأساس هو توافر الشفافية والأمانة في السياسة السودانية، لافتاً إلى أنّ السودان يمرّ بمرحلة انتقالية تواجه تحديات جسيمة.
ويتخوف أن تؤدي الأزمات إلى تمزيق السودان أو عودة الفوضى في حال استمرار المشكلات على حالها من دون إيجاد الحلول الملائمة.