يسعد الملياردير المصري الشهير، نجيب ساويرس، بلعب دور المشاغب الذي لا يزن الكلام قبل أن يقوله، وكثيراً ما افتخر بأنه "كياد" ودخل في سجالات لسانية، لا تليق بمركزه ولا ملياراته ولا ذكائه المفترض، لا هو ولا عائلته، إلا أن أياديه السخية، الممدودة في كل اتجاه، كانت تخرجه من كل "مطب"، وتصرف الأنظار عما ارتكبه من خطايا في حق أناس يكون منهم في أغلب الأحيان من لا يستحق إلا الاحترام.
ورغم السمعة التي يروجها هو عن نفسه، إلا أن العديد من المواقف على مدار السنين الأخيرة أثبتت أن "الباشمهندس" لا يتلفظ إلا بما يعنيه، ولا يخرج من فيه إلا ما يقصده، وأنه يزن كلماته بميزان شديد الحساسية. ولأن رأس المال وأصحابه عادة ما يكونون جبناء، فقد اعتاد الرجل أن يختار معاركه، وألا يدخل معركة في العلن إلا بعد ظهور بشائر انتصاره فيها، ولم تكن ملاسنته خلال الأيام الأخيرة، التي انتقد فيها نقيب الموسيقيين على خلفية منعه مجموعة من مطربي ما يعرف بأغاني "المهرجانات"، استثناءً من ذلك، وهو ما سيثبت حين يُعلَن قريباً إلغاء قرارات النقابة بأي حجة، إلا أن تلك القضية ليست محور الاهتمام هنا، فقد قال الملياردير أخيراً ما هو أهم.
وفي لقاءٍ مع وكالة الصحافة الفرنسية، قال الرجل المنتمي إلى أغنى عائلة في مصر إن الدولة (وكان يتحدث عن الدولة المصرية) يجب أن تكون "جهة تنظيمية وليست مالكة" للنشاط الاقتصادي، معتبراً أن المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص "غير عادلة منذ البداية".
ولتكتمل سخرية القدر وسخريته منا، أشار الرجل، الذي تجاوزت ثروته هو وعائلته 36 مليار دولار، وفقاً لمجلة فوربس، وقَبِلَ قبل يونيو/ حزيران 2013 بدفع 7 مليارات جنيه لتسوية قضية تهرب ضريبي، قبل أن يُسوّى الأمر بعيداً عن مصلحة الضرائب بعده، إلى أن "الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك". ولما سئل الأسبوع الماضي عن المشهد السياسي في مصر في الوقت الراهن، قال صاحب اللسان اللاذع إنه لا يريد أن يتكلم في هذا الموضوع!
جاءت كلمات الملياردير متعدد الأنشطة بعد أيام قليلة من نشر رئاسة مجلس الوزراء المصري بيان على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك (ميتا)، أكدت فيه استعراض المجموعة الاقتصادية دراسة متكاملة لتمكين القطاع الخاص وتعزيز دوره في الاقتصاد المصري.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن هدف الدراسة إتاحة المجال للقطاع الخاص للمشاركة بشكل أكبر في تنفيذ العديد من المشروعات التنموية والخدمية التي تُقام خلال هذه المرحلة، بعد إدراك الحكومة أهمية وجود شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص ترتكز على مسؤولية الحكومة بتهيئة البيئة المواتية والمحفزة له.
لم يكن الملياردير المشاغب ليجرؤ عن النطق بما اعتبره البعض انتقاداً لتزايد الدور الذي تلعبه الحكومة المصرية، وتحديداً الجيش المصري، في اقتصاد بلاده إلا بعد التأكد من وجود ضوء أخضر لتناول الموضوع، الأمر الذي يوحي أن هناك نية حقيقية للتعامل مع الموقف الذي انتقده بوضوح مسؤولو صندوق النقد الدولي قبل عدة أشهر، ولأول مرة منذ الاتفاق على قرض الاثني عشر مليار دولار خلال النصف الثاني من عام 2016.
الأمر لن يقتصر على بيع بضعٍ وعشرين شركة كانت قد أُعلنَت خصخصتها قبل عدة سنوات، ولم يُنفَّذ ذلك إلا في شركة واحدة فقط، بل قد يمتد إلى ما هو أكثر من ذلك.
واعتبر محللون أن إعلان مجلس الوزراء يمثل تطوراً استثنائياً في تاريخ برنامج الخصخصة المصري.ويظهر بيان مجلس الوزراء المصري، ودراسته التي يُعمَل على إعدادها على قدمٍ وساق حالياً، كما إثارة الملياردير للموضوع، أن الأمر لن يقتصر على بيع بضعٍ وعشرين شركة كانت قد أُعلنَت خصخصتها قبل عدة سنوات، ولم يُنفَّذ ذلك إلا في شركة واحدة فقط، بل قد يمتد إلى ما هو أكثر من ذلك.
وفيما كانت نية الحكومة تقتصر في الماضي على بيع حصص في بعض الشركات، أكد بيان مجلس الوزراء المصري أن التوجه الحالي يستهدف الخروج من قطاعات كاملة، والسماح بتدفق الاستثمارات الأجنبية إليها. ورغم وجود إشارات سابقة إلى تخلي الجيش عن بعض شركاته، لا يبدو أن دراسة مجلس الوزراء تشمل تنفيذ ذلك في الوقت الراهن.
وبينما تظل قضية الخصخصة محل جدال في بلادنا، ما بين مؤيد ومعارض، لا يعنيني في المشهد المتصاعد إلا جزئيتان، تختص الأولى بالتوجه الحالي للحكومة المصرية لبيع أجزاء من، أو كل ما تمتلك، في العديد من الشركات التي تمتلكها، والأسباب التي تدعوها إلى ذلك، بينما تتعلق الثانية بالرقابة على تلك العمليات، على ما يكتنفها من مخاطر تتعلق تحديداً بتقييم ما يُباع، والأطراف المشترية.
أما الجزئية الأولى، فتوضح استمرار الحكومة في سياسات تُوَسِّع عجز الموازنة، وتفرض زيادة الاقتراض من الداخل والخارج، قبل أن تتحول مع استنزاف القروض المتاحة وارتفاع تكلفتها إلى البيع للقطاع الخاص والمستثمر الأجنبي، وهو ما يقود إلى الجزئية الثانية التي تفرض نفسها مع غياب أي شكل من أشكال الرقابة أو الشفافية في بيع القطاع العام.
والعام الماضي، صدر قرار جمهوري بإزالة صفة النفع العام عن أملاك عامة للدولة، ونُقلَت ملكيتها إلى صندوق مصر السيادي، الذي لا يوجد عليه أي نوع من الرقابة المحاسبية أو البرلمانية. وقبلها أعلن المدير التنفيذي للصندوق أيمن سليمان اعتزام الحكومة التخلص من بعض ديونها ببيع أصول مملوكة للدولة لمستثمرين عرب وأجانب بالشراكة مع صندوق مصر السيادي. وأقر مجلس النواب المصري قبل فترة تعديلات تمنع رفع دعاوى بطلان العقود التي يبرمها الصندوق، أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استناداً إلى تلك العقود إلا من أطراف التعاقد دون غيرهم. فهل نطمع فقط بأن يُسمح لنا بمعرفة ما سيحدث في هذا الصندوق الأسود، مثلما يحدث في كل بلدان العالم، بخلاف جمهوريات الموز؟