في الوقت الذي تبدي فيه الإدارة الأميركية الحالية سعادتها باستعادة قطاعات كبيرة من الاقتصاد نشاطها، بعد تمكن الحكومات المحلية في الولايات من توفير أكثر من مائتي مليون جرعة من المصل المضاد لفيروس كوفيد-19، واقتراب نحو نصف السكان الأميركيين من الحصول على جرعتي التطعيم، يشير بعض التقارير إلى وجود تفاوت في ملاحظة الانتعاش عند المواطنين من مختلف الأعراق، وأيضاً داخل المدن والولايات الأميركية المختلفة.
وبعد نجاحه في تمرير حزمة إنعاش الاقتصاد وإغاثة المواطنين بقيمة 1.9 تريليون دولار، وسعيه لإقرار حزمة جديدة خاصة بتجديد البنية التحتية الأميركية بقيمة تتجاوز 2.3 تريليون دولار، وإعلانه استعادة أكثر من نصف العشرين مليون وظيفة التي فقدها الاقتصاد خلال عام الجائحة، يبدو الرئيس الأميركي جوزيف بايدن عازماً على فرض ضرائب جديدة تساعد على إعادة توزيع الثروات بين الأميركيين، وضمان وصول ثمار الانتعاش الاقتصادي إلى كافة الفئات والأعراق والمدن الأميركية.
وبالفعل، ساهمت حزمة بايدن، كما الحزم التي تم إقرارها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، في ظهور العديد من المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الأميركي، حيث ارتفعت الطلبات الجديدة على السلع المعمرة، التي تعد من أهم مؤشرات الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة، خلال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضيين، وسجلت طلبات الحصول على تعويضات البطالة أدنى مستوياتها خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن ذلك لم يشمل كل المواطنين، حيث رصدت تقارير حديثة تأخر شعور الأميركيين من أصل أفريقي وآسيوي ولاتيني، كما في بعض المناطق بعينها، بتلك الإنجازات.
وفي تقرير حديث لـ"بلومبيرغ"، سجلت الوكالة تبايناً في معدلات البطالة بين الأعراق المختلفة وبين المدن الأميركية. وفي حين وصل معدل البطالة على المستوى القومي في أعلى مستوياته خلال أزمة الجائحة إلى 12.9% في صيف العام الماضي، لم يأت الخريف إلا وكانت الفجوة في معدلات البطالة غير المعدلة موسمياً بين البيض والأميركيين من أصل أفريقي قد اتسعت بنسبة 2.9%، وبين البيض والأميركيين من أصل لاتيني بنسبة 2.3%، وعادت معدلات البطالة بين الأميركيين من أصل آسيوي لتصبح أقل من المتوسط الوطني من جديد.
ولم يأت عام 2021 بجديد، حيث كان متوسط معدل البطالة في ربعه الأول بين الأميركيين من أصل أفريقي في مدينة لوس إنجليس بولاية كاليفورنيا الأميركية 15.5%، بينما سجل خلال نفس الفترة عند البيض بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية 3.5%، كما كانت معدلات البطالة في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية لدى مختلف الأعراق، بمن فيهم البيض، أعلى من المتوسط الوطني المسجل خلال هذه الفترة.
ورغم الصورة السيئة التي ترسمها الأرقام السابقة، إلا أنها بالتأكيد تعد أفضل كثيراً من معدلات البطالة التي شهدتها تلك الأقليات خلال ذروة أزمة الوباء ربيع العام الماضي، حيث وصل معدل البطالة بين الأميركيين من أصل لاتيني في مدينة لاس فيغاس إلى أكثر من 35%، واقترب عند الأميركيين من أصل أفريقي في مدينة فيلادلفيا من 22%، وتجاوز 18% بين الأميركيين من أصل آسيوي، بينما كان أعلى ما بلغه عند البيض في تلك المدن لا يتجاوز 13%. ويشير التقرير إلى أنه حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي، فإن أكثر من نصف تلك الفجوات لم تعد إلى ما كانت عليه قبل عام كامل، وأن بعضها قد شهد اتساعاً.
وبعيداً عن أزمة التفاوت في الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي، وبعد تريليونات الدولارات التي تم، أو يجري حالياً الإعداد لضخها، يسيطر القلق على الكثيرين من حدوث ارتفاعات كبيرة في معدل التضخم الأميركي، تُزيد من معاناة الأميركيين وتقلل من مزايا استعادة الاقتصاد لنشاطه. وصباح الثلاثاء، كبدت جانيت يالين، وزيرة الخزانة الأميركية، أسواق الأسهم خسائر ضخمة بعدما قالت: "قد يكون من الضروري أن ترتفع معدلات الفائدة بعض الشيء لتجنب الاشتعال المبالغ فيه في حرارة الاقتصاد".
لكن وزيرة الخزانة، التي كانت قبل عدة سنوات رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالي، عادت بعد عدة ساعات، تبخرت خلالها مليارات الدولارات من سوق الأسهم الأميركية، لتتراجع عن كلماتها التي بدت واضحة للجميع، وتقول في لقاء عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" نظمته جريدة "وول ستريت جورنال": "هذا أمر لا أتنبأ ولا أنصح به"، مضيفةً: "لو أن هناك شخصاً واحداً يقدّر استقلالية البنك الفيدرالي، فسأكون أنا هذا الشخص".